١. بِاِسمِ الإِلَهِ المَلِكِ الرَحمَنِ
ذي العِزِّ وَالقُدرَةِ وَالسُلطانِ
٢. الحَمدُ لِلَّهِ عَلى آلائِهِ
أَحمَدُهُ وَالحَمدُ مِن نَعمائِهِ
٣. أَبدَعَ خَلقاً لَم يَكُن فَكانا
وَأَظهَرَ الحُجَّةَ وَالبَيانا
٤. وَجَعَلَ الخاتَمَ لِلنُبُوَّةِ
أَحمَدَ ذا الشَفاعَةِ المَرجُوَّه
٥. الصادِقُ المُهَذَّبَ المُطَهَّرا
صَلّى عَلَيهِ رَبُّنا فَأَكثَرا
٦. مَضى وَأَبقى لِبَني العَبّاسِ
ميراثَ مُلكٍ ثابِتَ الأَساسِ
٧. بِرُغمِ كُلِّ حاسِدٍ يَبغيهِ
يَهدِمُهُ كَأَنَّهُ يَبنيهِ
٨. هَذا كِتابُ سِيَرِ الإِمامِ
مُهَذَّباً مِن جَوهَرِ الكَلامِ
٩. أَعني أَبا العَبّاسِ خَيرَ الخَلقِ
لِلمَلكِ قَولُ عالِمٍ بِالحَقِّ
١٠. قامَ بِأَمرِ المُلكِ لَمّا ضاعا
وَكانَ نَهباً في الوَرى مُشاعا
١١. مُذَلِّلاً لَيسَت لَهُ مَهابَهُ
يَخافُ إِن طَنَّت بِهِ ذُبابَه
١٢. وَكُلَّ يَومٍ مَلِكٌ مَقتولٌ
أَو خائِفٌ مُرَوَّعٌ ذَليلُ
١٣. أَو خالِعٌ لِلعَقدِ كَيما يَغنى
وَذاكَ أَدنى لِلرَدى وَأَدنى
١٤. وَكَم أَميرٍ كانَ رَأسَ جَيشِ
قَد نَغَّضوا عَلَيهِ كُلَّ عَيشِ
١٥. وَكُلَّ يَومٍ شَغَبٌ وَغَصبُ
وَأَنفُسٌ مَقتولَةٌ وَحَربُ
١٦. وَكَم فَتىً قَد راحَ نَهباً راكِباً
إِمّا جَليسَ مَلِكٍ أَو كاتِبا
١٧. فَوَضَعوا في رَأسِهِ السِياطا
وَجَعَلوا يُردونَهُ شَطاطا
١٨. وَكَم فَتاةٍ خَرَجَت مِن مَنزِلِ
فَغَصَبوها نَفسَها في المَحفِلِ
١٩. وَفَضَحوها عِندَ مَن يَعرِفُها
وَصَدَّقوا العَشيقَ كَي يَقرِفَها
٢٠. وَحَصَلَ الزَوجُ لِضُعفِ حيلَتِه
عَلى نُواحِهِ وَنَتفِ لِحيَتِه
٢١. وَكُلَّ يَومٍ عَسكَراً فَعَسكَرا
بِالكَرخِ وَالدورِ مَواتاً أَحمَرا
٢٢. وَيَطلِبونَ كُلَّ يَومٍ رِزقاً
يَرَونَهُ دَيناً لَهُم وَحَقّا
٢٣. كَذاكَ حَتّى أَفقَروا الخِلافَه
وَعَوَّدوها الرُعبَ وَالمَخافَه
٢٤. فَتِلكَ أَطلالٌ لَهُم قِفارا
تَرى الشَياطينَ بِها نَهارا
٢٥. بِالتَلِّ وَالجَوسَقِ وَالقَطائِعِ
كَم ثَمَّ مِن دارٍ لَهُم بِلاقِعِ
٢٦. كانَت تُزارُ زَمَناً وَتُعمَرُ
وَيُتَّقى أَميرُها المُؤَمَّرُ
٢٧. وَتَصهَلُ الخَيلُ عَلى أَبوابِها
وَيَكثُرُ الناسُ عَلى حُجّابِها
٢٨. وَكَم هُناكَ والِجاً كَريما
وَراجِعاً مُدَفَّعاً مَظلوما
٢٩. وَواقِفاً يَنظُرُ مِن بَعيدٍ
مَخافَةَ العِقابِ وَالتَهديدِ
٣٠. حَتّى إِذا ما اِرتَفَعَ النَهارُ
ضَجَّت بِها الأَصواتُ وَالأَوتارُ
٣١. وَدارَتِ السُقاةُ بِالمُدامِ
وَاِرتَكَبَت عَظائِمُ الآثامِ
٣٢. ثُمَّ اِنقَضى ذاكَ كَأَن لَم يَفعَلِ
وَالدَهرُ بِالإِنسانِ ذو تَنَقُّلِ
٣٣. فَما بَكَت عَلَيهِمُ السَماءُ
لَمّا أُتيحَ لَهُمُ القَضاءُ
٣٤. وَكانَ قَد مَزَّقَ ثَوبَ المُلكِ
طَوائِفٌ إيمانُهُم كَالشَركِ
٣٥. فَمِنهُمُ فِرعَونُ مِصرَ الثاني
عاصي الإِلَهِ طائِعُ الشَيطانِ
٣٦. وَالعَلَوِيُّ قائِدُ الفُسّاقِ
وَبائِعُ الأَحرارِ في الأَسواقِ
٣٧. وَالدُلَفِيُّ العَودُ وَالسَفّارُ
وَمِنهُمُ إِسحَقٌ البَيطارُ
٣٨. أَعلَمُ خَلقِ اللَهِ بِالماخورِ
وَعَدَدٍ مُثَلَّثٍ وَزيرِ
٣٩. وَأَعشَقُ الناسِ لِمَن لا يَنصُرُه
حَتّى يُطيلَ لَيلَهُ وَيَسهَرُه
٤٠. وَمِنهُمُ عيسى اِبنُ شَيخٍ وَاِبنُهُ
كِلاهُما لِصٌّ حَلالٌ لَعنُهُ
٤١. يَدعونَ لِلإيمامِ كُلَّ جُمُعَة
وَلا يَرَدّونَ إِلَيهِ قُطَعَه
٤٢. وَهُم يَجورونَ عَلى الرَعِيَّه
فَسادُ دينٍ وَفَسادُ نِيَّه
٤٣. وَيَأخُذونَ ما لَهُم صُراحا
وَيَخضِبونَ مِنهُمُ السِلاحا
٤٤. وَلَم يَزَل ذَلِكَ دَأبَ الناسِ
حَتّى أُغيثوا بِأَبي العَبّاسِ
٤٥. الساهِرِ العَزمِ إِذا العَزمُ رَقَد
الحاسِمِ الداءِ إِذا الداءُ وَرَد
٤٦. فَجَمَعَ الرَأيَ الَّذي تَفَرَّقا
وَأَبرَأَ الداءَ الَّذي أَعيا الرُقى
٤٧. كَم عَزمَةٍ بِنَفسِهِ أَمضاها
لَم يَكِلِ الأَمرَ إِلى سِواها
٤٨. كانَ لَنا كَأَزدَشيرِ فارِسٍ
إِذ جَدَّ في تَجديدِ مُلكٍ دارِسِ
٤٩. حَتّى اِتَّقوهُ كُلُّهُم بِالطاعَةِ
وَصارَ فيهِم مَلِكَ الجَماعَه
٥٠. فَلَم يَزَل بِالعَلَوِيِّ الخائِنِ
المُهلِكِ المُخَرَّبِ المَدائِنِ
٥١. وَالبائِعِ الأَحرارِ في الأَسواقِ
وَصاحِبِ الفُجّارِ وَالمُرّاقِ
٥٢. وَقاتِلِ الشُيوخِ وَالأَطفالِ
وَناهِبِ الأَرواحِ وَالأَموالِ
٥٣. وَمالِكِ القُصورِ وَالمَساجِدِ
وَرَأسِ كُلِّ بِدعَةٍ وَقائِدِ
٥٤. حَتّى عَلا رَأسَ القَناةِ رَأسُهُ
وَزالَ عَنهُ كَيدُهُ وَبَأسُهُ
٥٥. شَيخُ ضَلالٍ شَرُّ مِن فِرعَونِ
لِحيَتُهُ كَذَنَبِ البِرذَونِ
٥٦. إِمامُ كُلِّ رافِضِيٍّ كافِرِ
مِن مُظهِرٍ مَقالَةً وَساتِرِ
٥٧. يَلعَنُ أَصحابَ النَبِيِّ المُهتَدي
إِلّا قَليلاً عُصبَةً لَم تَزدَدِ
٥٨. فَكَفَّرَ الناسُ سِواهُم عِندَهُ
فَلَعنَةُ اللَهِ عَلَيهِ وَحدَهُ
٥٩. ما زالَ حيناً يَخدَعُ السودانا
وَيَدَّعي الباطِلَ وَالبُهتانا
٦٠. وَقالَ سَوفَ أَفتَحُ السَوادا
وَأَملِكُ العِبادَ وَالبِلادا
٦١. وَيَدخُلونَ عاجِلاً بَغداذا
فَلَم يَرَ الكَذّابُ ذا وَلا ذا
٦٢. صاحَبَ قَوماً كَالحَميرِ جَهَلَه
وَكُلُّ شَيءٍ يَدَّعيهِ فَهوَ لَه
٦٣. وَقالَ إِنّي أَعلَمُ الغُيوبا
لَم يَرَ فيها عالِماً مُجيبا
٦٤. بَعضُهُمُ يُريدُ مِنهُ نَفَقَه
وَيَترُكُ الدَرسَ عَلَيهِ صَدَقَه
٦٥. فَخَرَّبَ الأَهوازَ وَالأُبُلَّه
وَواسِطاً قَد حَلَّ فيهِ حَلَّه
٦٦. وَتَرَكَ البَصرَةَ مِن رَمادِ
سَوداءَ لا توقِنُ بِالميعادِ
٦٧. وَأَطعَمَ الذُبوحَ أَطفالَ الناس
مَكيدَةً مِنهُ فَأَعظِم مِن باس
٦٨. فَواحِدٌ يُشدَخُ بِالعَمودِ
وَواحِدٌ يُدخَلُ في السَفّودِ
٦٩. وَبَعضُهُم مُسَمَّطٌ مَربوطُ
وَبَعضُهُم في مِرجَلٍ مَسموطُ
٧٠. وَجَعَلَ الأَسرى مُكَتَّفينا
أَغراضَ نَبلٍ وَمُعَلَّقينا
٧١. وَبَعضُهُم يُحرَقُ بِالنيرانِ
وَبَعضُهُم يُلقى مِنَ الحيطانِ
٧٢. وَبَعضُهُم يُصلَبُ قَبلَ المَوتِ
وَبَعضُهُم يَإِنُّ تَحتَ البَيتِ
٧٣. وَهَزَمَ العَساكِرَ الجَليلَه
بِشِدَّةِ البَأسِ وَلُطفِ الحيلَه
٧٤. وَرامَهُ موسى فَما أَطاقَه
وَمَجَّهُ مَن فيهِ حينَ ذاقَه
٧٥. وَقَد سَقى مُفلِحَ كَأسَ القَتلِ
وَشَكَّهُ بِمِخصَفٍ ذي نَصلِ
٧٦. وَتَرَكَ الأَتراكَ بَعدَ فَقدِهِ
كَذي يَدٍ قَد قُطِعَت مِن زَندِهِ
٧٧. وَقَتَلَ اِبنَ جَعفَرٍ مَنصورا
وَكانَ قَبلَ قَتلِهِ كَبيرا
٧٨. مِن بَعدِ ما صابَرَ أَيَّ صَبرِ
وَأَرجَفَ الناسُ لَهُ بِالنَصرِ
٧٩. وَالشَيخُ قَد غَرَّقَهُ نَصيرا
وَقالَ حَسبي فَقدُ هَذا خيرا
٨٠. أَعني غُلاماً لِسَعيدِ الأَعوَرا
قَد كانَ في الحُروبِ مَوتاً أَحمَرا
٨١. وَكَم سِوى ذاكَ وَهَذاكَ وَذا
أَبادَهُم حَتفاً وَقَتلاً هَكَذا
٨٢. حَتّى إِذا ما أَسخَطَ الإِلَها
وَبَلَغَت فِتنَتُهُ مَداها
٨٣. وَشَكَتِ الأَرضُ إِلى السَماءِ
ما فَوقَها مِن كَثرَةِ الدِماءِ
٨٤. وَضاقَتِ القُلوبُ في الصُدورِ
وَأَيقَنَت بِحادِثٍ كَبيرِ
٨٥. وَاِرتَفَعَت أَيدي العِبادِ شُرَّعا
بَعدَ الصَلاةِ جُمَعاً فَجُمَعا
٨٦. أَغرى بِهِ اللَهُ هِزَبراً ضَيغَما
إِذا رَأى أَقرانَهُ تَقَدَّما
٨٧. قَد جَرَّبَ الحُروبَ حَتّى شابا
فَإِن دَعاهُ حادِثٌ أَجابا
٨٨. لا عاجِزَ الرَأيِ وَلا بَليدا
لَكِن شُجاعاً يَخضِبُ الحَديدا
٨٩. فَلَم يَزَل عاماً وَعاماً ثانِيا
وَثالِثاً يُكابِدُ الدَواهِيا
٩٠. مُجاهِداً بِرَأيِهِ وَنَصلِهِ
وَمالِهِ وَقَولِهِ وَفِعلِهِ
٩١. حَتّى لَقَد سَمّوهُ بِالكَنّاسِ
وَعايَنوا صَعباً شَديدَ الباسِ
٩٢. مُسائِفاً مُطاعِناً مُنابِلا
مُواقِفاً مُنازِلاً مُجاوِلا
٩٣. فَكَم لَهُ مِن شِدَّةٍ وَحَملَهُ
وَضَربَةٍ وَطَعنَةٍ وَقَتلَه
٩٤. إِن رَقَدوا فَإِنَّهُ لا يَرقُدُ
أَو قَعَدوا فَإِنَّهُ لا يَقعُدُ
٩٥. يَحبو المُطيعَ وَيُبيدُ العاصِيا
وَيَخضِبُ السُيوفَ وَالعَوالِيا
٩٦. وَيَقبَلُ المُستَأمِنَ المُنيبا
وَيَغفِرُ الزَلّاتِ وَالذُنوبا
٩٧. وَلا تَراهُ ناقِضاً لِعَهدِهِ
وَلا يَشوبُ باطِلاً بِجَدِّهِ
٩٨. حَتّى قَضى اللَهُ لَهُ بِالفَتحِ
مِن بَعدِ طولِ تَعَبٍ وَكَدحِ
٩٩. وَنَصَبَ الناسُ لَهُ القِبابا
وَشَكَروا المُهَيمِنَ الوَهّابا
١٠٠. ثُمَّ سَما مِن بَعدُ لِلشَآمَين
فَجُرِّعوا مِن كَأسِهِ الأَمَرَّين
١٠١. وَعَرَفوا عِندَ اللِقاءِ صَبرَهُ
وَشَدَّهُ يَومَ الوَغى وَكِّرِّه
١٠٢. سَل عَنهُ قيلاً صُرِعوا بِشَيزَرا
وَآخَراً وَآخَراً وَآخَرا
١٠٣. وَراكِباً عَلى النَجيبِ هارِبا
لَمّا رَأى مَن فِعلِهِ العَجائِبا
١٠٤. جاءَ مِنَ الشامِ إِلى الفُسطاطِ
يَحُثُّ عَدوَ الخَيلِ بِالسِياطِ
١٠٥. وَحارَبَ الصَفّارَ بَعدَ الزَنجِ
فَطارَ إِلّا أَنَّهُ في سَرجِ
١٠٦. وَفَرَّ مِن قُدّامِهِ فِرارا
وَكانَ قِدماً بَطَلاً كَرّارا
١٠٧. وَما نَسينا مَصرَعَ الكَفورِ
الجاهِلِ المُخَلِّطِ المَغرورِ
١٠٨. إِذ قَدَّرَ الخِلافَ وَالعِصيانا
فَزادَهُ رَبُّ العُلى هَوانا
١٠٩. يُكنى بِصَقرٍ وَأَبوهُ بُلبُلُ
هَذا لَعَمري باطِلٌ لا يُقبَلُ
١١٠. ما زالَ في نَخوَتِهِ وَتيهِهِ
لا يَأخُذُ الصَوابَ مِن وُجوهِهِ
١١١. يُجَهوِرُ اللَفظَ إِذا تَكَلَّما
وَيَزجُرُ العافِيَ وَالمُسَلِّما
١١٢. أَجرَءُ خَلقِ اللَهِ ظُلماً فاحِشا
وَأَجوَرُ الناسِ عِقاباً بِالوِشا
١١٣. يَأخُذُ مِن هَذا الشَقِيِّ ضَيعَتَه
وَذا يُريدُ ما لَهُ وَحُرمَتَه
١١٤. وَوَيلُ مَن ماتَ أَبوهُ موسِرا
أَلَيسَ هَذا مُحكَماً مُشَهَّرا
١١٥. وَطالَ في دارِ البَلاءِ سَجنُهُ
وَقالَ مَن يَدري بِأَنَّكَ إِبنَهُ
١١٦. فَقامَ جيراني وَمَن يَعرِفُني
فَنَتَفوا سِبالَهُ حَتّى فَني
١١٧. وَأَسرَفوا في لَكمِهِ وَدَفعِهِ
وَاِنطَلَقَت أَكُفُّهُم في صَفعِهِ
١١٨. وَلَم يَزَل في أَضيَقِ الحُبوسِ
حَتّى رَمى إِلَيهِمُ بِالكيسِ
١١٩. وَتاجِرٍ ذي جَوهَرٍ وَمالِ
كانَ مِنَ اللَهِ بِحُسنِ حالِ
١٢٠. قيلَ لَهُ عِندَكَ لِلسُلطانِ
وَدائِعٌ غالِيَةُ الأَثمانِ
١٢١. فَقالَ لا وَاللَهِ ما عِندي لَهُ
صَغيرَةٌ مِن ذا وَلا جَليلَه
١٢٢. وَإِنَّما رَبِحتُ في التِجارَه
وَلَم أَكُن في المالِ ذا خَسارَه
١٢٣. فَدَخَّنوهُ بِدُخانِ التِبنِ
وَأَوقَدوهُ بِثِفالِ اللِبنِ
١٢٤. حَتّى إِذا مَلَّ الحَياةَ وَضَجِر
وَقالَ لَيتَ المالَ جَمعاً في سَفَر
١٢٥. أَعطاهُمُ ما طَلَبوا فَأَطلَقا
يَستَعمِلُ المَشيَ وَيَمشي العَنَقا
١٢٦. ثُمَّ بَنى مِنَ الغُصوبِ دارا
فَأَصبَحَت موحِشَةً قِفارا
١٢٧. ما ماتَ حَتّى اِنتُهِبَت وَهوَ يَرى
وَبَلَغوا في هَدمِها إِلى الثَرى
١٢٨. وَأَثبَتَ الأَعرابَ في الديوانِ
وَقالَ إِنّي مِن بَني شَيبانِ
١٢٩. مُضطَرِبُ الآراءِ وَالأَحوالِ
وَالزَيِّ وَالأَلفاظِ وَالأَفعالِ
١٣٠. يَستَعمِلُ الغَريبَ في خِطابِهِ
وَغامِضاتِ النَحوِ في كِتابِهِ
١٣١. وَيَزجُرُ الناسَ إِذا تَكَلَّما
مُفَخَّماً مُجَهوَراً مُغَلصِما
١٣٢. كَأَنَّهُ قَحطانُ أَو مَعَدٌّ
وَدارُهُ تِهامَةٌ أَو نَجدُ
١٣٣. وَكانَ قَد كَنّى اِبنَهُ بِثَعلَبِ
كَذا يَكونُ العَرَبِيُّ وَاِقلِبِ
١٣٤. وَهوَ عَلى الفِطامِ ذو زَئيرِ
أَبلَغَ لِلمُجدي مِنَ التَنّورِ
١٣٥. مُرَسِّمٌ لِيافِعٍ طَويلِ
مِثلَ جَناحِ الطائِرِ المَبلولِ
١٣٦. ثُمَّ إِذا ما قامَ عَن غِذائِهِ
وَفُرِّغَت قَهوَتُهُ بِمائِهِ
١٣٧. تَناوَلَ الريشَةَ وَالطَنبورا
فَأَضحَكَ الصَغيرَ وَالكَبيرا
١٣٨. وَضاعَتِ الأُمورُ عِندَ ذاكا
وَأَظهَرَ التَعطيلَ وَالإِشراكا
١٣٩. وَمَدحَ أَفلاطونَ وَالفَلاسِفَه
وَساعَدَتهُ في هَواهُ طائِفَه
١٤٠. وَذَكَرَ السُعودَ وَالنُحوسا
وَالجَوهَرَ المَعقولَ وَالمَحسوسا
١٤١. وَذَرعَ طولِ الأَرضِ وَالأَفلاكِ
وَكَم بِلادِ الصينِ وَالأَتراكِ
١٤٢. وَالعَرَضَ الظاهِرَ في التَجسيمِ
وَالقَولَ في طَلائِعِ النُجومِ
١٤٣. وَذَكَرَ التَعديلَ وَالإِقامَه
وَقَدَّموا النِظامَ أَو تَمامَه
١٤٤. وَاِستَثقَلوا مَن قامَ لِلصَلاةِ
فَكَيفَ مَن طَوَّلَ في القِراةِ
١٤٥. وَطَعَنوا في الفُقهِ وَالحَديثِ
وَعَجِبوا مِن مَيِّتٍ مَبعوثِ
١٤٦. فَلَم يَزَل ذَلِكَ دَأبَ الجاهِلِ
حَتّى رُمي بِسَهمِ حَتفِن قاتِلِ
١٤٧. فَلَيتَ شِعري كانَ ذا في لَجمِهِ
وَكانَ ذا فيما يَرى مِن عِلمِهِ
١٤٨. سُبحانَ مَن أَراحَ مِنهُ الخَلقا
فَكَيفَ يَحيا مِثلُهُ وَيَبقى
١٤٩. ثُمَّ اِستَوَت مِن بَعدِهِ الخِلافَه
وَزالَتِ الرَهبَةُ وَالمَخافَه
١٥٠. وَوَلِيَ المُلكَ إِمامٌ عادِلُ
قائِلُ كُلَّ حِكمَةٍ وَفاعِلُ
١٥١. مِثلُ حُسامِ العَضبِ في جَلائِهِ
عَدا بِهِ صَيقَلُهُ بِمائِهِ
١٥٢. فَلُقِيَت بَيعَتُهُ بِالطاعَه
وَرَضِيَت بِذَلِكَ الجَماعَه
١٥٣. فَأَنفَذَت مِصرُ إِلَيهِ مالَها
فَأَصلَحَت حَصراً إِلَيهِ حالَها
١٥٤. وَسارَعَ الصَفّارُ بِالإِذعانِ
وَقَبِلَ البَيعَةَ غَيرَ وانِ
١٥٥. وَاِختارَ مِن جُنودِهِ كُلَّ بَطَل
مُجَرَّبٍ إِن حَضَرَ المَوتُ قَتَل
١٥٦. ثُمَّ نَفى كُلَّ دَخيلٍ قَد مَرَق
إِذا رَأى السَيفَ قَضى مِنَ الفَرَق
١٥٧. فَإِن غَدا مِن فَوقِ ظَهرٍ نَدبِ
كانَ إِلى الأَرضِ سَريعَ الجَنبِ
١٥٨. وَإِن رَمى كانَ مَريضَ السَهمِ
ذا وَتَرٍ رِخوٍ ضَعيفِ الرَجمِ
١٥٩. يَضحَكُ مِنهُ كُلُّ مَن يَراهُ
وَيَشتَهي بِرجاسُهُ قَفاهُ
١٦٠. وَهَرَبَت سِهامُهُ مِنَ الهَدَف
كَأَنَّهُ يَرمي بِرِجلٍ لا بِكَف
١٦١. وَإِن بَدا بِالرُمحِ كانَ أَعجَبا
تَحسَبُهُ قِرداً يَجُرُّ ذَنَبا
١٦٢. حَتّى إِذا صَغا خِيارُ الجُندِ
وَقالَ يا حَربُ اِهزِلي وَجُدّي
١٦٣. سارَ إِلى المَوصِلِ يَنوي أَمرا
فَمَلَأَ البَرَّ مَعاً وَالبَحرا
١٦٤. وَكَبَسَ اللُصوصَ وَالأَفرادا
وَأَمَّنَ البِلادَ وَالعِبادا
١٦٥. وَجَزِعَت مِن خَوفِهِ الفَراعِنَه
وَأَصبَحَت سُفنُ البِحارِ آمِنَه
١٦٦. وَكانَ في دِجلَةَ أَلفُ ماخِر
لَم يَعنِها إِلّا جَناحُ طائِر
١٦٧. يَجبونَ كُلَّ مُقبِلٍ وَمُدبِرِ
مُجاهِرينَ بِفِعالِ المُنكَرِ
١٦٨. كَم تاجِرٍ رَوَّغَهُم بِزَورَقِه
فَأَغمَدوا سُيوفَهُم في مَفرِقِه
١٦٩. وَفَرَّتِ الأَعرابُ في البِلادِ
وَءُهلِكوا إِهلاكَ قَومِ عادِ
١٧٠. فَأودِعوا السُفنَ مُكَتَّفينا
مُغَلَّلينَ وَمُصَفَّدينا
١٧١. وَبَعضُهُم مُراقَةٌ دِمائُهُم
قَد عَبِقَت بِريحِهِم صَحرائُهُم
١٧٢. وَكُلُّهُم قَد كانَ لِصّاً عادِيا
ما زالَ قِدماً يَعمَلُ الدَواهِيا
١٧٣. لَمّا رَأى مِنَ السُيوفِ بَرقا
مَلا السَراويلَ الطِوالَ ذَرقا
١٧٤. فَداسَهُم دَوسَ الحَصيدِ اليابِسِ
بِالخَيلِ وَالرِجالِ وَالفَوارِسِ
١٧٥. حَتّى أَتى المَوصِلَ فَاِستَهَلَّتِ
لَو قَدِرَت صامَت لَهُ وَصَلَّتِ
١٧٦. وَأَرسَلَ الرُسلَ إِلى اِبنِ عيسى
وَكادَ أَن يَجعَلَهُ قِسّيسا
١٧٧. وَهَمَّ أَن يَدخُلَ أَرضَ الرومِ
وَظَلَّ في كَربٍ وَفي هُمومِ
١٧٨. حَتّى اِفتَدى حَياتَهُ وَأَدّى
مالاً يَهُدُّ الحامِلينَ هَدّا
١٧٩. وَوَرَدَ الرُسلُ مَعَ الهَدايا
مِن عِندَهُ فَكانَ هَذا رايا
١٨٠. فَآثَرَ الحَياةَ وَالهَوانا
وَما هَدا حَتّى رَأى الأَمانا
١٨١. وَجاءَ إِسحاقُ مُطيعاً سامِعا
وَلَم يَجِد شَيئاً سِوى ذا نافِعا
١٨٢. وَقَد أَتى حَمدانُ مِثلَ هَذا
فَأَدخَلوهُ صاغِراً بَغداذا
١٨٣. وَهُدِمَت قَلعَتُهُ الحَصينَه
وَأُخِذَت نِعمَتُهُ الثَمينَه
١٨٤. وَلَم يَدَع مِن بَعدِهِ هارونا
وَكانَ رَأياً لِلشَراةِ حينا
١٨٥. مُراوِغاً كَالثَعلَبِ الجَوّالِ
مُستَبصِراً في الكُفرِ وَالضَلالِ
١٨٦. يَلعَنُ عُثمانَ وَيَبرا مِن عَلي
وَاللَهُ ذو الجَلالِ مِنهُ قَد بَري
١٨٧. خَليفَةَ الأَكرادِ وَالأَعرابِ
وَقائِدَ الفُجّارِ وَالخُرّابِ
١٨٨. يَدعونَهُ أَميرَ مُؤمِنينا
بَل كافِراً أَميرَ كافِرينا
١٨٩. حَتّى حَواهُ كَفُّهُ أَسيراً
وَأَلبَسوهُ الوَشيَ وَالحَريرا
١٩٠. وَأَركَبوهُ أَكبَرَ البَهائِمِ
مَركَبَ كِسرى مَلِكِ الأَعاجِمِ
١٩١. آكَلُ خَلقِ اللَهِ لِلعَصائِدِ
وَمُضغَةِ اللُحومِ وَالسَرائِدِ
١٩٢. يَشرَبُ جُبّاً وَيُعَرّي مائِدَه
وَهيَ عَلَيهِ في العَشِيِّ عائِدَه
١٩٣. حَتّى إِذا قامَ إِلى الحَفيرَه
أُلفي كَعَنزٍ رَبَضَت كَسيرَه
١٩٤. بِمِثلِ هَذا طَلَبوا الرِياسَه
وَلِلحَميرِ مِنهُ أَضحَوا ساسَه
١٩٥. لا لِمَقالاتٍ وَعَقدِ دَينٍ
لَكِن لِخَدعِ الجاهِلِ المَفتونِ
١٩٦. فَنَزَلوا مَنازِلاً عَلِيَّه
وَاِرتَفَعوا عَن مَوضِعِ الرَعِيَّه
١٩٧. وَكانَ مِمّا كانَ قَبلُ رافِعُ
الناكِثُ العَهدِ الغَرورِ الخالِعُ
١٩٨. غَرسٌ مِنَ الرَفضِ زَكا وَأَينَعا
فَاِجتُثَّ مِن مَكانِهِ وَاِقتُلِعا
١٩٩. إِذا أَرادَ فِتنَةً لا يُجتَرى
خَوفاً وَيُبدي غَيرَ ذاكَ وَيَرى
٢٠٠. ما زالَ يُبدي طاعَةً مَريضَه
وَهوَ يَرى عِصيانَها فَريضَه
٢٠١. حَتّى إِذا ما اِستَحكَمَت مَرائِرُه
وَثَقُلَت مِن دائِهِ ضَمائِرُه
٢٠٢. وَقادَ آلافاً مِنَ الضَلالِ
يُعِدُّهُم لِلحَربِ وَالقِتالِ
٢٠٣. ناداهُ سُلطانُ الأَماني الكاذِبَه
وَهيَ عَلى رَأسِ الشَقِيِّ غالِبَه
٢٠٤. وَأَظهَرَ الخِلافَ وَالعِصيانا
وَنُصرَةَ الباطِلِ وَالبُهتانا
٢٠٥. وَبَيَّضَ الزَيَّ عَلى أَجنادِهِ
فَخَلَعَ السُؤدَدَ مِن سَوادِهِ
٢٠٦. وَما الَّذي أَنكَرَ مِن تَسويدِنا
وَمَن عَلَيهِ لَجَّ في تَفنيدِنا
٢٠٧. وَإِنَّما كانَ حِدادُ الهيمِ
عَلى الحُسَينِ وَعَلى اِبراهيمِ
٢٠٨. وَكَم حَوى مِن فَجرِهِ وَغِيِّهِ
مُذَكِّراً بِما حَوَت أُمَيَّه
٢٠٩. وَلَم يَزَل دَهراً عَلى ضَلالِهِ
ذا بَطَرٍ لِجُندِهِ وَمالِهِ
٢١٠. يَدعو إِلى النَبي عَلِيٍّ الرِضى
عَنهُم وَعَنّا وَجهُهُ قَد أَعرَضا
٢١١. وَلَو أَضاعَ الناسُ هَذا الدُنيا
لَقَعَدوا يَبغونَهُ سِنينا
٢١٢. فَاِختَلَفوا فَقالَ قَومٌ هَذا
وَقالَ قَومٌ آخَرونَ لا ذا
٢١٣. وَضاعَتِ الأَحكامُ وَالشَرائِعُ
وَلَم يَكُن لِلناسِ أَمرٌ جامِعُ
٢١٤. وَقَرَّتِ العَينُ مِنَ الشَيطانِ
بِما يَرى في أُمَّةِ الإيمانِ
٢١٥. مِن خَيرِ آلِ أَحمَدَ المُطَهَّرِ
وارِثِ كُلَّ عِزَّةٍ وَمَفخَرِ
٢١٦. عَلَيكَ لَعنُ الخالِقِ المُهَيمِنِ
إِلّا بَنو عَمِّ النَبِيِّ المُؤمِنِ
٢١٧. ذاكَ سَقى اللَهُ بِهِ عَلِيّا
وَعُمَراً مِنَ السَماءِ الرَيّا
٢١٨. وَنَصَبوهُ قائِماً يَدعو لَهُم
فَحَقَّقَ الرَحمَنُ فيهِ سُؤلَهُم
٢١٩. وَهَل رِضا إِلّا أَبو العَبّاسِ
الواسِعُ الحِلمِ الشَديدُ الباسِ
٢٢٠. ما زالَ يَأتي لَكَ ما تُريدُ
حَتّى أَتى بِرَأسِهِ البَريدُ
٢٢١. وَاِبتَهَجَ الحَقُّ وَأَهلُ السُنَّه
وَشَكَروا وَاللَهِ تِلكَ المِنَّه
٢٢٢. وَأَصبَحَ الرَوافِضُ الفُجّارُ
يُخفونَ حُزناً فَوقَهُ اِستِبشارُ
٢٢٣. وَمِن أَياديهِ عَلى الكَبيرِ
مِنَ العِبادِ وَعَلى الصَغيرِ
٢٢٤. وَالنازِحِ الدارِ البَعيدِ عَنهُ
في كُلِّ أَرضٍ وَالقَريبِ مِنهُ
٢٢٥. تَأخيرُهُ النَيروزَ وَالخَراجا
وَلَو أَرادَ أَخذَهُ لَراجا
٢٢٦. تَكَرُّماً مِنهُ وَجوداً شامِلاً
وَحَزمَ تَدبيرٍ وَحُكماً عادِلا
٢٢٧. وَعيدُنا بِكُلِّ مَن كانَ مَلي
مُستَأدِياً وَالزَرعُ لَم يُسَنبِلِ
٢٢٨. فَكَم وَكَم مِن رَجُلٍ نَبيلِ
ذي هَيبَةٍ وَمَركَبٍ جَليلِ
٢٢٩. رَأَيتُهُ يَعتَلُّ بِالأَعوانِ
إِلى الحُبوسِ وَإِلى الديوانِ
٢٣٠. حَتّى أُقيمَ في جَحيمِ الهاجِرَه
وَرَأسُهُ كَمِثلِ قِدرٍ فائِرَه
٢٣١. وَجَعَلوا في يَدِهِ حِبالاً
مِن قُنَّبٍ يُقَطِّعُ الأَوصالا
٢٣٢. وَعَلَّقوهُ في عُرى الجِدارِ
كَأَنَّهُ بَرّادَةٌ في الدارِ
٢٣٣. وَصَفَّقوا قَفاهُ صَفقَ الطَبلِ
نَصباً بِعَينِ شامِتٍ وَخِلِّ
٢٣٤. وَحَمَّروا نُقرَتَهُ بَينَ النُقَر
كَأَنَّها قَد خَجِلَت مِمَّن نَظَر
٢٣٥. إِذا اِستَغاثَ مِن سَعيرِ الشَمسِ
أَجابَهُ مُستَخرِجٌ بِرَفسِ
٢٣٦. وَصَبَّ سَجّانٌ عَلَيهِ الزَيتا
فَصارَ بَعدَ بِزَّةٍ كُمَيتا
٢٣٧. حَتّى إِذا طالَ عَلَيهِ الجَهدُ
وَلَم يَكُن مِمّا أَرادَ بُدُّ
٢٣٨. قالَ ئذَنوا لي أَسأَلِ التُجّارا
قَرضاً وَإِلّا بِعتُهُم عَقارا
٢٣٩. وَأَجَّلوني خَمسَةً أَيّاما
وَطَوَّقوني مِنكُمُ إِنعاما
٢٤٠. فَضايَقوا وَجَعَلوها أَربَعَه
وَلَم يُؤَمِّل في الكَلامِ مَنفَعَه
٢٤١. وَجائَهُ المُعَيَّنونَ الفَجَرَه
وَأَقرَضوهُ واحِداً بِعَشَرَه
٢٤٢. وَكَتَبوا صَكّاً بِبَيعِ الضَيعَه
وَحَلَّفوهُ بِيَمينِ البَيعَه
٢٤٣. ثُمَّ تَأَدّى ما عَلَيهِ وَخَرَج
وَلَم يَكُن يَطمَعُ في قُربِ الفَرَج
٢٤٤. وَجائَهُ الأَعوانُ يَسأَلونَهُ
كَأَنَّهُم كانوا يُذَلِّلونَه
٢٤٥. وَإِن تَلَكّا أَخَذوا عِمامَتَه
وَخَمَشوا أَخدَعَهُ وَهامَتَه
٢٤٦. فَالآنَ زالَ كُلُّ ذاكَ أَجمَعُ
وَأَصبَحَ الجَورُ بِعَدلٍ يُقمَعُ
٢٤٧. وَلا بَنى بانٍ مِنَ الخَلائِفِ
وَلا مُلوكِ الرومِ وَالطَوائِفِ
٢٤٨. كَما بَنى مِن أَعجَبِ البِناءِ
لا زالَ فينا دائِمَ البَقاءِ
٢٤٩. فَرَجَعَت كَغادَةٍ كَعابٍ
تَقَرُّ فيها أَعيُنُ الأَحبابِ
٢٥٠. فَمَن رَأى مِثلَ الرَبابِ قَصراً
كَم حِكمَةٍ فيهِ تُخالُ سِحرا
٢٥١. وَالنَهرَ وَالبُستانَ وَالبُحَيرَه
قَد جَمَعَ الماءُ إِلَيها طَيرَه
٢٥٢. وَلِلبُزاةِ مَعَها وَقائِعُ
فَغائِصٌ في جَوفِها وَواقِعُ
٢٥٣. وَبَعضُها يُذبَحُ في الأَكُفِّ
مَأسورَةٌ قَد رُمِيَت بِحَتفِ
٢٥٤. وَما رَأى الراؤونَ مِثلَ الشَجَرَه
ذاتَ غُصونٍ مورِقاتٍ مُثمِرَه
٢٥٥. وَلَم تَكُن غَرساً تُرابُهُ الثَراء
وَلَم تَكُن مِن شَجَرٍ يُسقى بِماء
٢٥٦. لَكِنَّها تُخبِرُ عَن حَكيمِ
مُوَفَّقٍ مُجَرَّبٍ عَليمِ
٢٥٧. مُفَكِّرٍ مِن قَبلِ أَن يَقولا
وَيُحسِنُ التَفهيمَ وَالتَمثيلا
٢٥٨. كَأَنَّها مِن شَجَراتِ الجَنَّه
أَنزَلَها إِلَهُنا ذو المِنَّه
٢٥٩. وَالقُبَّةُ العَلياءُ وَالأُترُجَّه
مَلَكَ فيها أَربَعينَ حِجَّه
٢٦٠. وَبِالزُبَيداتِ فَلا تَنساها
قُرَّةُ عَينِ كُلِّ مَن رَآها
٢٦١. أَبنِيَةٌ فيها جِنانُ الخُلدِ
لِكُلِّ ذي زُهدٍ وَغَيرِ زُهدِ
٢٦٢. ريبَ عَدُوُّها بِها وَذُعِّرا
وَمَلَأَت عَينَيهِ لَمّا نَظَرا
٢٦٣. كانَت عَلى ساكِنِها دَليلا
جَليلَةً قَد وَضَعَت جَليلا
٢٦٤. وَمُذكِراتٍ لِجِنانِ الخُلدِ
لَطيفَةٍ ما إِن لَها مِن نَدِّ
٢٦٥. وَمُظهِراتٍ قُوَّةَ الإِسلامِ
عَلى رَعاديهِ مِنَ الأَنامِ
٢٦٦. تُخبِرُ عَن عِزٍّ وَعَن تَمكينِ
وَحِكمَةٍ مَقرونَةٍ بِالدينِ
٢٦٧. كَذاكَ كانَ فاعِلاً سُلَيمان
إِذ أَمكَنَتهُ حِكمَةٌ وَسُلطان
٢٦٨. وَالتُبَّعِيّونَ وَبُختُ نَصَّرِ
وَحُكَماءُ الرومِ وَالإِسكَندَرِ
٢٦٩. وَمَلِكُ المُلوكِ أَعني جَعفَرا
كَفى بِهِ لِلفاخِرينَ مَفخَرا
٢٧٠. كَم لَهُمُ مِن نَهَرٍ وَقَصرِ
وَأَثَرٍ باقٍ جَديدِ الذِكرِ
٢٧١. فَلَم يَزَل لِلعابِرينَ عَجَبا
وَمَفخَراً لِلوارِثينَ حَسَبا
٢٧٢. وَمَن أَطاعَ رَغبَةً وَرَهبَه
أَكثَرُ مِن قَومٍ أَطاعوا حَسبَه
٢٧٣. لا سِيَّما إِن طالَ عُمرُ الأُمَّه
وَنَظَرَت سَلامَةً وَنِعمَه
٢٧٤. وَاِختَلَفَت وَأَحدَثَت أَحداثا
وَاِلتاثَ أَمرُ دينِها اِلتِياثا
٢٧٥. فَما لِذاكَ الداءِ مِن دَواءِ
إِلّا اِمتِزاجَ الخَوفِ بِالرَجاءِ
٢٧٦. وَكُلَّما فَخَّمَ أَمرَ المَملَكَه
وَجَدَّ ضِغنٌ لِلأَعادي حَنَّكَه
٢٧٧. وَمُعظَمُ الفُتوحِ فيهِ آمِدُ
مَعقِلُ كُلِّ فاجِرٍ مُعانِدِ
٢٧٨. لَم تُرَ قَطُّ مِثلُها مَدينَه
مَنيعَةً بِسَعدِها حَصينَه
٢٧٩. فَلَم يَزَل بِرَأيِهِ وَحِيَلِه
وَحَزمِهِ في قَولِهِ وَعَمَلِه
٢٨٠. يَذوقُها بِالرُفقِ أَيَّ ذَوقِ
وَالجَيشُ حَولَ سورِها كَالطَوقِ
٢٨١. حَتّى اِستَغاثَت بِالأَمانِ صاغِرَه
وَغَمَدَ السَيفَ بِكَفٍّ قادِرَه
٢٨٢. وَحازَ مِنها كُلَّ ما كانَ جَمَع
فيها قَديماً لُكَعٌ إِبنُ لُكَع
٢٨٣. نَعَم عَفا عَن إِبنِ شَيخٍ بَعدَما
قَد نَقَضَ العَهدَ الَّذي قَد أَحكَما
٢٨٤. ثُمَّ أَتى الرَقَّةَ يَنوي أَمرا
فَلَم يَزَل فيها مُقيماً شَهرا
٢٨٥. فَزَلزَلَ الشامَ وَعَقرَ دارِهِ
وَقَرُبَت مِنها شَبا أَظفارِهِ
٢٨٦. وَبادَرَت مِصرُ إِلى رِضائِهِ
تَنتَظِرُ الإِصعاقَ مِن سَمائِهِ
٢٨٧. وَحَمَلَت أَموالَها إِلَيهِ
وَخافَتِ البَطشَةَ مِن يَدَيهِ
٢٨٨. وَعادَ مَنصوراً إِلى الثُرَيّا
وَكُلُّ ما أَرادَ قَد تَهَيّا
٢٨٩. وَجائَهُ الوَزيرُ وَالأَميرُ
بِغِبطَةٍ فَكَمَلَ السُرورُ
٢٩٠. مُظَفَّرٌ مَن قَد أَبانَ مَكرا
وَماتَ خَوفاً مِنهُما وَذُعرا
٢٩١. لَمّا رَأى الجُيوشَ صارَ ثَعلَبا
يَجُرُّ في كُلِّ البِلادِ ذَنَبا
٢٩٢. وَقَتَلا اللُصوصَ وَالأَكرادا
وَعَمَرا مِن بَعدِها البِلادا
٢٩٣. لَم يُرَ قَطُّ صاحِبا إِمامِ
مِثلَهُما في سائِرِ الأَنامِ
٢٩٤. إِلّا أَبا الحُسَينِ أَعني قاسِما
أَحضَرَ خَلقِ اللَهِ رَأياً حازِما
٢٩٥. ثَلاثَةٌ لِلمُلكِ كَالأَثافي
قَوادِمٌ لَيسَت مِنَ الخَوافي
٢٩٦. دينُهُمُ الطاعَةُ لِلخَليفَه
وَنِيَّةٌ ناصِحَةٌ عَفيفَه
٢٩٧. وَحَزمَةٌ في الرَأيِ وَالمَشورَه
قَديمَةٌ مَعروفَةٌ مَشهورَه
٢٩٨. وَاِنظُر إِلى التَوفيقِ بِاِختِيارِهِم
وَالعِلمِ بِالناسِ وَبِاِختِيارِهِم
٢٩٩. وَصالِحُ بنُ مُدرِكٍ قَد أُدرِكا
بِما جَناهُ ظالِماً وَاِنتَهَكا
٣٠٠. فَكَم مُلَبٍّ أَشعَثٍ قَد أَحرَما
يَرجو مِنَ اللَهِ العَطاءَ الأَعظَما
٣٠١. جاءَ إِلى الكَعبَةِ مِن أَرمينِيَه
وَمِن خُراسانَ وَمِن إِفريقِيَه
٣٠٢. وَعابِدٍ جاءَ مِنَ الشاماتِ
قَد سارَ في البَرِّ وَفي الفُراتِ
٣٠٣. وَتاجِرٍ مَع حَجِّهِ وَعُمرَتِه
يَطلُبُ رِبحَ مالِهِ في سَفرَتِه
٣٠٤. مُقَدِّرٍ في الرِبحِ أَضعافَ الثَمَن
مِن قاصِدٍ صَنعا إِلى أَرضِ عَدَن
٣٠٥. فَهُم كَذاكَ سائِرونَ ظُهرا
أَو تَحتَ لَيلٍ أَو ضُحىً أَو عَصرَا
٣٠٦. إِذ قالَ قَد جاءَكُمُ الأَعرابُ
وَكَثُرَ الطِعانُ وَالضِرابُ
٣٠٧. وَصارَ في حَجِّهِمُ جِهادُ
وَاِحمَرَّتِ السُيوفُ وَالصِعادُ
٣٠٨. وَصالِحٌ يُسعِرُ نارَ الحَربِ
في شَرِّ أَعوانٍ وَشَرَّ صَحبِ
٣٠٩. فَكَم أَباحَ مِن حَريمٍ مَمنوع
وَكَم قَتيلٍ وَجَريحٍ مَصروع
٣١٠. وَكَم وَكَم مِن حُرَّةٍ حَواها
سَبِيَّةٍ وَزَوجُها يَراها
٣١١. وَتاجِرٍ عُريانَ يَدعو بِالحَرَب
لا مالَ أَبقاهُ لَهُ إِلّا سَلَب
٣١٢. فَلَم يَزَل كَيدُ الإِمامِ يَرقُبُه
يَترُكُهُ طَوراً وَطَوراً يَطلُبُه
٣١٣. حَتّى إِذا حاطَت بِهِ آثامُهُ
وَقَرُبَت مِنَ الرَدى أَيّامُه
٣١٤. دَسَّ إِلَيهِ قاصِداً أَبا الأَغَر
بِحيلَةٍ مَكتومَةٍ عَنِ البَشَر
٣١٥. قَد راضَها في قَلبِهِ زَمانا
حَتّى إِذا أَتقَنَها إِتقانا
٣١٦. أَظهَرَ ما في قَلبِهِ المَقبولِ
فَجائَهُ بِرَأسِهِ المَقتولِ
٣١٧. يَميلُ مَغروزاً عَلى القَناةِ
كَمِثلِ نَشوانَ عَلى الأَصواتِ
٣١٨. حَتّى إِذا قارَبَ عِندَ العَشرِ
في مُلكِهِ مِنَ السِنينَ الزُهرِ
٣١٩. وَقَمَعَ الجَورَ بِحُكمٍ عادِلِ
وَمَلَأَ الدينَ بِحَقٍّ شامِلِ
٣٢٠. بَدا لَهُ النَبِيُّ في المَنامِ
حُلمُ يَقينٍ لَيسَ كَالأَحلامِ
٣٢١. يَشكُرُهُ لِحَزمِهِ وَرَأفَتِه
وَحُسنِ ما يَفعَلُ في خِلافَتِه
٣٢٢. بِشارَةٌ دَلَّت عَلى الرُضوانِ
مِن رَبِّهِ ذي المَنِّ وَالإِحسانِ
٣٢٣. وَاللَهُ يولي الفَضلَ مَن يَشاءُ
بِكُلِّ شَيءٍ سَبَقَ القَضاءُ
٣٢٤. فَدَفَعَ اللَهُ الخُطوبَ عَنهُ
وَنَحنُ لِلسوءِ فِداءٌ مِنهُ
٣٢٥. ثُمَّ حَوى مِن بَعدِ ذاكَ فارِسا
كَم نَهبِ مالٍ كانَ مِنهُ آيِسا
٣٢٦. وَطالَما كانَت لَعَمري طُعمَهُ
يَأكُلُ مِنها ثَمَراتٍ جَمَّ
٣٢٧. وَكانَ لا يَحمِلُ مِن أَموالِها
شَيئاً وَيَستَقصي عَلى اِستِئصالِها
٣٢٨. سِوى هَدايا كُلِّ حَولٍ كامِلِ
يَشهُرُها في السوقِ وَالمَحافِلِ
٣٢٩. رَسولُهُ كَأَنَّهُ قَد أَفلَحا
وَقَد أَتى بِطائِلٍ وَأَنجَحا
٣٣٠. مِنها رَمادِيٌّ كُمَيتٌ قَد صَفَن
وَغِلمَةٌ في القَدِّ يَعلوهُم دَرَن
٣٣١. فَإِن عَدا ذاكَ فَبازٌ أَبيَضُ
وَفَرَسٌ حافِرُهُ مُفَضفَضُ
٣٣٢. ثُمَّ أَتَت سَعادَةُ الخَليفَةِ
وَحيلَةٌ خَفِيَّةٌ لَطيفَه
٣٣٣. وَاِنقَضَّ إِسماعيلُ مِن بِلادِهِ
إِلَيهِ حَتّى صارَ في قِيادِهِ
٣٣٤. وَهَكَذا عاقَبَهُ الطُغيانِ
وَطاعَةُ الأَنفُسِ لِلشَيطانِ
٣٣٥. وَجاءَ مالُ فارِسٍ مُوَقَّرا
كَعَهدِهِ فيما مَضى وَأَكثَرا
٣٣٦. وَحُمِلَ الصَفّارُ في القُيودِ
إِلى إِمامِ الأُمَّةِ السَعيدِ
٣٣٧. ثُمَّ اِبنُ زَيدٍ بَعدَ ذاكَ قَد قُتِل
لَم يُنجِهِ حِصنٌ وَلا رَأسُ جَبَل
٣٣٨. وَأَسلَمَتهُ لِلسُيوفِ وَالقَنا
جُندٌ تَخَلّوا عَنهُ حينَ قَد دَنا
٣٣٩. وَطالَما عاثَ وَجارَ وَعَنَد
وَقامَ يَبغي المُلكَ حيناً وَقَعَد
٣٤٠. سَل عَنهُ كُلَّ كَدَّةٍ وَحَجرِ
في طَبَرِستانَ وَوادٍ وَعرِ
٣٤١. فَكانَ ما قَد كانَ أَن يَكونا
وَصارَ حَقّاً قَتلُهُ يَقينا
٣٤٢. وَاِسأَل ثُغورَ الشامِ عَن وَصيفِ
يُخبِر بِفَتحٍ عَجَبٍ ظَريفِ
٣٤٣. قالَ أُريدُ الغَزوَ وَهوَ آبِق
وَلَيسَ يَخفى كاذِبٌ مِن صادِق
٣٤٤. وَقالَ وَلّونِيَ في مَكانِ
وَجاهَرَ الإِسلامَ بِالعِصيانِ
٣٤٥. وَسارَ بَل طارَ إِلَيهِ عَسكَرُه
ما كانَ إِلّا بِالعِيانِ خَبَرُه
٣٤٦. فَعايَنَ المَوتَ الَّذي مِنهُ هَرَب
وَمَن يَفوتُ قَدَراً إِذا اِقتَرَب
٣٤٧. فَكَم وَكَم مِن هارِبٍ ذَليلِ
وَكَم أَسيرٍ خاضِعٍ مَغلولِ
٣٤٨. وَثابِتٍ إِلى الأَمامِ يَعدو
وَذُلُّهُ مِن قَبلِهِ أَشَدُّ
٣٤٩. لَمّا أُتيحَ لِوَصيفٍ خاقان
فَعَلِمَت كَيفَ الرِجالُ الخُصيان
٣٥٠. وَمُؤنِسٌ عادَ بِهِ عَلَيهِ
وَغَلَّ مِن ساعَتِهِ يَدَيهِ
٣٥١. وَلِوَصيفٍ وَوَصيفٍ أَيضاً
يَدٌ فَقَد خاضَ المَنايا خَوضا
٣٥٢. مِن بَعدِ ما أَشجى وَصيفٌ في الوَغى
سَمِيُّهُ وَلَم يَكُن مِمَّن بَغى
٣٥٣. وَماتَ الاِفشينُ عَلَيهِ حَسرَه
وَما بَكَت عَينٌ عَلَيهِ قَطرَه
٣٥٤. وَصارَ أَيضاً قَد طَغى بُغَيلُ
ذاكَ الَّذي تَصحيفُهُ نُغَيلُ
٣٥٥. فَوافَقَ الخادِمُ في الطَريقِ
مُقَيَّداً أَقبَحَ مِن رَقيقِ
٣٥٦. وَاِبنُ البُغَيلِ وَأُناسٌ أُخَرُ
قَد كُسِبوا مِن أَرضِهِم وَأُسِروا
٣٥٧. فَأُدخِلوا مَدينَةَ السَلامِ
وَآخَذَتهُم أَلسُنُ الأَنامِ
٣٥٨. تَخطِرُ مِن تَحتِهِمِ الجِمالُ
وَفَوقَهُم قَلانِسٌ طِوالُ
٣٥٩. وَالقَرمَطِيّونَ ذَوُو الآجامِ
صَغَوا فَقَد باؤوا مَعَ الآثامِ
٣٦٠. وَشَرَعوا شَرائِعَ الفَسادِ
وَءُهلِكوا إِهلاكَ قَومِ عادِ
٣٦١. كانوا يَقولونَ إِذا قُتِلنا
صَبراً عَلى مِلَّتِنا رَجَعنا
٣٦٢. مِن بَعدِ أَيّامٍ إِلى أَهلينا
فَقَبَّحَ الرَحمَنُ هَذا الدينا
٣٦٣. وَضَرَطَ العَنزُ عَلى هَذا الخَبَر
فَهَأُلاءِ الحُمقُ مَن يَأتي سَقَر
٣٦٤. يُجاهِدونَ عَن إِمامٍ مُختَفي
يُقَرِّبُ الوَعدَ لَهُم وَلا يَفي
٣٦٥. آلَ عَلِيٍّ يا أَبا عَلِيَّ
هَذا لَعَمري سَفَهٌ وَعِيُّ
٣٦٦. لَيسَ يَزيدُ الناسُ إِن تَرَوَّسوا
وَلا يَزيدُ المُلكُ إِن تَسَوَّسوا
٣٦٧. وَلا أَراكُم تُحسِنونَ ذاكا
كَلّا وَلا إِن تُهلِكوا إِهلاكا
٣٦٨. وَلا تَكونوا حَطَباً لِلنارِ
فَرُبَّ أَشرارٍ مِنَ الأَخيارِ
٣٦٩. وَأُدخِلَ الصَفّارُ شَرَّ مَدخَلِ
يَإِنُّ مِن عَصِّ حَديدٍ مُثقِلِ
٣٧٠. بَغدادَ فَوقَ جَمَلٍ مَغلولا
أَوَّلَ يَومٍ مِن جُمادى الأولى
٣٧١. وَقالَ شادانُ وَقَد رَآهُ
كَما يُحِبُّ كُلُّ مَن عاداهُ
٣٧٢. لَيثٌ رَماهُ اللَهُ ذو المَعارِجِ
بِفالِجٍ قَبلَ رُكوبِ الفالِجِ
٣٧٣. وَمَلِكُ الرومِ أَتى كِتابُهُ
بِزَلَّةٍ تَزِفُّهُ أَصحابُهُ
٣٧٤. فَأُدخِلوا بَغدادَ في شَهرِ رَجَب
وَأَيقَنَ التُركُ بِصُغرٍ وَغَلَب
٣٧٥. وَسَأَلَ الهَدنَةَ وَالفِداءَ
فَلَم يَجِد مِن دائِهِ شِفاءَ
٣٧٦. ثُمَّ بَدا لِلسِرِّ مِن آلِ عَلي
مُجانِبٌ فِعالَ ذي الرُشدِ التَقي
٣٧٧. حَبَّذا وَعادا بِصَنعاءِ اليَمَن
وَباغَ أَجلادِ وَقتِنا ذا دَرَن
٣٧٨. وَناسِجاً لِلبُردِ وَالحَبيرِ
وَمَأكَلاً لِلبالِ في الهَجيرِ
٣٧٩. أَتباعُ إِمرَةٍ وَأَسرى هُدهُدِ
إِن حَضَروا لَم يُكرَموا في المَشهَدِ
٣٨٠. وَحُقِّروا لَمّا عَتَوا وَأَشرَكوا
فَفُرِّقوا بِغارَةٍ وَءُهلِكوا
٣٨١. ضاعوا عَنِ الإِرشادِ وَالتَسديدِ
وَاِقتَبَسوا خَلائِقَ القُرودِ
٣٨٢. وَسَمِعوا نَعقَةَ غاوٍ جاهِلِ
فَاِتَّبَعوهُ رَغبَةً في الحاصِلِ
٣٨٣. فَسَلَّطوا اِبنَ يَعفُرٍ عَلَيهِم
وَسارَ في عَسكَرِهِ إِلَيهِم
٣٨٤. فَأَصبَحوا كَأَنَّهُم ما كانوا
جَزاءَ ما قَد فَجَروا وَخانوا
٣٨٥. وَجاءَ بِالفَتحِ كِتابٌ وارِدُ
يَصدُقُهُ الشَدَّ بَريدٌ جاهِدُ
٣٨٦. وَأُشخِصَ الأَميرُ نَحوَ طاهِرِ
يَسحَبُ أَذيالاً مِنَ العَساكِرِ
٣٨٧. حَتّى نَفاهُ مِن تُخومِ فارِسِ
وَبانَ عَنها بِضَميرٍ آيِسِ
٣٨٨. وَاِستَمِعِ الآنَ حَديثَ الكوفَه
مَدينَةً بِعَينِها مَعروفَه
٣٨٩. كَثيرَةِ الأَديانِ وَالأَإِمَّه
وَهَمُّها تَشتيتُ أَمرِ الأُمَّه
٣٩٠. مَصنوعَةٍ بِكُفرِ بُختَ نَصَّر
وَكُفرِ نَمرودٍ إِمامِ الكُفَّر
٣٩١. وَعَشَّشَ الشِمرُ بِها وَفَرَّخا
ثُمَّ بَنى بِأَرضِها وَرَسَّخا
٣٩٢. وَغَرِقَ العالَمُ مِن تَنّورِها
جَزاءَ شَرٍّ كانَ مِن شُرورِها
٣٩٣. وَهَرَبَت سَفينَةُ الطوفانِ
مِنها إِلى الجودِيِّ وَالأَركانِ
٣٩٤. وَهُم بَنَوا لِلجَورِ صَرحاً مُحكَما
فَاِتَّخَذوا إِلى السَماءِ سُلَّما
٣٩٥. وَلَم يَزَل سُكّانُها فُجّارا
مُستَبصِراً في الشِركِ أَو سَحّارا
٣٩٦. تَفَرَّقوا وَبُلبِلوا بَلبالا
وَبُدِّلوا مِن بَعدِ حالٍ حالا
٣٩٧. وَهُم رَمَوا في البِئرِ إِبراهيما
لَمّا رَأَوا أَصنامَهُم رَميما
٣٩٨. وَدانِيالَ طَرَحوا في الجُبِّ
كُفراً وَشَكّاً مِنهُمُ في الرَبِّ
٣٩٩. وَأَخَذوا وَقَتَلوا عَلِيّاً
العادِلَ البَرَّ التَقي الزَكِيّا
٤٠٠. وَقَتَلوا الحُسَينَ بَعدَ ذاكا
فَأَهلَكوا أَنفُسَهُم إِهلاكا
٤٠١. وَجَحَدوا كِتابَهُم إِلَيهِ
وَحَرَّفوا قُرآنَهُم عَلَيهِ
٤٠٢. ثُمَّ بَكَوا مِن بَعدِهِ وَناحوا
جَهلاً كَذاكَ يَفعَلُ التِمساحُ
٤٠٣. فَقَد بَقوا في دينِهِم حَيارى
فَلا يَهودٌ هُم وَلا نَصارى
٤٠٤. وَالمُسلِمونَ مِنهُمُ بَراءُ
رافِضَةٌ وَدينُهُم هَباءُ
٤٠٥. فَبَعضُهُم قَد جَحَدَ الرَسولا
وَغَلَّطوا في فِعلِهِ جِبريلا
٤٠٦. وَبَعضُهُم قالوا عَلِيٌّ رَبُّنا
وَحَسبُنا ذَلِكَ ديناً حَسبُنا
٤٠٧. وَمِنهُمُ الشَراةُ وَالحِرابُ
إِن سَمِعوا بِبَيعَةٍ أَجابوا
٤٠٨. كَم أَسلَموا مِن طالِبٍ مَغرور
وَهَرَبوا في يَومِ حَربٍ مَشهور
٤٠٩. وَلَيسَ مِنهُمُ سِوى اِبنِ النَبِيِّ
وَأَنا أَفديكَ بِأُمّي وَأَبي
٤١٠. حَتّى إِذا ما الحَربُ قامَت سوقُها
بِالضَربِ وَالطَعنِ وَصاحَ بوقُها
٤١١. طاروا كَما طارَ رَمادُ الجَمرِ
وَوَهَبوهُ لِلرِماحِ السُمرِ
٤١٢. وَاِبنُ أَبي القَوسِ لَهُم نَبِيُّ
إِمامُ عَدلٍ لَهُمُ مَرضِيُّ
٤١٣. خَفَّفَ عَنهُم مِن صَلاةِ الفَرضِ
وَقالَ نابَ بَعضُها عَن بَعضِ
٤١٤. فَاِذهَب إِلى الجِسرِ تَجِدهُ فارِسا
عَلى طِمِرٍّ لِأَسيرٍ جالِسا
٤١٥. وَتِلكَ عُقبى الغَيِّ وَالضَلالِ
وَالكُفرِ بِالرَحمَنِ ذي الجَلالِ
٤١٦. ثُمَّ اِنقَضى أَمرُ الإِمامِ المُعتَضِد
وَكُلُّ عُمرٍ فَإِلى يَومٍ نَفِد
٤١٧. وَماتَ بَعدَ مِأَتَينِ قَد خَلَت
في عامِ تِسعٍ وَثَمانينَ مَضَت
٤١٨. وَالحَيُّ مُنقادٌ إِلى الفَناءِ
وَلرِزقُ لا بُدَّ إِلى اِنتِهاءِ