يادجلة الخير

١. حَيّيتُ سفحَكِ عن بُعْدٍ فحَيِّيني
يا دجلةَ الخيرِ، يا أُمَّ البستاتينِ

٢. حييتُ سفحَك ظمآناً ألوذُ به
لوذَ الحمائمِ بين الماءِ والطين

٣. يا دجلةَ الخيرِ يا نبعاً أفارقُهُ
على الكراهةِ بين الحِينِ والحين

٤. إنِّي وردتُ عُيونَ الماءِ صافيةَ
نَبْعاً فنبعاً فما كانت لتَرْويني

٥. وأنتَ يا قارَباً تَلْوي الرياحُ بهِ
لَيَّ النسائمِ أطرافَ الأفانين

٦. ودِدتُ ذاك الشِراعَ الرخص لو كفني
يُحاكُ منه غَداةَ البَين يَطويني

٧. يا دجلةَ الخيرِ: قد هانت مطامحُنا
حتى لأدنى طِماحِ غيرُ مضمون

٨. أتَضمنينَ مَقيلاً لي سَواسِيةً
بين الحشائشِ أو بين الرياحين؟

٩. خِلْواً مِن الـهمِّ إلاّ همَّ خافقةٍ
بينَ الجوانحِ أعنيها وتَعنيني

١٠. تَهُزُّني فأُجاريها فتدفعُني
كالريح تُعجِل في دفع الطواحين

١١. يا دجلةَ الخيرِ: يا أطيافَ ساحرةٍ
يا خمرَ خابيةٍ في ظلِّ عُرْجون

١٢. يا سكتةَ الموتِ، يا إعصارَ زوبعةٍ
يا خنجرَ الغدرِ، يا أغصانَ زيتون

١٣. يا أُم بغدادَ، من ظَرفٍ، ومن غَنَجٍ
مشى التبغددُ حتى في الدهاقين

١٤. يا أمَّ تلك التي من «ألفِ ليلتِها»
للآنَ يعبِق عِطرٌ في التلاحين

١٥. يا مُستَجمَ «النُّوُاسيِّ» الذي لبِستْ
به الحضارةُ ثوباً وشيَ «هارون»

١٦. الغاسلِ الـهمَّ في ثغرٍ، وفي حَبَبٍ
والمُلبسِ العقلَ أزياءَ المجانين

١٧. والساحبِ يأباه الزِّقَّ ويُكرِهُه
والمُنْفِقِ اليومَ يُفدى بالثلاثين

١٨. والراهنِ السابِريَّ الخزَّفي قدحٍ
والملـهِمِ الفنَّ من لـهوٍ أفانين

١٩. والمُسْمعِ الدهرَ، والدنيا، وساكنَها
قرْعَ النواقيسِ في عيدِ الشعانين

٢٠. يا دجلة الخير: ما يُغليكِ من حنَقٍ
يُغلي فؤادي، وما يُشجيكِ يشجيني

٢١. ما إن تزالَ سِياطُ البغي ناقعةً
في مائِك الطُهْرِ بين الحِين والحين

٢٢. ووالغاتٌ خيولُ البغي مُصْبِحةَ
على القُرى آمناتٍ والدهاقين

٢٣. يا دجلة الخير: أدري بالذي طفحت
به مجاريك من فوقٍ إلى دوُن

٢٤. أدري على أيِّ قيثارٍ قد انفجرت
أنغامُكِ السُمر عن أنَّات محزون

٢٥. أدري بأنكِ من ألفٍ مضتْ هَدَراً
للآن تَهْزَين من حكم السلاطين

٢٦. تَهزين أنْ لم تزلْ في الشرق شاردةً
من النواويس أرواحُ الفراعين

٢٧. تهزينَ من خِصْبِ جنَّات منشَّرةٍ
على الضفاف، ومن بؤس الملايين

٢٨. تهزين من عُتقاءٍ يوم مَلحمةٍ
أضفوا دروعَ مَطاعيمٍ مَطاعين

٢٩. الضارعين لأقْدارٍ تحِلُّ بهم
كما تلوَّى ببطن الحُوتِ ذُو النون

٣٠. يرون سُودَ الرزايا في حقيقتها
ويفزعون إلى حَدْسٍ وتخمين

٣١. والخائفينَ اجتداعَ الفقرِ ما لَهُم
والمُفضلِينَ عليه جَدْعَ عِرنين

٣٢. واللائِذينَ بدعوى الصبر مَجْبَنةً
مُستَعصِمينَ بحبلٍ منه مَوهون

٣٣. والصبرُ ما انفكَّ مَرداةً لمُحترِبٍ
ومستميتٍ، ومنجاةً لمِسكين

٣٤. يا دجلةَ الخير: والدنيا مُفارَقةٌ
وأيُّ شرٍّ بخيرٍ غيرُ مقرون

٣٥. وأيُ خيرٍ بلا شرٍّ يُلَقِّحه
طهرُ الملائك منْ رجس الشياطين

٣٦. يا دجلة الخير: كم مِنْ كنز موهِبةٍ
لديك في «القُمقُم» المسحورِ مخزون

٣٧. لعلَّ تلك العفاريتَ التي احْتُجِزتْ
مُحَمَّلاتٌ على أكتاف «دُلفين»

٣٨. لعلَّ يوماً عصوفاً جارفاً عَرِماً
آتٍ فتُرضيك عقباه وترضيني

٣٩. يا دجلة الخيرِ: إن الشِعْرَ هدْهدةٌ
للسمع ما بين ترخيمٍ وتنوين

٤٠. عفواً يُردّد في رَفْهٍ وفي عَلَلٍ..
لحن الحياة رخيِّاً غيرَ مَلحون

٤١. يا دجلةَ الخير: كان الشعرُ مُذْ رَسمتْ
كفُ الطبيعةِ لوحاً، «سِفْرَ تكوين»

٤٢. «مزمارُ داودَ» أقوى من نبوّتهِ
فحوًى، وأبلغُ منها في التضامين

٤٣. يا دجلةَ الخير: لم نَصحب لمسكنةٍ
لكن لنلمِسُ أوجاعَ المساكين

٤٤. هذي الخلائقُ أسفارٌ مجسَدةٌ
المُلـهمون عليها كالعناوين

٤٥. إذا دجا الخطبُ شعَّت في ضمائرهم
أضواء حرفٍ بليل البؤس مرهون

٤٦. دَينٌ لِزامٌ، ومحسودٌ بنعمته
من راح منهم خَليصاً غيرَ مديون

٤٧. يا دجلة الخير: ما أبقيتُ جازِيةً
لم أقضِ عنديَ منها دَيْنَ مديون

٤٨. ما كنتُ في مَشْهدٍ يَعنيك مُتَّهماً
خَبَاً، وما كنتُ في غيبٍ بظِنِّين

٤٩. وكان جُرحُكِ إلـهامي مُشاركَةً
وكان يأخذُ من جُرحي ويُعطيني

٥٠. وكان ساحُكِ من ساحي إذا نزلت
به الشدائد، أقريه ويَقريني

٥١. حتى الضفادعُ في سفحيكِ سَارِيةَ
عاطيتُها فاتناتٍ حُبَّ مفتون

٥٢. غازلتُهنَّ خليعاتٍ وإن لبست
من الطحالب مزهوَّ الفساتين

٥٣. يا دجلة الخير: هلاَّ بعضُ عارفَةٍ
تُسدَى إليَّ على بُعدٍ فتَجزينني

٥٤. يا دجلة الخير: مَنِّيني بعاطفة
وألْهِمينيَ سُلواناً يُسَلِّيني

٥٥. يا دجلة الخير: من كل الأُلى خَبَروا
بلوايَ لم ألفِ حتى من يواسيني

٥٦. يا دجلةَ الخيرِ: خلِّي الموجَ مُرتفقاً
طيفاً يمرُّ وإن بعضَ الأحايين

٥٧. وحمِّليه بحيثُ الثلجُ يغمرني
دفءَ «الكوانين»، أو عطر «التشارين»

٥٨. يا دجلةَ الخير: يا من ظلَّ طائفُها
عن كل ما جَلَتِ الأحلام يُلـهيني

٥٩. لو تعلمين بأطيافي ووحشتِها
ودِدتِ مثلي لَوَ أنَّ النومَ يجفوني

٦٠. أجسُ يقظانَ أطرافي أعالجها
مما تحرَّقت في نومي بأتُون

٦١. وأستريح إلى كوبٍ يُطّمئنُني
أن ليس ما فيه مِن ماءٍ بغِسلين

٦٢. وألمِسُ الجُدُرَ الدَكناءَ تخبرني
أنْ لستُ في مَهْمَهٍ بالغِيل مسكون

٦٣. يا دجلةَ الخير: خلِّيني وما قَسَمَتْ
لي المقاديرُ من لدغ الثعابين

٦٤. الطالحاتُ فما يبعثْنَ صالحةً
ولا يُبعثرْنَ إلاّ كلَّ مأفون

٦٥. والراهناتُ بجسمي يَنْتَبِشن به
نبشَ الـهوامِ ضريحاً كلَّ مدفون

٦٦. واهاً لنفسيَ من جمعِ النقيضِ بها
نقيضَه جمْعَ تحريكٍ وتسكين

٦٧. جنباً إلى جنب آلامٍ أقُطِّفُها
قَطْفَ الجياع جَنى اللّذّات يزهوني

٦٨. وأركبُ الـهوْلَ في ريعانِ مامَنةٍ
حبُّ الحياة بِحبِّ الموتِ يُغريني

٦٩. ما إن أُبالي أصاباً درَّ أم عسلاً
مريٌ أراه على العلاّتِ يرضيني

٧٠. غُولاً تسنَّمتُ لم أسألْ أكارعَه
إلى الـهُوَى، أمْ على الواحات ترميني

٧١. وما البُطولاتُ إعجازٌ وإنْ قنِعت
نفسُ الْجبانِ عن العلياء بالـهُون

٧٢. وإنَّما هي صفوٌ منْ مُمارَسَةٍ
للطارئات، وإمعَانٍ، وتمرين

٧٣. لا يُولَدُ المَرءُ لاهِرَّاً ولا سَبُعاً
لكن عصارةَ تجريبٍ وتلقين

٧٤. يا دجلة الخير: كم معنًى مزجتُ لـه
دمي بلحمي في أحلى المواعين

٧٥. ألفيته فَرْطَ ما ألوى اللواةُ به
يشكو الأمرَّينِ من عَسْفٍ ومن هُون

٧٦. أجرَّه الشوكَ ألفاظٌ مُرَصَّفةٌ
أجرَّها الشوكَ سجعٌ شِبهٌ موزون

٧٧. سَهِرتُ ليلَ «أخي ذبيان» أحضُنه
حَضْنَ الرواضعِ بين العتِّ واللين

٧٨. أعِيدُ من خَلقه نحتاً وخَضْخضةً
والنجمُ يَعْجَب من تلك التمارين

٧٩. حتَّى إذا آضَ ريَّان الصِبا غَضِراً
مهوى قلوبِ الحسانِ الخرَّدِ العِين

٨٠. أتاح لي سُمَّ حيَاتٍ مُرقَّطةٍ
تَدبُّ في حمَأ بالحقد مَسْنون

٨١. فهل بحسبِ الليالي من صدى ألمي
أني مَضِيغَةُ أنيابِ السراحين

٨٢. الآكلين بلحمي سُمَّ أغرِبَةٍ
وغُصَّةً في حلاقين الشواهين

٨٣. والساترينَ بشتمي عُرْيَ سوأتِهم
كخَصْفِ حوّاءَ دوحَ التُوتِ والتين

٨٤. والعائشينَ على الأهواء مُنزلةً
على بيانٍ بلا هَديٍ وتبيين

٨٥. والميِّتينَ وقد هيضت ضمائرهُم
بواخزٍ معهم في القبر مدفون

٨٦. صنّاجةَ الأدبِ الغالي، وكم حِقَبٍ
بها المواهبُ سيمَت سَوْمَ مغبون

٨٧. ومُنْزِلَ السِوَرِ البتراءِ لاعِنَةً
مَنْ لم يكن قبلـها يوماً بملعون

٨٨. جوزيتَ عنها بما أنت الصليُّ به
هذا لَعمري عطاءٌ غيرُ ممنون!!

٨٩. ماذا سوى مثلِ ما لاقيتَ تأمُلُهُ
شمُ العرانين من جُدْع العرانين

٩٠. حامي الظعائن لا حمدٌ ولا مِقةٌ
وقد يكون عزاءً حمدُ مظعون

٩١. لمن؟ وفيمَ؟ وعمَّن أنت محتملٌ
ثِقْلَ الدَّيات من الأبكار والعُون؟

٩٢. ويا زعيماً بأن لم يأته خبرٌ
عمّا يُنشَّرُ من تلك الدواوين

٩٣. لك العمى ومتى احتجَّتْ بأن قَعَدتْ
عن الموازينِ أربابُ الموازين

٩٤. بل قد مَشَتْ لكَ كالأصباحِ عابقةً
وأنت تحذرها حذرَ الطواعين

٩٥. كفرتُ بالعلم صِفْرَ القلب تحملـه
للبيع في السوق أشباه البراذين

٩٦. كانت عباقرةُ الدنيا وقادتُها
تأتي المورِّقَ في أقصى الدكاكين

٩٧. تلمُ ما قد عسى أن فات شارِدُهُ
عنها، ولو كان في غُيَّابة الصين

٩٨. لـهفي على أمَّةٍ غاض الضميرُ بها
من مدّعي العلمِ، والآداب والدين

٩٩. موتى الضمائرِ تُعطي المَيْتَ دمعتَها
وتستعينُ على حيٍّ بسكِّين

١٠٠. لا بُدَّ معجِلةٌ كفُّ الخَراب به
بيتٌ يقوم على هذي الأساطين

١٠١. جُبْ أُربُعَ النقد، واسألْ عن ملاحمها
فهل ترى من نبيغٍ غيرِ مطعون

١٠٢. وقِفْ بحيثُ ذوو النَّزْعِ الأخير بها
وزُرْ قُبورَ الضحايا والقرابين

١٠٣. ترَ الفطاحلَ في قتلٍ على عَمَدٍ
همُ الفطاحلُ في صوغ التآبين

١٠٤. مِن ناكرٍ عَلَماً تُهدى الغواة به
حتى كأن لم يكن في الكاف والنون

١٠٥. أو قارنٍ بأسمه خُبثاً وملأمةً
مَن ليس يوماً بضْبِعَيْهِ بمقرون

١٠٦. تشفّياً: إنَّ لمحَ الفكر منطلقاً
قذًى بعين دعيِّ الفكر مأفون

١٠٧. عادى المعاجمَ وغْدٌ يستهين بها
يُحصي بها «أبجدياتٍ» ويعدوني

١٠٨. شلَّت يداك وخاست ريشةٌ غفلت
عن البلابل في رسم السعادين

١٠٩. يا دجلةَ الخير: ردّتني صنيعتَها
خوالجٌ هُنَّ من صنعي وتكويني

١١٠. إن المصائب طوعاً أو كراهيةً
أعَدْنَ نَحْتِي، كما أبدَعْنَ تلويني

١١١. أرَينني أنّ عندي من شوافِعِها
إذا تباهى زكيٌ ما يزكّيني

١١٢. وجَبَّ شتَى مقاييسٍ أخذتُ بها
مقياسُ صبرٍ على ضُرٍّ وتوطين

١١٣. وراح فضلُ الذي يبغي مباهلتي
نعمى تعنِّيه، من بؤسي تعنيني

١١٤. يا دجلةَ الخير: شكوى أمْرُها عجبٌ
إنّ الذي جئت أشكو منه يشكوني

١١٥. ماذا صنعتُ بنفسي قد أحَقْتُ بها
ما لم يُحقْهُ بـ«روما» عسفُ «نيرون»

١١٦. ألزمتها الجِدَّ حيثُ الناسُ هازلةٌ
والـهزلَ في موقفٍ بالجدِّ مقرون

١١٧. وسُمْتُها الخسفَ أعدى ما تكون لـه
وأمنعُ الخسفَ حتى من يعاديني

١١٨. ورحتُ أظمي وأسَقي من دمي زُمراً
راحت تُسقي أخا لؤمٍ وتُظميني

١١٩. وقلتُ بالزهدِ أدري أنَّه عَنَتٌ
لا الزهدُ دأبي، ولا الإمساك من ديني

١٢٠. خَرطَ القتاد أمنّيها وقد خِلِقتْ
كيما تنامَ على وردٍ ونِسرين

١٢١. حراجةٌ لو يُرى حمدٌ يرافقها
هانتْ وقد يُدَّرى خطبٌ بتهوين

١٢٢. لكنْ رأيتُ سِماتِ الخيرِ ضائعةً
في الشرِّ كاللثغِ بين السينِ والشين

١٢٣. ما أضيعَ الماسَ مصنوعاً ومتطَبِعاً
حتى لدى أهلِ تمييزٍ وتثمين

١٢٤. يا دجلةَ الخير: هل أبصرتِ بارقةً
ألقت بلمحٍ على شطَّيكِ مظنون؟

١٢٥. تلكمْ هي العمرُ ومضٌ من سنى عَدمٍ
ينصَّبُ في عَدَمٍ في الغيبِ مكنون

١٢٦. يا دجلة الخير: هل في الشكِّ منجلياً
حقيقةٌ دون تلميحٍ وتخمين؟

١٢٧. أم خولطت فيه أوهامٌ وأخيلةٌ
كما تخالطت الألوانُ في الجُون

١٢٨. أكاد أخرج من جلدي إذا اضطربت
هواجسٌ بين إيقانٍ وتظنين

١٢٩. أقول لو كنزُ قارونٍ وقد عَلِمَتْ
كفَّايَ أن ليس يُجدي كنزُ قارون

١٣٠. أقول: ما كنزُ قارون، فيدمَغُني
أنَّ الخَصاصةَ من بعض السراطين

١٣١. أقول: ليت كفافاً والكفافُ به
رُحبُ الحياةِ، وأقواتُ المساجين

١٣٢. أقولُهنَّ وعندي علمُ ذي ثِقةٍ
أنْ ليس يُؤخَذَ علمٌ بالأظانين

١٣٣. وإنَّما هي نفسٌ همُّ صاحبها
أنْ لا تُصدِّقَ مدحوضَ البراهين

١٣٤. لم يوهب الفكرُ قانوناً يُحصِّنه
من الظنونِ، ومن سُخف القوانين

١٣٥. يا نازحَ الدارِ ناغِ العُودَ ثانيةً
وجُسَّ أوتارُه بالرِفْقِ واللين

١٣٦. لعلَ نجوى تُداوي حرَّ أفئدة
فيها الحزازاتُ تَغلي كالبراكين

١٣٧. وعلَّ عقبى مناغاةٍ مُخفِّقةً
حمّى عناتر «صفينِ» و«حطين»

١٣٨. ويا صدى ذكرياتٍ يستثرن دمي
بهِزّةٍ جمَةِ الألوان تعروني

١٣٩. أشكو المرارةَ من إعناتِ جامحةٍ
منها إلى سمحةٍ برٍّ فتُشكيني

١٤٠. مثلَ الضرائرِ هذي لا تطاوعني
فأستريحُ إلى هذي فتُؤويني

١٤١. ويا مَقيلاً على غربيِّها أبداً
ذكراهُ تَعطِفُ من عودي وتَلويني

١٤٢. عُشُّ الأهازيجِ من سَجعي يُردِّدها
سجعُ الحَمامِ وترجيعُ الطواحين

١٤٣. وسِدْرةٌ نبعُها خضْدٌ، وساقيةٌ
وباسقُ النخلِ معقوفُ العراجين

١٤٤. ومُسْتَدقُّ صخورٍ من مآبرها
رؤًى تَظَلُّ على الحالينِ تُشجيني

١٤٥. من أنمل الغِيد في حسنٍ تُتمِّمه
فإنْ تعرَّتْ قمن أنياب تنِّين

١٤٦. يا مجمعَ الشملِ من صحبٍ فُجعتُ به
وآخرٍ رُحْتُ أبلوه ويبلوني

١٤٧. ويا نسائمَ إصباحٍ تصفِّقُ لي
ندى الغصون بليلاتٍ وتَسقيني

١٤٨. ويا رؤى أُصُلٍ نشوى تراوحني
ويا سنا شفقٍ حلوٍ يُغاديني

١٤٩. ويا مَداحةَ رملٍ في مَخاضتها
راحت أُصيبيةٌ تلـهو فتُلـهيني

١٥٠. وضجَّةٌ من عصافيرٍ بها فَزعُ
على أكِنَّتِها بين الأفانين

١٥١. ومنطقٌ ليس بالفصحى فتفهمُه
يوماً وما هو من حسٍ بملحون

١٥٢. وأنت يا دجلة الخيرات سِعْليةٌ
قرعاء نافجةُ الحضنينِ تعلوني

١٥٣. لا ضيرَ كلُّ أخي عُشٍّ مفارقُه
وأيُّ عُشٍّ من البازي بمأمون!

١٥٤. ويا ضجِيعَي كرًى أعمى يلفُّهما
لفَّ الحبيبين في مطمورةٍ دُون

١٥٥. حسبي وحسبُكما من فرقةٍ وجوًى
بلاعجٍ ضَرِمٍ كالْجمرِ يَكويني

١٥٦. لم أعْدُ أبوابَ ستينٍ، وأحسبني
هِمَّاً وقفتُ على أبواب تسعين

١٥٧. يا صاحبيَّ إذا أبصرت طيفَكما
يمشي إليِّ على مَهلٍ يحييني

١٥٨. أطبقتُ جَفناً على جَفنٍ لأبصُرَه
حتى كأنَّ بريقَ الموتِ يُعشيني

١٥٩. إنِّي شَمِمُتُ ثرًى عفناً يضمُّكما
وفي لُهاثيَ منه عِطرُ «دارين»

١٦٠. بنوةً وإخاءً حلفَ ذي ولَعٍ
بتربةٍ في الغد الداني تغطيني

١٦١. لقد وَدِدْتُ وأسرابُ المنى خُدعُّ
لو تَسلمان وأنِّ الموت يطويني

١٦٢. قد مِتُّ سبعينَ موتاً بعد يومِكما
يا ذلَّ من يشتري موتاً بسبعين

١٦٣. لم أقوَ صبراً على شجوٍ يرمِّضُني
حرَّانَ في قفصِ الأضلاعِ مسجون

١٦٤. تصعدتْ آهِ من تلقاء فطرتها
وأردفت آهةٌ أُخرى بآمين

١٦٥. ودبَّ في القلبِ من تأمورِه ضرمٌ
ما انفكَّ يُثلج صدري حين يُصليني