١. برغمِ الإِباءِ ورغمِ العُلى
ورغمِ أُنوفِ كِرامِ المَلا
٢. ورغم القلوبِ التي تستفيضُ
عُطفاً تَحوطُكَ حَوْطَ الحِمى
٣. وإذ أنتَ ترعاكَ عينُ الزمانِ
ويَهْفُو لجِرْسِكَ سَمْعُ الدُّنى
٤. وتلتفُّ حولَكَ شتَّى النُّفوسِ
تَجيشُ بشتَّى ضروبِ الأسى
٥. وتُعرِبُ عنها بما لا تُبين
كأنَّك من كلِّ نفسٍ حشا
٦. فأنتَ مع الصبحِ شَدْوُ الرعاةِ
وحلمُ العذارى إذا الليلُ جا
٧. وأنت إذا الخطبُ ألقى الْجِران
وحطَّ بكلكلهِ فارتمى
٨. ألحْتَ بشِعرِكَ للبائسين ،
بداجي الخُطوبِ ، بَريقَ المُنى
٩. توحُ على مثلِ شَوك القَتادِ
وتغدو على مثل جَمْرِ الغضا
١٠. وتطوي الضُّلوعَ على نافذٍ
من الصَّبرِ يُدمي كحزِّ المُدى
١١. دريئةَ كلِّ جذيم اليدينِ
رمى عن يَدَيْ غيرهِ إذ رَمى
١٢. رمى عن يدَيْ حاقدٍ نافسٍ
عليك احتشادَ العلى والندى
١٣. وحلِساً لدارِكَ والمُقْرفون
يجولونَ كلَّ مجالٍ بدا
١٤. على حينَ راحَ هجينُ الطباعِ
تَنطَّفُ أطرافُه بالخَنا
١٥. أدَرَّ عليه ثُدِيَّ الخُمولِ
وهزَّتْهُ في المهدِ كفُّ الغَبا
١٦. يجرُّ ذيولَ الخنا والغِنى
وتهفو عليه ظِلالُ المُنى
١٧. وحولَكَ مثلُ فِراخِ الحَمامِ
لولا الشعورُ وزُغْبِ القَطا
١٨. تدورُ عيونُهمُ والذَّكاءُ
يَلمَعُ فيها كحدِّ الظُبا
١٩. إلى كلِّ شَوْهاءَ مرذولةٍ
وأشوَهَ مستأثِرٍ بالغِنى
٢٠. وتَرْجِعُ والعتبُ في مُوقِها
تَساءلُ : أيُّكما المُبتلى ؟
٢١. بـ " علقمةَ الفحلِ " أُزجي اليمينَ
أنَّي ألَذُّ بمُرِّ الجنى
٢٢. وبـ " الشَّنْفَرى " أنَّ عينَّي لا
تَلَذّانِ في النومِ طعمَ الكرى
٢٣. وبـ " المتنبئِ " أنَّ البَلاءَ ،
إذا جدَّ ، يَعلم " أني الفتى "
٢٤. ألا مِن كريمٍ يَسُرُّ الكرامَ
بجيفةِ جلْفٍ زَنيمٍ عَتا
٢٥. فيا طالما كانَ حدُّ البَغِيِّ
يُخفِّفُ مِن فحشِ أهل البِغا
٢٦. ويا طالما ثُنِيَ السادِرونَ
بما اقتِيدَ من سادرٍ ما ارعوى
٢٧. على أنَّه مِن شِفاءِ الصُدورِ
لو أنَّ حُرّاً كريماً شفى
٢٨. تأصَّلَ هذي العروقَ الخِباثَ
فقد ضاقَ بالجِذْمِ منها الثرى
٢٩. فما هي أوّلُ مجذومةٍ
مخافةَ عدوى بها تُنتفى
٣٠. ولا هي أوّلُ " أغلوطةٍ "
محا شاطبٌ رسمَها فامَّحى
٣١. وما بالنفوسِ اللواتي ملكنَ
بأطماحهنَّ عَنانَ السّما
٣٢. عناءٌ إلى مَن يُقيتُ البُطونَ
ولكنْ إلى من يُميطُ الأذى
٣٣. إلى من يكُفُّ صغارَ النفوسِ ،
صغارَ الحلومِ ، صغارَ الهوى
٣٤. يَكُفُّهمُ أنْ يكون الكريم
به عن هوانهمُ : يُشتفى
٣٥. أُنّبِيكَ عن أطيبِ الأخبثينَ
فقُلْ أنتَ بالأخبثِ المُزدرى
٣٦. زِقاقٌ من الرّيحِ منفوخةٌ
وإنْ ثَقَّلَ الزهوُ منها الخطى
٣٧. وأشباحُ ناسٍ ، وإنْ أُوهِمُوا
بأنّهمُ .. " قادةٌ " في الورى
٣٨. ألمْ ترَ أنِّيَ حربُ الطغاةِ
سلمٌ لكلِّ ضعيفٍ الذَّما
٣٩. وأني تركتُ دهينَ السِّبالِ
كثيرَ الصيالِ ، شديدَ القوى
٤٠. من الخوفِ كالعَيْرِ قبلَ الكواءِ
يَحبقُ مما اصطلى واكتوى ؟!
٤١. بماذا يخوِّفني الأرْذَلُونَ
وممَّ تخافُ صِلالُ الفلا؟!
٤٢. أيُسْلبُ عنها نعيمُ الهجيرِ
ونفحُ الرمالِ ، وبذْخُ العرا!!
٤٣. بلى ! إنّ عنديَ خوفَ الشُّجاعِ
وطيشَ الحليمِ وموتَ الرَّدى
٤٤. إذا شئتُ أنضجتُ الشِّواء
جلوداً تعَّصْت فما تُشتوى
٤٥. وأبقيتُ من مِيسَمي في الجِباهِ
وشْماً كَوشْمِ بناتِ الهوى
٤٦. فوارقُ لا يَمَّحي عارُها
ولا يَلتَبسْنَ بوصفٍ " سوى !"
٤٧. بحيثُ يقالُ إذا ما مشى الصّليُّ
بها : إنّ وغداً بدا
٤٨. وحيثُ يُعيَّرُ أبناؤهُ
بأنّ لهُمْ والداً مثلَ ذا
٤٩. أقولُ لنفسيْ إذاضمَّها
وأترابَها محفِلٌ يُزدهى
٥٠. تسامَيْ فانكِ خيرُ النفوسِ
إذا قيسَ كلٌّ على ما انطوى
٥١. وأحسنُ ما فيكِ أنّ " الضميرَ "
يَصيحُ من القلبِ أنِّي هُنا
٥٢. وأنتِ إذا زيفُ المعجبينَ
تلألأ للعينِ ثُمَّ انجلى
٥٣. ولم تستطعْ هممُ المدَّعين
صبراً على جمرةٍ المدَّعى
٥٤. خلَصْتِ كما خَلصَ ابنُ " القُيون "
تَرعرَع في النار ثمَّ استوى
٥٥. تسامَيْ فإنّ جناحيكِ لا
يَقَرّانِ إلا على مُرتقى
٥٦. كذلكَ كلُّ ذواتِ الطِماحِ
والهمِّ ، مخلوقةٌ للذُّرى
٥٧. شهِدتُ بأنكِ مذخورةٌ
لأبعدَ ما في المدى من مدى
٥٨. وأنكِ سوفَ تدوِّي العصورُ
بما تتركينَ بها من صدى
٥٩. بآيةِ أنَّ يدَ المُغرياتِ
تهابُكِ إلاَّ كَلمسِ النَّدى
٦٠. وأنكِ إنْ يَلتمعْ مطمعٌ
يُخاف على الرُّوحِ منه العمى
٦١. يموتُ " النبوغُ " بأحضانه
ويُنعى به " الأمل " المرتجى
٦٢. وتمشي الجموعُ على ضوئهِ
لتبكي على عبقريٍّ قضى
٦٣. وكادتْ تَلُفُّكِ في طيّها
حواشيه .. ردَّكِ عزمٌ قَضى
٦٤. لشرِّ النِهاياتِ هذا " المطافُ "
وكلُّ مَطافٍ إلى مُنتهى
٦٥. متى ترَعوي أُمةٌ بالعِراقِ
تُساقُ إلى حتفِها بالعصا
٦٦. تُذَرَّى على الضَّيْمِ ذَرْوَ الهشيمِ
ويَعرقُها الذُّلُّ عَرْقَ اللِّحا
٦٧. وتنزو بها شهوةُ المشتهينَ
كما دُحرجتْ كرةٌ تُرتمى
٦٨. يَجدُّ بَغيضٌ بها عهدَهُ
إذا قيلَ عهدُ بَغيضٍ مضى
٦٩. وتسمَنُ منها عِجافٌ مَشتْ
إلى الأجنبيِّ تَجُرُّ الخُصي
٧٠. تُراودُها عِزّضها كالقُرومِ
هِجانٌ عليها غريبٌ نَزا
٧١. عجبتُ وقد أسلمتْ نفسَها
لعَرْكِ الخُطوبِ وعَصْرِ الشَّقا
٧٢. وقَرَّ على الذُّلِّ خَيشومُها
كما خطمَ الصعب جَذبُ البُرى
٧٣. وأغْفَتْ فلم أَدْرِ عن حَيرةٍ
بها : كيف إيقاظُها أو متى
٧٤. ولم أدرِ مِن طيبِ إغفائها
على الذُّلِّ ، أيَّ خيالٍ تَرى
٧٥. أهِمّاً تغشَّاهُ بَعْدَ العنا
كرىً ،أمْ صبياً بريئاً غفا؟
٧٦. متى تستفيقُ وفحمُ الدُّجى
عليها مشتْ فيه نارُ الضُّحى
٧٧. وقد نَفَض الكهفُ عن أهله
غُبارَ السنينَ ووَعْثَ البِلى ؟
٧٨. تعيشُ على الأرضِ أُمِّ الكفاحِِ
وتربُطُ أحلاَمها بالسَّما
٧٩. وتَصْبَغُ بالوَرْد آمالَها
كما طرَّزَ الحائكونَ الرِّدا
٨٠. وأصنامِ بَغْيٍ يصُبّونها
ويَدْعُونها مَثلاً يُقتدى
٨١. يُثيرونَ من حولِها ضَجَّةً
بها عن مَخازيهمُ يُلتهى
٨٢. كما حَجَبَتْ بالغُبارِ العيون
خِفافٌ مُهرّأةٌ تُحتذى
٨٣. فهذا سيمضي وهذا مضى
وهذا سيأتي وهذا أتى
٨٤. وهذا " زعيمٌ " ، لأنّ السفيرَ
يرنو إليه بعينِ الرّضا
٨٥. وفي ذاكَ عن سُخطِ أهل البلادِ
على حُكمهِ أو رضاهم غِنى
٨٦. وهذا بعِمتَّهِ ، ساخراً ،
من " الجنِّ " يَرفعها للعلى
٨٧. تجيءُ المطامعُ منقادةً
إليه إذا شاءَ أو لم يَشا
٨٨. وليتك تحَسِبُ أزياءهم
فتجمعَ منها زهورَ الرُّبى
٨٩. فتلكَ اللفائفُ كالأُقحُوانِ
بها العِلمُ ينفحُ طيبَ الشذا!
٩٠. تَطُقُّ المسابحُ من حولِها
لتُعلِنَ أنَّ مَلاكاً أتى
٩١. وتلكَ الشراشيفُ كالياسمينِ
تاهَ " العِقالُ " بها وازدهى !
٩٢. تدلَّتْ عناقيدُ مثلُ الكرومِ
على كتفَيْ " يابسٍ " كالصُوى
٩٣. يَوَدُّ من " التِّيهِ !" لو أنَّه
يَشُدُّ بها " جَرَساً ! " إنْ مشى
٩٤. لِيَعلِمَ سامعُه أنَّه
" ينوبُ !" عن البلدِ المُبتلى
٩٥. إذا رَفعَ اليدَ للحاكمينَ
بدَتْ " نَعَمٌ " وهي في زيِّ " لا! "
٩٦. وبينهما محدَثٌ ناشيءٌ
إذا خطَّ تَعرِفُه أو حَكى
٩٧. تعوِّذُه أُمُّه إنْ مشى
إلى " البرلمانِ " بأمِّ القرى
٩٨. ومُستسلمين يَرونَ الكفاحَ
قَوراء مدحوَّةً تُمتطى
٩٩. فَتغرُزُ في رَخوةٍ سَمْحَةٍ
وتنفِرُ عن ذي مِسَنٍّ قَسا
١٠٠. يَرَوْنَ السياسةَ أنْ لا يمسَّ
هذا ، وأنْ يُتَّقى شرُّ ذا
١٠١. وهذا وذا في صميمِ البلادِ
سُلٌّ ، وفي العينِ منها قذى
١٠٢. مساكين يقتحمونَ الكفاحَ
وقد راعهمْ بابُه مِن كُوى
١٠٣. وما هو إلاَّ احتمالُ الخُطوبِ
وإلاّ الأذى والعَرا والطَّوى
١٠٤. فهمْ يعرفونَ مزايا الخُلودِ
ولا يُنكرونَ مزايا الفَنا
١٠٥. وهمْ يعشَقونَ هُتافَ الجموعِ
ويَخْشونَ ما بعدَه من عَنا
١٠٦. فليتَ لنا بهمُ ناقةً
تُطيق الحفا والوجا والوحى
١٠٧. وتجترُّ بالجوعِ ما عندَها
وتَطوي على الخِمْسِ حَرَّ الظما
١٠٨. ومُحتقِبٍ شرَّ ما يُجتوى
مشى ناصباً رأسهُ كاللِّوا
١٠٩. مشى ومشتْ خلفَهُ عُصبةٌ
تقيسُ خُطاهُ إذا ما مشى
١١٠. يُحبُّ " السلامةَ " مشفوعةً
بدَعوى " الجْبانِ " بحُبِّ الوَغى
١١١. ويجمعُ بينَ ظِلالِ القصورِ
وعَصْرِ الخمورِ ورشْفِ اللَّمى
١١٢. وعيشِ " المَهازيلِ " في ناعمٍ
من العيشِ مِن مثلهِ يُستحى
١١٣. وبينَ " الزعامةِ ! " لا تُصطَفَى
بغيرِ السجونِ ولا تُشترى
١١٤. ولم أدرِ كيفَ يكونُ الزعيمُ
إذا لم يكنْ لاصقاً بالثرى
١١٥. ومنتحلينَ سِماتِ الأديبِ
يظنّونها جُبَباً تُرتدى
١١٦. كما جاوبتْ " بومةٌ ! " بومةً
تَقارَضُ ما بينها بالثَّنا
١١٧. ويرعَوْن في هذَرٍ يابسٍ
من القولِ ، رعيَ الجمالِ الكلا
١١٨. يرَوْنَ " وُرَيقاتِهم " بُلغةً
من العيشِ لا غايةً تُبتغى
١١٩. فَهُمْ والضميرِ الذي يصنعونَ
لمنْ يعتلي ، صهوةٌ تعتلى
١٢٠. ولاهِينَ عن جِدِّهم بالفراغِ
زوايا المقاهي لهم مُنتدى
١٢١. تصايَح باللغوِ ما بينها
صِياحَ اللقالق تنفي الحصى
١٢٢. وشدُّوا خُيوطاً بأعناقِهمْ
تَصارَخُ ألوانُها بالدِّما
١٢٣. ألا يخجلونَ إذا قايسوا
حياتَهمُ بحياةِ الأُلى
١٢٤. سقَوا أرضَهم بنجيعً الدِّماءِ
فكانَ الشعارَ الدَّمُ المُستقى
١٢٥. وأولاءِ شُغْلُهم بالبطونِ
فهلاّ استعانوا بشدِّ المِعى
١٢٦. وعارٍ تحلّى بثوب الأديب
وممَّا يُزكّي أديباً خَلا
١٢٧. ومن تبعات النُّفوس الكبار
بسِنِّ اليَراعِ الرخيصِ احتمى
١٢٨. ووغدٍ تخيَّرَ أمثالَه
فوغداً أهرَّ ووغداً شلا
١٢٩. إذا ما تصفحتَ أصنامَه
وهُزأةَ ألقابها والكُنى
١٣٠. أراكَ وإن أنكرَ العالمانِ
بمزمارِ داودَ ، بُوماً شدا
١٣١. وأنَّ غُراباً شأى " معبداً "
وأنّ حِماراً " غريضاً " حَكى
١٣٢. بدا لكَ طاهٍ أجيرُ البطونِ
كلُّ الذي تشتهيهِ طها
١٣٣. يسُدُّ بذاكَ فراغَ الضميرِ
ويُوقِدُ روحاً خبيثاً خَبا
١٣٤. يبِصُّ لَذي مَنصِبٍ يُرتجى
ويَخدُم ذا صَولةٍ يُختشى
١٣٥. يَرى أنَّه حين يُطري الفسيل
جُذَيْلاً هجا ، وعُذَيْقاً رمى
١٣٦. وشرٌّ أهرَّ بها أكلُباً
أعارَهمُ نابَهمْ إذْ سَطا
١٣٧. حَبا ما حبا طغمة أُتخِمتْ
بفَضْلاتهِ ، وزوي ما زوى
١٣٨. وأطلقَ للصيدِ أظفارهنَّ
وأنيابَهنَّ بها واختفى
١٣٩. يقولونَ إنَّ يداً في الغُيوبِ
تُدير على الأرضِ حُكم السَّما
١٤٠. ولمَّا يَزَلْ مَثَلٌ سائرٌ
على الناسِ يَجري : بأيدي سبا
١٤١. وتحريقُ " لوطٍ " بذنبٍ أتى
وأخذُ " ثمودٍ " بسِقبٍ رغا
١٤٢. فما بالُ كفِّ القضا لا تدورُ
على بلدٍ ظلَّ حتى اختزى !؟
١٤٣. وأضحى " ثمودُ " و " لوطٌ " به
ومَن لهما في الشرورِ انتمى
١٤٤. ومَن عاثَ في أممِ المشرقَينَ
وجارَ على أهلها واحتمى
١٤٥. حَييِينَ بينَ ولاة الأمورِ
في بلدٍ ضاعَ فيه الحيا
١٤٦. يسائلُ بعضٌ به بعضهم
أنحنُ أُخذنْا وهذا نجا ؟!
١٤٧. أُخِذْتَ لأني ركبتُ الطريقَ
شَذاً إلى غايةٍ تُبتغى
١٤٨. وأنت أُخِذْتَ على ناقةٍ
بفلْسينِ أمثالُهما تُشترى
١٤٩. وكنَّا أُناساً كماء السَّماءِ
تَخبَّطَ طوراً وطوراً صَفا
١٥٠. نجيءُ الحياةَ على رِسلِها
نهاياتُها عندنا كالبِدي
١٥١. ونأتي الجريرةَ لا نَغتلي
ونَبغي الهَناةَ كما تُبتغي
١٥٢. ولا نكبِتُ العاطفاتِ الجْياعَ
فيُشرِقنا كبتُها بالشجا
١٥٣. إلى الآنَ يُضرَبُ من ههنا
بنا مَثلٌ في مصيرِ الدُّنى
١٥٤. ولو صَحَّ من مثلٍ للدَّمارِ
ما كانَ غيرَهمُ ، والتَّوى
١٥٥. وجَدنا هُنا كلَّ ذي عَورةٍ
على كلِّ ذي حُرمةٍ قد سطا
١٥٦. وكلَّ كريمِ الثَّنا أصيدٍ
تَقلَّص في كِنِّهِ وانزوى
١٥٧. وجَدنا الرَّجالَ هنا بالرِّجالِ
لاهينَ ، في وَضَحٍ من سَنا
١٥٨. على حينَ تختصُّ نِسوانُهم
نساءً ، ومنتصِفٌ مَن جزى
١٥٩. وجدَنا الزعيمَ كما يَنْعَتُونَ
على قدَميْ غاصبيهِ ارتمى
١٦٠. وجدنا الخبائثَ والطَّيباتِ
بأضدادِهنَّ هُنا تُصطفى
١٦١. وجدنا الرَّجالَ وأسماءَهم
يُخَّففُ من قُبحها بالكُنى
١٦٢. بَنِيَّ إذا الدَّهرُ ألقى القناعَ
وصرَّح من حسوهِ ما ارتغى
١٦٣. ودالتْ لهمْ دولةٌ كالَّتي
لدى الناسِ في وجهها والقفا
١٦٤. سواءٌ فلا خَلْفُها من أمامِ
يبدو ، ولا وجهُها من ورا
١٦٥. ولا يستبيحُ بها سابقاً
إلى المجدِ ركّاضةً مَن حَبا
١٦٦. ولا يقذفُ الشهمَ ذو لَوثةٍ
ذميمٌ ، ولا يدّري مَن وعى
١٦٧. وكانَ المُفَضَّلُ لا المُزدرى
لهُ يُعتزى وبهِ يُؤتسى
١٦٨. وكان بها المُثُل الصالحاتُ
لا الطالحاتُ ، هي المُقتدى
١٦٩. فلا تبخلوا أنْ تزوروا أباً
جريرتُه أنَّ ذُّلاً أبى
١٧٠. ولا تبخَلوا أنْ تَمُدوا يداً
لتحضِنَ منه خيالاً سَرى
١٧١. وطيفاً أتاكمْ يُهنّيكمُ
بأنْ قد وُقِيتمْ زماناً مضى
١٧٢. ولا تُنكروا أنَّ " عُشّاً " به
تلوحُ لكمْ قَسَماتُ الهنا
١٧٣. كطُهْرِ " الطفولةِ " أجواؤه
وأفياؤه كرفيفِ الضحى
١٧٤. ضرَبنا لنجمعَ أعوادَه
لكم في صميمِ زمانٍ جَسا
١٧٥. ستدْرون أيَّ مطاوي البلاءِ
نزلنا إليها ، وأيَّ الهُوى
١٧٦. وأيَّ الخصومِ مَدَدْنا له
بأيِّ الأكفِّ بأيِّ القَنا
١٧٧. ضربناهُ بالفكرِ حتى التوى
وبالقلبِ حتى هفا بالرَّدى
١٧٨. وكانَ القريضُ الذي تقرءونَ
أقتلَ مِن ذا وهذا شَبا
١٧٩. ضربناه أنْ لم يُصِبْ مَقتلاً
بسهمٍ أراشَ ونصلٍ برى
١٨٠. وشرُّ " السهامِ " رُواءُ النعيمِ
وشرُّ " النضالِ " بريق الغِنى
١٨١. سلامٌ على هَضَباتِ العراقِ
وشطَّيهِ والجُرْفِ والمُنحنى
١٨٢. على النَّخْلِ ذي السَّعَفاتِ الطوالِ
على سيّدِ الشَّجَرِ المُقتنى
١٨٣. على الرُّطَبِ الغَضِّ إذ يُجتلَى
كوَشْيِ العروسِ وإذ يُجتنى
١٨٤. بإِيسارهِ يومَ أعذاقُه
تَرفّث ، وبالعسرِ عندَ القنى
١٨٥. وبالسَّعْفِ والكَرَبِ المُستجِدِّ
ثوباً " تهرّا " وثوباً نضا
١٨٦. ودجلةَ إذْ فارَ آذيُّها
كما حُمَّ ذُو حَرَدٍ فاغتلى
١٨٧. ودجلةَ زهوِ الصَّبايا الملاحِ
تَخَوَّضُ منها بماءٍ صَرى
١٨٨. تُريكَ العراقَّي في الحالتينِ
يُسرِفُ في شُحّهِ والنَّدى
١٨٩. سلامٌ على قَمَرٍ فوقَها
عليها هَفا وإليها رَنا
١٩٠. تُدغدِغُ أضواؤهُ صَدْرَها
وتَمسحُ طيَّاتِها والثِنى
١٩١. كأنَّ يداً طرَّزَتْ فوقَها
من الحُسن مَوشِيةً تُجتلى
١٩٢. رواءُ النميرِ لها لُحمةٌ
وذَوبُ الشعاعِ عليها سَدى
١٩٣. ونجمٌ تَغَوَّرَ من حُبّها
ونجمٌ عليها ادَّنى فادَّلى
١٩٤. على الجْسِرِ ما انفكَّ من جانبيهِ
يُتيحُ الهَوى مِن عيونِ المها
١٩٥. فيا ليتَهُنَّ الذي يعتدي
ويا ليتَكَ الرّجلُ المُعتدى
١٩٦. ويا ليتَ بلواكَ قُبُّ الصدورِ
ولُعسُ الشفاهِ وبيضُ الطُّلى
١٩٧. ويا ليتَ أنَّكَ لا تشتكي
ظَماءكَ إلاَّ لهذا اللَّمى
١٩٨. وليتَ بهنَّ ولا غيرهنَّ
تَنَقَّلُ في غضبٍ أو رِضا
١٩٩. بهنَّ ولا بغلاظِ الرقابِ
قِباحِ الوجوهِ خِباثِ الكُلى
٢٠٠. سلامٌ على جاعلاتِ النَّقيقِ ،
على الشَّاطئينِ ، بَريدَ الهوى
٢٠١. لُعنتنَّ مِن صِبيْةٍ لا تشيخُ
ومن شِيْخَةٍ دَهْرَها تُصطبى
٢٠٢. تقافَزُ كالجْنِّ بينَ الصخورِ
وتندسُّ تحتَ مَهيلِ النَّقا
٢٠٣. حَلَفتُ بمنْ راءَكنَّ الحياةَ
سمحاءَ أبدعَ ما تُرتأى
٢٠٤. وألبسكُنَّ جَمالَ الغديرِ
مَن صافَ منكنَّ أو مَن شتا
٢٠٥. لأنتُنَّ من واهباتِ البيانِ
جَمالاً ومن مُحييِاتِ اللُغى
٢٠٦. على أنَّها لُغةٌ ثرَّةٌ
عواطفكنَّ بها تُمترى
٢٠٧. لقد عابكنَّ بما لا يُعابُ
فَدْمٌ بخَلْقٍ جميلٍ زَرى
٢٠٨. بسَمحٍ يُنادمُ رَكبَ الخلود
ويُحسن للخابطينَ القِرى
٢٠٩. يَدُلُّ على الماءِ مَن ضَلَّه
ويَرفعُ وحشةَ ليلٍ طَخا
٢١٠. كأنَّ بعينيكِ ياقوتتينِ
صاغهما جوهريٌّ جَلا
٢١١. ولو لم يُخبِّرْ بريقُ النبوغِ
بعينيكِ عن مثلِ سفعِ الذّكا
٢١٢. لنَمَّ الجُحوظُ على شاعرٍ
بعيدِ الخيالِ عنيفِ الرؤى
٢١٣. سجا الليلُ إلا حماماً أجدٍّ
هَديلاً وترجيعَ كلبٍ عَوى
٢١٤. وجُندُبةً طارحَتْ جُندُباً
وبُوماً زقا وسحيلاً ثغا
٢١٥. وديكاً يؤذِّنُ في جَمعهم
بأن قد مضى الليلُ إلا إنى
٢١٦. ودَّوى قِطارٌ فرَدَّ الحياةَ
عفواً إلى عالَمٍ يُبتنى
٢١٧. وما برِحَ القمرُ المستديرُ
يَسبحُ في فلَكٍ مِن سنا
٢١٨. تلوذُ النجومُ بأذيالهِ
هَفَتْ إذ هفا ودَنَتْ إذ دنا
٢١٩. إلى أنْ تَضوَّرَ غولُ الصَّباحِ
ودَبَّ الهُزالُ به فانضوى
٢٢٠. سلامٌ على عاطراتِ الحقولِ
تناثرُ مِن حولهن القُرى
٢٢١. ويا لَلَطافةِ هذي الدُّنى
يُتمّمها لُطفُ تلكَ القُصى
٢٢٢. وحبلِ ضياءٍ تدلّى به
على أُفقٍ أُفقٌ والتقى
٢٢٣. كأنَّ يدَيْ خالقٍ مُبدعٍ
تخيَّلَ عُريتَها وأرتأى
٢٢٤. يَمُرَّانِ فوقَ الرُّبى والسفوحِ
ويخترقانِ سُدوفَ الدُّجى
٢٢٥. وينتزعانِ الشُفوفَ التي
تدثَّرَ كَوْنٌ بها وارتدى
٢٢٦. رويداً رويداً كما سُرِّحتْ
غلائلُ غانيةٍ تُنتضى
٢٢٧. وألقتْ عليها الغيومُ اللطافُ
نَسْجاً كعهدِ الغواني وهى
٢٢٨. تحرّقَ كاسٍ إلى عُريهِ
وأُغرم عارٍ به فاكتسى
٢٢٩. كأنَّ بها عالماً واحداً
تلاقى ، وإنْ بَعُد المنتأى
٢٣٠. سلامٌ على بلدٍ صُنتُه
وإيايَ مِن جفوةٍ أو قِلى
٢٣١. كلانا يكابدُ مُرَّ الفراق
على كبدَينا ، ولَذْعَ النَّوى
٢٣٢. وكلٌّ يُغِذُّ إلى طِيَّة
لنا عند غايتها مُلتقى
٢٣٣. غداً إذ يَطِنُّ فضاءُ العراقِ
طنينَ الثرى من هزبرٍ خَلا
٢٣٤. وإذ يستقلُّ بِضَبْعِي فتىً
يَرى الغُنْمَ في العيش كسب الثنا
٢٣٥. ويقدُرُ إن ضمَّ منه اليدينِ
ايَّ ثمينٍ نفيسٍ حَوى
٢٣٦. غداً إذ فريقٌ يحوزُ الثنا
يَعَضُّ فريقٌ بصمِّ الصفا