Feedback

أفيضا دما إن الرزايا لها قيم

١. أفيضا دماً إنَّ الرزايا لها قِيَمْ
فليس كثيراً أن تَجُودَا لها بِدمْ

٢. ولا تستريحا من بُكاء إلى كرىً
فلا حمد ما لم تُسعداني على السأمْ

٣. ويا لذة العيشِ التي كنتُ أرتضي
تقطَّعَ ما بيني وبينكِ فانصرمْ

٤. رُميتُ بخطبٍ لا يقومُ لمثلهِ
شرَوْرَى ولا رَضْوَى ولا الهَضْبُ من خيمْ

٥. بأنكر ذي نُكْرٍ وأقطعَ ذي شباً
وأمقرَ ذي طعمٍ وأوخمَ ذي وَخَمْ

٦. رزيئةِ أمٍّ كنتُ أحيا بِرُوحِها
وأستدفعُ البلوى وأستكشفُ الغُممْ

٧. وما الأمُّ إلا إمَّةٌ في حياتها
وأَمٌّ إذا فادتْ وما الأمُّ بالأمَمْ

٨. بنفسي غداةَ الأمسِ من بانَ مِنْ غدٍ
وبتَّ مع الأمسِ القرينة فانجذمْ

٩. ولما قضى الحاثونَ حَثْوَ ترابِهم
عليها وحالتْ دونها مِرَّة الوذمْ

١٠. أظلَّتْ غواشي رحمةِ الله قبرَها
فأضحى جناباهُ من النارِ في حرمْ

١١. أقولُ وقد قالوا أتبكي كفاقدٍ
رضاعاً وأين الكهلُ من راضع الحلَمْ

١٢. هي الأُّمُّ يا للنَّاسِ جُرِّعتُ ثُكْلَها
ومن يبك أُمَّا لم تُذَم قَطُّ لا يُذَمْ

١٣. فقدتُ رضاعاً من سُرورٍ عهدتُها
تُعلِّلُنيه فانقضى غيرَ مستتمْ

١٤. رضاعُ بناتِ القلبِ بان بِبَيْنِها
حَمِيداً وما كُلُّ الرَّضاعِ رضاعُ فمْ

١٥. إلى الله أشكو جَهْد بلواي إنه
بمستمعِ الشكوى ومُستَوهب العصمْ

١٦. وأنّيَ لم أيتم صغيراً وأنّني
يتمتُ كبيراً أسوأ اليُتْم واليَتَمْ

١٧. على حين لم ألق المصيبة جاهلاً
ولا آهلاً والدَّهرُ دهر قد اعترمْ

١٨. أُقاسي وصِنْوي منه كلَّ شديدةٍ
تُبرِّحُ بالجَلْدِ الصَّبورِ وبالبرمْ

١٩. خَلِيليَّ هذا قبرُ أمي فورِّعا
من العَذْل عني واجعلا جابتي نَعمْ

٢٠. فما ذَرفتْ عيني على رسمِ منزلٍ
ولا عكفَتْ نفسي هناك على صنمْ

٢١. خليليَّ رِقّا لي أعِينا أخاكما
نَشَدْتُكما مَنْ تَرْعيانِ مِنَ الحُرمْ

٢٢. أمِنْ كَرَبِ الشكوى تَمَلّانِ جُزْتُما
سبيل اغتنامِ الحمد والحمدُ يُغْتَنمْ

٢٣. فكيف اصطباري للمُصابِ وأنتما
تَمَلّانِ شكواهُ وفي جانبي ثَلمْ

٢٤. عجبتُ لذي سمع يملُّ شِكايةً
ويعجبُ من صَدْرٍ يضيقُ بما كظمْ

٢٥. ألا رُبَّ أيام سَحَبْتُ ذُيولَها
سليماً من الأرزاء أملسَ كالزُّلمْ

٢٦. أُرشِّحُ آمالاً طِوالاً وأجتني
جنى العيشِ في ظل ظليلٍ من النِّعمْ

٢٧. ولو كنتُ أدْرِي أنَّ ما كانَ كائنٌ
لقُمْتُ لِرَوْعاتِ الخُطوب على قدمْ

٢٨. غدا الدهرُ لي خصماً وفيَّ مُحَكَّماً
فكيف بخصم ضالع وهُوَ الحَكَمْ

٢٩. يجُورُ فأشكو جَوْرهُ وهْو دائباً
يرى جَوْرهُ عدلاً إذا الجورُ منه عمْ

٣٠. عذيريَ من دهرٍ غشوم لأهله
يرى أنَّه إذْ عمَّ بالغَشْمِ ما غَشَمْ

٣١. غدا يَقْسمُ الأسواءَ قَسْمَ سويَّةٍ
وما عَدْلُ من سوَّى وسوّاءُ ما قسمْ

٣٢. تعُمُّ ببلواهُ يد منه سَلْطةٌ
يصول بها فظٌّ إذا اقْتَدَرَ اهْتَضَمْ

٣٣. وليستْ من الأيدي الحميد بلاؤها
يدٌ قسمتْ سُوءاً وإن سوّتِ القَسَمْ

٣٤. أمالَ عُروشي ثم ثنَّى بَهدْمِها
وكم من عُروشٍ قد أمال وقد هَدَمْ

٣٥. وأصبح يُهدي لي الأُسى متَنَصِّلاً
فمِنْ سُوقةٍ أرْدَى ومِن مَلِكٍ قصَمْ

٣٦. وإنِّي وإنْ أهْدَى أُساه لساخطٌ
عليه ولكن هل من الدهر منتقمْ

٣٧. هو الدهرُ إمَّا عابطٌ ذا شبيبة
بإحدى المنايا أو مُمِيتٌ أخا هرمْ

٣٨. كأنَّ الفتى نصبَ الليالي بنيّةٌ
بمُصْطَفَقٍ من موج بحْر ومُلْتَطَمْ

٣٩. تقاذفُ عنها موجةٌ بعد موجةٍ
إلى موجةٍ تأتي ذُراها من الدِّعمْ

٤٠. كذاك الفتى نَصْب الليالي يُمرُّها
إلى ليلةٍ ترمي به سالفَ الأُممْ

٤١. فيا آملاً أن يَخْلُدَ الدَّهرَ كُلَّهُ
سلِ الدهرَ عن عادٍ وعن أختها إرمْ

٤٢. يُخَبِّرك أنَّ الموتَ رَسْمٌ مؤبَّدٌ
ولن تعدو الرسمَ القديم الذي رسَمْ

٤٣. رأيتُ طويلَ العُمْرِ مثلَ قصيرهِ
إذا كان مُفْضاه إلى غايةٍ تُؤمْ

٤٤. وما طولُ عمر لا أبا لك ينقضي
وما خيرُ عيشٍ قصرُ وجدانه العدمْ

٤٥. ألا كلٌ حيٍّ ما خلا الله مَيِّتٌ
وإن زعمَ التأميلَ ذو الإفك ما زعمْ

٤٦. يروحُ ويغدو الشيء يُبنَى فربمّا
جنى وهْيَهُ الباني وإن أُغْفِلَ انهدمْ

٤٧. إذا أخطأتْهُ ثُلمةٌ لا يجرُّها
له غيرهُ جاءتْه من ذاته الثُّلمْ

٤٨. تُضَعْضِعُهُ الأوقاتُ وهْي بقاؤهُ
وتغتاله الأقواتُ وهْي له طُعمْ

٤٩. فيا مَنْ يُداوي ما يَجُرُّ بقاؤهُ
فناءً وما يُغذَى به فيه قد يُسَمْ

٥٠. جَشِمْتَ عناءً لا عناءَ وراءهُ
فدعْ عنكَ ما أعيا ولا تَجْشَم الجُشَمْ

٥١. سقى قبلكَ الساقي وأسْعَطَ بل كوى
ليحسمَ أدواءَ القُرونِ فما حَسَمْ

٥٢. إذا ما رأيتَ الشيء يُبليهِ عُمْرُهُ
ويُفنيه أن يَبْقى ففي دائه عقمْ

٥٣. يروحُ ويغدو وهْو من موتِ عبْطةٍ
وموتِ فناءٍ بين فكَّين من جلمْ

٥٤. ألا إن بالأبصار عن عِبرةٍ عمىً
ألا إن بالأسماعِ عن عِظةٍ صممْ

٥٥. تُحِدُّ لنا أيدي الزمانِ شِفاره
ونرتع في أكْلائِه رَتْعَةَ النّعَمْ

٥٦. نُراعُ إذا ما الدهرُ صاح فنَرْعوِي
وإن لم يَصِحْ يوماً براتعنا خضمْ

٥٧. سيُكشفُ عن قلبِ الغبيِّ غطاؤه
إذا حتفُه يوماً على صدره جَثَمْ

٥٨. ألا كم أذلَّ الدهرُ من متعززٍ
وكم زمَّ من أنف حَمِيٍّ وكم خطمْ

٥٩. وكم ساور العقبانَ في اللؤم صرْفُه
وكم غاوصَ الحيتانَ في زاخر الحُوَمْ

٦٠. وكم ظلم الظِّلمانَ حق صحاحِها
ومثلُ خصيم الدهرِ أذعنَ واظَّلمْ

٦١. وكم غلبتْ غلبَ القُيول هناتُه
ولم تُقْتَبَسْ من قبلِ ذاك ولم تُرَمْ

٦٢. وكم نَهش الحيّاتِ في هضباتِها
وكم فرس الأُسدَ الخوادِرَ في الأجمْ

٦٣. وكم أدرك الوحش التي لجَّ نَفْرُها
يغُورُ لها طَوْراً ويطَّلعُ الأكمْ

٦٤. وكم قعصَ الأبطالَ إمّا شجاعةً
وإمَّا بمقدارٍ إذا اضطرَّهُ اقتحمْ

٦٥. وكم صالَ بالأملاكِ وسْطَ جنودِها
وأخنى على أهلِ النُّبوّاتِ والحِكمْ

٦٦. وكم نعمةٍ أذوى وكم غبطةٍ طوى
وكم سند أهوى وكم عُرْوةٍ فصمْ

٦٧. وكم هدَّ من طَوْدٍ مُنيفٍ عانهُ
وكم قضَّ من قَصْرٍ مُنيفٍ وكم وكمْ

٦٨. أرى الدهرَ لا يبقى على حدثانه
شعيبُ الأعالي جَهْوَرِيٌّ إذا بغمْ

٦٩. جريءٌ على العُرمِ العوارمِ لا ينى
كأن ذُعافَ السُّمِّ يشْفيهِ من قرمْ

٧٠. إذا احترشَ الأفعى بمرجوع نفخة
دهاها بأضراس حِداد أو الْتَهَمْ

٧١. مُعِدٌّ عتادَيْ هاربٍ ومُقاتلٍ
متى كرّ يوماً كرَّةً أو متى انهزمْ

٧٢. قُرونٌ كأرماح الهياج شوائك
وآونةً شدٌّ يجمُّ إذا اهتزمْ

٧٣. رعى ما رعى حتى رمى الحيْنُ نفسَهُ
بحتف فما أنبا هناك ولا شرمْ

٧٤. أدلَّ بقَرْنَيْهِ فلاقاه ناطحٌ
مِنَ الدَّهرِ غلّابٌ فسوَّاهُ بالأجمْ

٧٥. ولا نِقنِقٌ خاظي البضيع صمحمحٍ
من الآكلات النار تأتجُّ في الفَحمْ

٧٦. يصومُ فلا يحوي ويملأ بطنَهُ
بما شاء من زاد ولا يرهَبُ البشمْ

٧٧. ويبلعُ أفلاذَ الحديدِ جوامداً
فيسْكبها في قعرِ كيرٍ قد احتدمْ

٧٨. ويسترط المرو الركودَ كأنما
يراه طعاماً قد أعِدَّ له لُقَمْ

٧٩. ويتخذ التَّنُّومَ والشرْيَ مرتعاً
فيخذم مِنْ هذا وهذاك ما خَذَمْ

٨٠. ترامتْ به الأحوالُ حتى بَنَيْنَهُ
نهاراً وليلاً بِنيةَ الفحل ذي القطمْ

٨١. من العادياتِ الطائراتِ إذا نجا
بَصُرْتَ به بين النجاءيْن مُقْتَسمْ

٨٢. إذا شبَّ منها جاد ما هو قادح
بِزَنْدَيْهِ من شدٍّ تَلَهَّبَ فاضطرمْ

٨٣. جناحانِ خفَّاقانِ خفقاً مُحَثْحثاً
ورِجلان لا تَسْتَحْسِران إذا اعتَزَمْ

٨٤. نجا ما نجا حتى ابتغى الدهرُ كَيْدَه
فدسَّ إليه العَنْقفير ابنة الرَّقمْ

٨٥. ولا قسورٌ إن لم يجد ما يكُفُّهُ
من الصَّيدِ أضحى والسباعُ له لحَمْ

٨٦. عليه الدماءُ الجاسداتُ كأنَّما
مواقعُها منه المُدمَّى من الرَّخمْ

٨٧. إذا ما اغتدى قبل العطاسِ لصيده
فللمغتدِي تلقاءه عطسةُ اللَّجمْ

٨٨. أتاحت له الأحداثُ منهنَّ قِرنَهُ
كفاحاً فلم يكدح بِظُفْرٍ ولا ضغمْ

٨٩. وقد كان خطاف الخطاطيف ضيغماً
إذا ساهم الأقرانَ عن نفسهِ سَهَمْ

٩٠. ولا أعصلُ النابَيْنِ حامل مَخْطِم
به حَجَنٌ طوراً وطوراً به فَقَمْ

٩١. يُقلِّبُ جُثماناً عظيماً مُوَثَّقاً
يهدُّ برُكنَيْهِ الجبالَ إذا زحمْ

٩٢. ويسطو بخُرطوم يثنِّيه طوعَهُ
ومشتبهاتٍ ما أصابَ بها غنمْ

٩٣. ولست ترى بأساً يقومُ لبأسهِ
إذا أعملَ النَّابيْنِ في البأسِ أو صدمْ

٩٤. بقى ما بقى حتى انتحى الدَّهرُ شخصَهُ
فلم ينتصر إلا بأنْ أنَّ أو نأمْ

٩٥. هوى هائلَ المَهْوَى يجُودُ بنفسه
تخالُ به قيداً تقوَّضَ مِنْ إضَمْ

٩٦. مضيماً هضيماً بعدَ عِزّ ومَنْعة
ومن ضامَهُ ما لا يطاق ولم يُضَمْ

٩٧. ولا صِلُّ أصْلالٍ يبيت مُراقباً
بنْهشَتِهِ مقدارَ نفس متى يُحَمْ

٩٨. يشول بأنياب شَواها مَقاتِلٌ
يُقَطِّرُ من أطرافها السّمَّ كالدَّسمْ

٩٩. زَحوف لدى الممسى كأنّ سحيفهُ
إذا انساب في جنْح الظلامِ نَشيشُ حمْ

١٠٠. يميزُ المنايا القاضياتِ سِمامَهُ
من الرقْش ألواناً أو السُّودِ كالحُمَمْ

١٠١. أتاه وقد ظن الحِمام شقيقه
حَمامٌ ولاقى لا شقيقاً ولا ابن عمْ

١٠٢. سقاه بكأس كان يَسْقي بمثلها
إذا ما سقى السَّاقي بأمثالها فطمْ

١٠٣. كمينُ ردىً في جسمه أوْ مُبارِزٌ
نجيدٌ من الأقران غادره جِذمْ

١٠٤. ولا لِقوة شعواء تُلحم فرخها
خداريَّةٌ شمَّاء في شاهق أشَمْ

١٠٥. بكورٌ على الأقناص غيرُ مُخلَّة
كأنَّ بها في كل شارقةٍ وحَمْ

١٠٦. تبيتُ إذا ما أحجر القُرُّ غيرَها
تُرَقْرِقُ رفْضَ الطَّلِّ في رِيشها الأحمْ

١٠٧. تعالت عن الأيدي العواطي وأُعطيتْ
على الطيرِ تفضيلاً فأعطينَها الرُّمَمْ

١٠٨. سما نحوها خَطْبٌ من الدهرِ فاتِكٌ
فطاحت جُباراً مثل صاحبها درمْ

١٠٩. ولا غَرِقٌ ناجٍ من الكرب عَيْشُهُ
بحيث يكون الموت في الأخضر القطمْ

١١٠. سبوحٌ مروحٌ رعيُهُ حيثُ وِرْدهِ
رغيبُ المِعا مهما استُطِفَّ له التقمْ

١١١. مُجَوْشَنُ أعلى الجِلدِ غيرُ محمَّلٍ
سلاحاً سوى فيه ومِزْودِهِ اللَّهمْ

١١٢. نفتْ جِلَّةَ الحيتان عنه شذاتُه
وخُلِّي في مَرْعىً من الوحشِ والقزمْ

١١٣. إذا أوْجس النُّوتيُّ يوماً حَسِيسَهُ
وقد عارض البوصيُّ شمَّرَ واحتزمْ

١١٤. أتيحَ له قِرنٌ من الدهر لم يكن
لِيَنْكُلَ عن أهوال يمٍّ ولا ابن يمْ

١١٥. فألقاهُ في مَنْجى السَّفينِ وإنما
بحيثُ يشمُّ الرُّوحَ ركبانُها يُغمْ

١١٦. لقى طافياً مثلَ الجزيرةِ فوقَهُ
أبابيل شتى من نسورٍ ومن رخمْ

١١٧. ولا مَلِك لا مجدَ إلا وقد بنى
ولا رأسَ سامي الطَّرفِ إلا وقد وقمْ

١١٨. تياسِرُهُ الأشياءُ منقادةً له
فإن عاسرتْهُ مرّةً خَشَّ أو خَزَمْ

١١٩. إذا سارَ غُضَّتْ كُلُّ عينٍ مهابةً
وأُسكتَتِ الأفواهُ مِنْ غيرِ ما بكمْ

١٢٠. سوى صَهلاتِ الخيلِ في عُرض جحفلٍ
له لجبٌ يسترجفُ الأرض ذي هزمْ

١٢١. كأنَّ مُثارَ النقع فوقَ سوادِهِ
سحابٌ على ليلٍ تَطَخْطَخَ فادْلهمْ

١٢٢. وإن حلَّ أرضاً حلَّها وهْو قادرٌ
على البُؤسِ والنُّعمى فأهلكَ أو عصمْ

١٢٣. ترى خرزاتِ المُلْكِ فوق جبينِهِ
تلوح عليه من فُرادَى ومن تُؤمْ

١٢٤. طواه الردى من بعدما أثخن العدا
وقوَّمَ من أمرَيْهِ ذا الزيغِ والضَّجمْ

١٢٥. فقد أمِنَ الأيام أن تَخْتَرِمْنَهُ
وبُرِّئتِ الدنيا لديه من التُّهَمْ

١٢٦. رمى حاكمُ الحكامِ مُهجةَ نفسه
بحكم له ماضٍ فدانتْ لمَا حَكمْ

١٢٧. ولا مُرْسَلٌ بالوَحْي وحيِ مليكه
سِراجاً منيراً نورُهُ الساطعُ الأتمْ

١٢٨. له دعوةٌ يشْفي بها من شكى الضَّنى
ويرزُقُ من أكدى ويُنْعِشُ من رزمْ

١٢٩. هو الرزْءُ لا يسْطيعُ نَهضاً بثِقلهِ
سوى ابنِ يقينٍ عاذ بالله واعتصمْ

١٣٠. تَمَثَّلْتُ أمثالي مُعيداً ومُبدئاً
فما اندمَلَ الجُرحُ الذي بي ولا التأمْ

١٣١. وكم قارعٍ سمعي بوعظٍ يُجيدُه
ولكنَّهُ في الماء يرْقُمُ ما رقمْ

١٣٢. إذا عاد ألفى القلبَ لم يَقْنِ وَعْظَهُ
وقد ظنَّهُ كالوحي في الحجرِ الأصمْ

١٣٣. وكيف بأن يقْنى الفؤادُ عظاته
وقد ذابَ حتى لو تَرَقْرَقَ لانسجمْ

١٣٤. وهل راقم في صفحةِ الماء عائد
ليقرأ ما قد خطَّ إلا وقد طسمْ

١٣٥. أحاملتي أصبحتِ حِملاً لحُفْرة
إذا حَمَلَتْ يوماً فليس لها قَتَمْ

١٣٦. أحاملتي أسْتَحْمِلُ الله رَوْحةً
إلى تلكمُ الروح الزكية والنَّسمْ

١٣٧. أَمُرْضِعَتي أسترضِعُ الغيثَ دَرَّةً
لرَمْسِكِ بل أستغزِرُ الدمعَ ما سجمْ

١٣٨. وإنِّي لأستحييكِ أن أطلبَ الأُسى
لأسلى ولو داويتُ جُرْحيَ لم أُلمْ

١٣٩. حِفاظاً وهل لي أُسْوةٌ لوْ طلبتُها
ألا لا وهل من قِيمة لك في القِيمْ

١٤٠. وإني لأستحييك أن أنقع الصَّدى
وأن أتحبَّى بالنسيم إذا نسمْ

١٤١. أأستنْشِقُ الأرواحَ بعدك طائعاً
وأشربُ عذْبَ الماء إني لذو نَهمْ

١٤٢. وإني لأستحييكِ يا أمُّ أنْ يُرَى
قريني إلا مَنْ بكى لك أو وَجَمْ

١٤٣. وأن أتلهَّى بالحديث عن الأسى
وألقى جليسي بابتسامٍ إذا ابتسمْ

١٤٤. أأمْرحُ فوق الأرض يا أمُّ والثرى
عليكِ مهيلٌ قد تطابقَ وارتكمْ

١٤٥. أبى ذاك من نفسي خَصِيمٌ مُنازعٌ
ألدُّ إذا جاثى خصيماً له خَصَمْ

١٤٦. حفاظي خَصيمي عنكِ يا أمُّ إنه
أبى لي إلا الهمَّ بعدك والسَّدَمْ

١٤٧. عزيزٌ علينا أن تَموتِي وأننا
نعيش ولكن حُكِّم الموتُ فاحتكمْ

١٤٨. ولو قَبِلَ الموتُ الفداء بذلتُهُ
ولكنما يَعْتامُ رائدُهُ العِيَمْ

١٤٩. أيا موتُ ما أسلمتُها لك طائعاً
هواك فمالي زَفرتِي زفرةُ الندمْ

١٥٠. سأبكي بِنَثْرِ الدمع طوراً وتارة
بنظم المراثي دائمَ الحُزْنِ والوَكمْ

١٥١. وتُسعِدُني نفسٌ على ذاك سَمْحةٌ
بما نثر الشجوُ الدخيلُ وما نظمْ

١٥٢. لأنْفيَ نَوْمي لا لأشفِيَ غُلَّتي
على أنَّ عيني مُذْ فقدتُكِ لم تنمْ

١٥٣. ولو نظرتْ عيْناكِ يا أمُّ نَظْرةً
إلى ما توارى عنك مِنِّيَ واكتتمْ

١٥٤. فقِسْتِ بما ألقاهُ ما قد لقيتِه
شهدتِ بحق أنَّ داهيتي أطمْ

١٥٥. وكم بين مكروه يُحَسُّ وقوعُهُ
وآخرَ معدوم الإطاقة واللَّممْ

١٥٦. يُحِسُّ البلى مَيْتُ الحياةِ ولم يكُنْ
يُحِسُّ البِلى مَيْتُ المماتِ إذا أرمْ

١٥٧. ألا من أراه صاحباً غيرَ خائنٍ
ألا من أراهُ مُؤنِساً غيرَ مُحْتَشَمْ

١٥٨. ألا من تليني منه في كُلِّ حالةٍ
أبرُّ يدٍ برَّتْ بذي شعثٍ يُلمْ

١٥٩. ألا من إليه أشتكي ما يَنُوبُني
فيُفْرجُ عنِّي كُلَّ غمٍّ وكُلَّ هَمْ

١٦٠. نبا ناظري يا أمُّ عن كُلِّ مَنظرٍ
وسَمْعِي عن الأصوات بعدك والنغمْ

١٦١. وأصبحتِ الآمالُ مُذْ بِنْتِ والمُنى
غوادر عندي غير وافيةِ الذِّممْ

١٦٢. وصارمتُ خِلّاني وهُمْ يَصلونَني
وقد كنتُ وصَّالَ الخليل وإن صرمْ

١٦٣. وآنسني فقدُ الجليسِ وأوْحَشتْ
مشاهدُه نفسي ولم أدرِ ما اجترمْ

١٦٤. سوى أنه يدعو إلى الصبرِ واعظاً
فإن لجَّ ما بي لجَّ في العَذْلِ أو عذمْ

١٦٥. ولو أنَّني جمَّعْتُ وعظي ووعظَهُ
ليَشْعَبَ صَدْعاً في فؤادي لما التأمْ

١٦٦. وإني وقد زوَّدتِني منكِ لوْعةً
لها وقْدة في القلبِ كالنارِ في الضرمْ

١٦٧. يريد المُعزّي بُرء كَلْمِي بوَعْظهِ
ولم يكُ غيرُ الله يُبرئُ ما كَلَمْ

١٦٨. هو الواهِبُ السلوانَ والصبرَ وحْدَهُ
لذي الرُّزْءِ والمُهْدِي الشِّفاء لذي السقمْ

١٦٩. ولست أُراني مُذْهلي عنكِ مُذْهِلٌ
يد الدهر إلا أخذةُ الموتِ بالكظمْ

١٧٠. هُناك ذُهولي أو إذا قيل قد قضى
وإلّا فلا ما طاف ساعٍ أو استلمْ

١٧١. وسوَّيْتِ عندي عُرفَ دَهرِي بِنُكره
فأضحى وأمسى كلما أحسن استذمْ

١٧٢. أرى الخيرةَ المهداةَ لي منه عبْرةً
ونِعمتَهُ المسداةَ من واقع النِّقمْ

١٧٣. أتبهجُنِي نعماءُ دهرٍ حماكِها
وأشكرُ ما أَعطَى وأنتِ الذي حرمْ

١٧٤. أبى ذاك أن الخير بعدك حسرةٌ
لديّ ومعدود من المِحَنِ العظمْ

١٧٥. فقدناكِ فاسْوَدَّتْ عليكِ قلوبُنا
وحُقَّتْ بأن تسودَّ وابيضَّتْ اللِّمَمْ

١٧٦. وأظلمتِ الدنيا وباخ ضياؤها
نهاراً وشمسُ الصَّحوِ حَيْرى على القِمَمْ

١٧٧. وأجدبتِ الأرضُ التي كنتِ روضةً
عليها وأبدتْ مَكْلحاً بعد مُبْتَسَمْ

١٧٨. ومادتْ لك الأجبال حتى كأنما
شواهقها كانت بِمحياك تُدَّعمْ

١٧٩. وأصبحَ يبْكيكِ السحابُ مُجاوِداً
فأرزم إرزامَ العجولِ وما رذمْ

١٨٠. وناحتْ عليكِ الريحُ عبرَى وأصبحتْ
لدُنْ عَدِمَتْ ريَّاكِ تجري فلا تُشَمْ

١٨١. وقامتْ عليكِ الجنُّ والإنس مأتماً
تُبكِّي صلاةَ الليلِ والخَمصَ والهضَمْ

١٨٢. وأضحتْ عليكِ الوحشُ والطيرُ وُلَّهاً
تبكِّي الرواء النضر والمَخْبر العَمَمْ

١٨٣. وأبدى اكتئاباً كلُّ شيءٍ علمتُه
وأضعافُ ما أبداه من ذاك ما كتَمْ

١٨٤. كذاك أرى الأشياءَ إما حقيقةً
بدتْ لي وإما حُلْمَ مُسْتَيْقظٍ حَلمْ

١٨٥. ولن يَحْلُم اليقظانُ إلا وقد أتتْ
على لُبِّه دهياءُ هائلةُ الفَقَمْ

١٨٦. وأما السمواتُ العلى فتباشرتْ
برُوحِك لمَّا ضمَّها ذلك المضمْ

١٨٧. وما كنتِ إلا كوكباً كان بيننا
فبان وأمسى بين أشكاله نجمْ

١٨٨. رأى المسْكَنَ العُلويّ أوْلى بِمِثْلِهِ
فودَّعَنَا جادتْ معاهِدَهُ الرِّهَمْ

١٨٩. تأمَّلْ خَليلي في الكواكب كَوْكباً
ترفَّع كالمصباح في ذِروةِ العلمْ

١٩٠. سما عن سفال الأرض نحو سمائه
فكشَّفَ عن آفاقها عاصبَ القتمْ

١٩١. ولم يرَهُ الراؤون من قبل موتها
بحيث بدا لا المُعْرِبون ولا العَجَمْ

١٩٢. وإني وقد زودتني منك لوعةً
مُحالفةً للقلب ما أورق السَّلَمْ

١٩٣. لتُسلينَني الأيام لا أن لوعتي
ولا حَزَني كالشيء يبْلى على القِدَمْ

١٩٤. سأنْثو ثناكِ الخيرَ لا مُتزيِّداً
على ما جرى بين الصَّحيفة والقلمْ

١٩٥. وما بيَ قُرباكِ القريبةُ إنه
بعيدٌ من الأحياءِ مَنْ سَكَنَ الرَّجمْ

١٩٦. طوى الموتُ أسبابَ المحاباةِ بيننا
فلستُ وإن أطنبتُ فيك بِمُتَّهَمْ

١٩٧. لعَمْري وعَمري بعدك الآن هَيّنٌ
عليَّ ولكنْ عادةٌ عادها القسمْ

١٩٨. لقد فجعتْ منكِ الليالي نُفوسها
بمحييةِ الأسحار حافظةِ العتمْ

١٩٩. ولم تُخطئِ الأيام فيك فجيعةٌ
بِصوَّامةٍ فيهنَّ طيَّبةِ الطِّعمْ

٢٠٠. وفاتَ بك الأيتامَ حِصنُ كِنافةٍ
دفيءٌ عليهم ليلةَ القُرِّ والشَّبَمْ

٢٠١. رجعْنا وأفردْناكِ غير فريدةٍ
من البِرِّ والمعروفِ والخيرِ والكرمْ

٢٠٢. فلا تَعدمي أُنْسَ المحلِّ فطالما
عكفتِ وآنستِ المحاريبَ في الظُّلمْ

٢٠٣. كستْ قبرَكَ الغُرُّ المباكيرُ حُلَّةً
مُفوَّفةً من صَنْعةِ الوبل والدِّيمْ

٢٠٤. لها أرجٌ بعد الرُّقادِ كأنما
يُحدِّثُ عما فيكِ من طَيِّبِ الشِّيمْ