١. تَنَبَّهْ فَدَاعِي الطَيْرِ في أيْكِهِ يَشْدُو
وَدُهْمُ الدُّجَى تَكْبُو وَشُهْبُ الضِيَا تَعْدُو
٢. وَهَبَّ نَسِيمٌ بَارِدٌ أضْرَمَ الحَشَا
فَبَاطِنُهُ حَرٌّ وَظَاهِرُهُ بَرْدُ
٣. وَأوْمَضَ بَرْقٌ فَوْقَ أكْتَافِ مُزْنَةٍ
فَخِلْتُ وَلِيداً قَدْ تَكَنَّفَهُ مَهْد
٤. وَحَجَّبَ وَجْهَ الشَّمْسِ سَيْرُ غَمَامَةٍ
كَمَا حَجَّبَ النَّارَ المُؤَجَّجَةَ النَّدُّ
٥. فَشَمِّرْ لِنَيْلِ الوَصْلِ أكْمَامَ جَاهِدٍ
وَأطْوِ بِأيْدِي الْعِيسِ مَا نَشَرَ البُعْدُ
٦. وَخُضْ أبْحُرَ البَيْداَ بِبِيضِ رَكَائِبٍ
تَمُرُّ فَلاَ تَبْدُو لِطَرْفِكَ إذْ تَعْدُو
٧. وَخُطَّ بِأقْلاَمِ السُّرَى صَفْحَةَ الثَّرَى
لِتَشْهَدَ حَرْفًا شَأنُهُ اللِّينُ وَالْمَدُّ
٨. لَهَا مِنْ سُرَاهَا فِي الفَيَافِي طَوَائِرٌ
تَرُوحُ عَلَيْنَا بِالْغَرَامِ كَمَا تَغْدُو
٩. فَبِاللَّهِ يَا حَادِي ألِنْ فِي زِمَامِهَا
فَقَدْ سَاقَهَا شَوْقٌ بِأكْبَادِهَا يَحْدُو
١٠. وَدَعْهَا تَجِدُّ السَّيْرَ أنَّى تَوَجَّهَتْ
فَمِنْ دَأبِهَا الإرْقَالُ وَالنَّضُّ والوَخْدُ
١١. وَإنْ جِنْتَ سَلْعًا قِفْ وَسَلْ عَنْ أُهَيْلِهِ
أبِالْغَوْرِ حَلُّوا أمْ مَحَلُّهُمُ نَجْدُ
١٢. وَفِي أيّ حَيٍّ قَدْ أقَامُوا فَإنَّنِي
أرَاهُمْ بِقَلْبِي سَاكِنِينَ وَإنْ صَدُّوا
١٣. فَإنْ شَهِدتْ عَيْنَاكَ في الرَّوْضِ مُدْهِشاً
فَذَاكَ هُوَ المَحْبُوب والجوْهرُ الفَرْدُ
١٤. وَإنْ سَمِعَتْ أذْنَاكَ في الرَّوْضِ مُنْشِداً
فَذَلِكَ قُمْرِيٌّ بِأوْصَافِهِ يَشْدُو
١٥. وَإنْ قَالَ مَنْ في الحَيّ قُلْ مَيْتُكَ الذِي
بَرَاه الجَوَى وَالسُّقْمُ وَالشَّوْقُ وَالْوَجْدُ
١٦. وَحاوَلَ يَرْنُو كَيْ يَرِقَّ لِعَبْدِهِ
فَقَدْ يُنْعِمُ المَوْلَى إذَا سَألَ العَبْدُ
١٧. وَسَلْه عَنِ العَهْدِ الذِي كَانَ بَيْنَنَا
أبَاقٍ عَلَى مَا كَانَ أمْ نُقِض العَهْدُ
١٨. وَعَرِّفْهُ أنِّي لَمْ أحُلْ عَنْ وِدَادِهِ
وَلَوْ ضَمَّ جِسْمِي فِي غَيَاهِبِهِ اللَّحْدُ
١٩. وَأنَّ لَهِيبَ الشَّوْقِ فِي مَكْمَنِ الحَشَا
وَأنَّ سَحَابَ الدَّمْعِ مَوْقِعُهُ الخَدُّ
٢٠. وَأنِّي إذَا مَا اللَّيْلُ أرْخَى سُدولَهُ
أذُودُ الكَرَى عَنْ مَوْرِدٍ حَلَّهُ السُّهْدُ
٢١. وَأذْكُرَ ذَيَّاكَ الزَّمَانَ الذِي مَضَى
وَنَحْنُ مِنَ الأشْوَاقِ قَدْ ضَمَّنَا بُرْدُ
٢٢. ضَجِيعَيْنِ لَمْ نَبْرَحْ لِفَرْطِ اتِّحَادِنَا
كَحَرْفَيْنِ لِلإدْغَامِ ضَمَّهُمَا الشَّدُّ
٢٣. فَيَالَيْت شِعّرِي هَلْ إلَى الوَصْلِ عَوْدَةٌ
وَهَيْهَاتَ مَا قَدْ فَاتَ لَيْسَ لَه رَدُّ
٢٤. وَمَنْ لِي بِأوْقَاتٍ تَقَضَّتْ خَوَالِيًا
بِدُرّ اتِّصَالٍ مِثْلَمَا نُظِمَ العِقْدُ
٢٥. لَيَالِيَ جَرَّ الأنْسُ فِيهَا رِدَاءَهُ
وَأطْلَعَ بَدْرَ التَّمّ فِي أفْقِهِ السَّعْدُ
٢٦. عَلَى حِينِ وَقْدُ الحُبّ حَلَّ بِمُهْجَتِي
وَقَدْ رَقَّ لِلأشْوَاقِ فِي طَيِّهَا بَرْدُ
٢٧. وَحَيْثُ الحِمَى رَوْضٌ وَسْكَّانُهُ ظِبًا
وَحَصْبَاؤُهُ دُرٌّ وَبَهْمَاؤُهُ وَرْدُ
٢٨. وَحَيْثُ تَعَاطَيْنَا حَدِيثًا كَأنَّهُ
شَرَابٌ وَسَلْسَالٌ يَشُوبُهُمَا شَهْدٌ
٢٩. وَحَيْثُ قَوَامُ الآسِ حَدَّدَ أذْنَهُ
كَمَا صَدَحَتْ وُرْقٌ لَهَا ألْسُنٌ لُدُّ
٣٠. وَحَيْثُ الصَّبَا رَقَّتْ حَوَاشِيهِ إذْ غَدَا
يُرَاوِحُهُ الرَّيْحَانُ وَالبَانُ وَالرَّنْدُ
٣١. إلَى أنْ دَعَا بِالْبَيْنِ دَاعِي رِكَابِهِ
وَتَبًّا لِدَاعِي البَيْنِ أيْنَ غَداَ يَحْدُو
٣٢. وَقَامَتْ قِيَامَاتُ الحَمَائِمِ إذْ رَأتْ
لَوَاعِجَنَا تَخْفَى وَأشْوَاقَنَا تَبْدُو
٣٣. هُنَالِكَ أظْهَرْتُ الشُّجُونَ وَلَمْ أكُنْ
لأجْحَدَ إذْ لاَ يَنْفَعُ العَاشِقَ الجَحْدُ
٣٤. وَمَزَّقْتُ أحْشَائِي وَأجْرَيْتُ أدْمُعِي
وَصِرْتُ لِحَدٍّ لاَ يُجَاوِزُهُ حَدُّ