Feedback

هو الله لا نحصي لآلائه شكرا

١. هوَ اللَّه لا نُحصي لآلائهِ شكرا
لهُ الحمدُ في الأولى له الحمدُ في الأخرى

٢. وَكيفَ نؤدّيهِ بشكر حقوقهِ
وَنعمتهُ بالشكرِ تَستوجبُ الشُكرا

٣. وَأشهدُ أَن اللَّه لا ربّ غيره
وَأنّ لهُ في خلقهِ النفعَ والضرّا

٤. لهُ كلُّ ما قَد كان أو هو كائنٌ
وَما لِسواه في الورى ذرّةٌ صغرى

٥. وَمَهما يَكُن منهم ومهما يكُن لهم
فَإنّ لهُ في ذلكَ الخلق والأمرا

٦. غَنيٌّ على الإطلاقِ عن كلّ كائنٍ
وَكلٌّ له بالفقرِ قد أحرزَ الفخرا

٧. همُ الكلُّ مَقهورون تحتَ قضائهِ
وَلن يَقدروا أَن يَدفعوا عنهمُ القهرا

٨. وَكلُّ فِعال الفاعلينَ فعالهُ
إِذا فَعلوا خيراً وإن فَعلوا شرّا

٩. وَليسَ لَهُم مِنهم سوى كسبِ فعلهم
فَنالوا بهِ إِثماً ونالوا به أجرا

١٠. لإحسانهِ كلُّ الورى كلّ لمحةٍ
مَحاويجُ لولا لطفهُ اِنعدموا فورا

١١. وَهُم درجاتٌ يَجتبي من يشاءهُ
فَيمنحهُ قُرباً ويمنحه برّا

١٢. وَيختصُّ مَن يختارهُ بِشفاعةٍ
إِذا شاءَ في الدُنيا وإن شاء في الأخرى

١٣. وَمَن يحجر الوهّاب عن فيض فضلهِ
فلا رحمَ الرحمنُ من يزعمُ الحجرا

١٤. وَأشهدُ أنّ المُصطفى خير رسلهِ
وَأعظمُهم فَضلاً وأرفَعهم قدرا

١٥. محمّدٌ المُختارُ مِن معدنِ الوَرى
كَما اِختارَ مِن بينِ الحَصا الحاذق الدرّا

١٦. عَليهِ صلاةُ اللَّه مقدار فضلهِ
صَلاةً تفوقُ العدّ والحدَّ والحَصرا

١٧. وَبعدُ فإنّي سقتُ نحوَ عداتهِ
عَساكرَ تُرديهم وإن حُسبَت شِعرا

١٨. بِإمدادهِ أقسامها خمسةً أتت
مُنظّمةً قد أحرَزَت كلُّها النَصرا

١٩. أَتى المُصطفى والناسُ في ليلِ غيّهم
فَأشرقَ في أُفقِ الهُدى بينَهم بَدرا

٢٠. أَتانا بدينٍ فاقَ حُكماً وحِكمةً
وقَد قهَرَ الأديانَ بُرهانُهُ قَهرا

٢١. أَتى بكتابِ اللَّه للناسِ مُعجزاً
وَضمّنَ كلّ العلمِ منه لنا سِفرا

٢٢. وَكلُّ علومِ الخلقِ مِن كلّ عالمٍ
تُرى قطرةً إِن قابلت ذلك البحرا

٢٣. وَقَد فضَلَ القرآنُ كلَّ مقالةٍ
كَما فضَل المَولى خلائقَهُ طرّا

٢٤. وَلَو قَصَدت كلُّ الخلائقِ فَهمهُ
لَما فَهِموا مِن عُشرِ أَسرارهِ العُشرا

٢٥. بِقدرِ التُقى للَّه يفهم سرّهُ
وَما بِسوى تَقواهُ يُفهمُهم سرّا

٢٦. وَسنَّتهُ تِربٌ له وهيَ شرحهُ
وَمَن جاءَ بِالقرآنِ فهوَ به أدرى

٢٧. وَما نطقَ المُختارُ قطُّ عَنِ الهوى
وَما بِسوى وَحيٍ لهُ أعملَ الفِكرا

٢٨. هُما نيّرا أفقِ الهُدى كلُّ مُهتدٍ
يَرى مِنهُما الشمسَ المُنيرةَ والبدرا

٢٩. وَما كلُّ مَعنىً مِنهُما مُتعسّرٌ
لكلِّ اِمرئٍ لكن مع عُسرهِ يُسرا

٣٠. فَما كانَ مَعلوماً منَ الدينِ ظاهراً
فَهِمناهُ لا نحتاجُ تقليدَنا حبرا

٣١. وَما اِحتيجَ منهُ لاِجتهادٍ فإنّنا
بِأحكامهِ نَقفو أئمّتنا الغرّا

٣٢. مُحمّدٌ النعمانُ أحمدُ مالكٌ
بُحورُ علومٍ كَم لنا قذفت درّا

٣٣. نُجومُ هدىً شمسُ النبيِّ تُمدّهم
بِأنوارِهم للناسِ ثغرُ الهدى اِفترّا

٣٤. لِطاعةِ مَولاهُم وَتقواهُ لازموا
وَصاموا وَقاموا داوَموا الفكر والذِكرا

٣٥. فَعلَّمَهم أَحكامهُ من كتابهِ
وَأَفهَمهم مِن سنّةِ المُصطَفى السرّا

٣٦. وَأَشهَدهم ما لَم يرِد فيهما مَعاً
بِنورِهما قاسوا عَلى قدرهِ قدرا

٣٧. فَأَقوالُهم منهُ وليسَ لَهُم سوى
مَظاهرِهم أَجرى بها اللَّه ما أجرى

٣٨. وَكلُّ خِلافٍ جاء عنهم فإنّه
لَنا رَحمةٌ مع أنّه قَد أتى نزرا

٣٩. فَبَعضٌ أَتانا القولُ عنه مُخفّفاً
وَبَعضٌ بقصدِ الأجرِ قد شدّد الأمرا

٤٠. فَكلٌّ على حقٍّ ومَن قال بعضهم
عَلى خطأٍ قَد قال إنّ لهُ أجرا

٤١. فَما اِختَلفوا في الدينِ إلّا لحكمةٍ
وَما اِبتدَعوا في الدينِ نَهياً ولا أمرا

٤٢. أُولئكَ أهل الذكرِ كانوا حياتَهم
وَمِن بَعدِهم أَبقى لهم ربُّهم ذِكرا

٤٣. وَما القصدُ إلّا عِلمهم وهو حاصلٌ
إِذا خاطَبونا أَو قَرَأنا لهُم سفرا

٤٤. بِهِم أُمّةُ المُختارِ في دينها اِقتَدت
مَذاهِبُهُم لِلحشرِ لا تفقدُ النَشرا

٤٥. رَواها بِحُسنِ الضبطِ عَنهم أئمّةٌ
وَقَد ملؤوا الأقطارَ مِن نشرِها عطرا

٤٦. وَما هيَ إلّا مِن شريعةِ أحمدٍ
جَداولُ تَجري كلُّ قومٍ لهم مجرى

٤٧. وَقَد أشبهَ الإسلامُ بيتاً مُربّعاً
عَليها اِستَوى قَصراً وقامَ بها حصرا

٤٨. مَذاهِبُهم مثلُ المَرايا صَقيلةٌ
بِها اِرتَسم القُرآنُ والسنّةُ الغرّا

٤٩. فَأقوالُهم آياتهُ وَحديثها
بِمَعناهُما لكن عباراتُهم أخرى

٥٠. قَدِ اِقتَبسوا مِن نورِ أحمد نورهم
فَبانَ لهُم ما في شَريعتهِ أجرى

٥١. وَمِن بَعدهم جاؤوا بمِقدارِ بُعدهم
عنِ المُصطفى صارَ الظلام لهم سِترا

٥٢. بِنسبةِ بُعدِ الشمسِ يحصلُ نورها
لِقومٍ غَدا قلّاً لقومٍ غَدا كُثرا

٥٣. وَكُلُّ إمامٍ جاءَ عنهم وصيّةٌ
لأصحابهِ ما بَينهم لَم تَزل تُقرا

٥٤. إِذا صحّ قولُ المصطفى فهو مذهبي
وَما قلتهُ مِن قبلُ فاِرموا بهِ الجُدرا

٥٥. وَما زالتِ الحفّاظُ من كلِّ مذهبٍ
تُحرّرهُ حتّى غَدا ذَهباً نضرا

٥٦. شَريعةُ خيرِ الخلقِ شمسٌ منيرةٌ
وَأنوارُها قَد عمّتِ البرَّ وَالبحرا

٥٧. أَضاءَت بها الأكوانُ بعدَ ظَلامِها
وكَم ذا أمدّت مِن أئمّتنا بدرا

٥٨. لَقَد أَشرَقَت فيهم وفي كلِّ مؤمنٍ
وَأَعطَت لكلٍّ مِن أشعّتها قدرا

٥٩. وَلكن بِقدرِ القابليّة نورُها
يَكونُ قَليلاً بالمقابلِ أو نزرا

٦٠. وَهل يَستوي أَن قابلت بشُعاعها
جَواهِرَهم أو أنّها قابلَت صخرا

٦١. وَأجهلُ خلقِ اللَّه من قال إنّها
بإِشراقها ساوَت معَ الحجرِ الدرّا

٦٢. وَكَم مِن إمامٍ جاءَ في كلِّ مذهب
كبيرٍ بهِ قَد أحرزَ المذهبَ الفخرا

٦٣. وَما مِنهمُ فردٌ بِدعوى اِجتهادهِ
سَمِعنا لهُ في غير مذهبهِ مَسرى

٦٤. بَلى مِن طريقٍ للولايةِ واضحٍ
يَجوزُ بقاءُ الإجتهاد ولا حجرا

٦٥. وَأَمّا طريقُ الدرسِ بالنفسِ والهوى
فَكَم أوصَلَت للسالكينَ بها شَرّا

٦٦. قَدِ اِجتَهدوا فيها بحُكم نُفوسهم
فَنالوا بِها مِنها الكبائرَ والكِبرا

٦٧. نَعَم كلُّ قَرنٍ يبعثُ اللَّه فيه من
يُجدّدُ أمرَ الدينِ ينصرهُ نَصرا

٦٨. وَذلكَ إمّا واحدٌ أو جَماعةٌ
بِكثرةِ عِلمٍ أو بِمَنقبةٍ أخرى

٦٩. عَلى الكلِّ مِن مولاهُ هتّانُ رحمةٍ
تُمازجُ منهُ الروحَ والجسمَ وَالقبرا

٧٠. وَكَم مِن قُرونٍ قَد تَوالت ولَم يُجِل
بِدَعوى اِجتهادٍ مُطلق عالمٌ فِكرا

٧١. فَكيفَ اِدّعاهُ الجاهلونَ بِعَصرنا
فَما أَقبحَ الدَعوى وَما أَفظعَ الأمرا

٧٢. وَأوّلُهم قَد كانَ شَيخاً مُشرّداً
بهِ مَلكُ الأفغانِ أَجرى الّذي أجرى

٧٣. أَراد فَساداً في ديانةِ قومهِ
عَلى قربهِ منهُ فَأبعدهُ قهرا

٧٤. تَسمّى جَمالَ الدينِ مع قبحِ فعلهِ
كَما وَضعوا لفظَ المفازَةِ للصَحرا

٧٥. يَقولونَ هذا المُصلحُ الأكبرُ الّذي
بهِ صارَ حُكمُ الدينِ في عَصرِنا يُسرا

٧٦. مَذاهبُ أهلِ العلمِ ممّن تَقدّموا
تُوافقُ أَحوالَ الزَمانِ الّذي مرّا

٧٧. وَأَبدعَ هَذا الشيخُ لِلناسِ مَذهباً
يُوافقُ في تَيسيرِ أَحكامهِ العَصرا

٧٨. غَدا كلُّ عَبدٍ فيه صاحبَ مَذهبٍ
بهِ صارَ في الأحكامِ مُجتهداً حرّا

٧٩. فَقد كانَ تنّوراً لطوفانِ غيّهم
وَلكن محلَّ الماءِ فارَ لَهُم جَمرا

٨٠. أَتى مصرَ مَطروداً فعاثَ بقُطرها
فَيا قبحهُ شَيخاً ويا حُسنهُ قطرا

٨١. وَكنتُ بذاكَ الحينِ فيها مجاوراً
بِأَزهرِها صاحبتُ أنجمهُ الزُهرا

٨٢. بِتاريخِ ستٍّ والثمانين قَد تَلت
مَع المائتينِ الألفَ في الهجرة الغرّا

٨٣. حَضرتُ بفقهِ الشافعيّ خطيبهُ
عَلى شيخِ شربينٍ فألفيتهُ بَحرا

٨٤. وَجاءَ جَمالُ الدين يَوماً لدرسهِ
فَألقى عَلى الأستاذِ أسئِلةً تَترى

٨٥. فَفاضَت عَليهِ مِن مَعارفِ شَيخنا
سُيولٌ أَرتهُ علمهُ عندهُ قَطرا

٨٦. وَإِذ شمَّ منهُ الشيخُ ريح ضلالهِ
وَإِلحادهِ أَولاهُ مَع طردهِ زَجرا

٨٧. وَذاكرتهُ يَوماً فأخبرَ أنّه
كَأُستاذِنا لَم يُلفِ في مصرهِ حبرا

٨٨. وَمِن بعدِ هَذا حازَ في مصرَ شُهرةً
وَأَلقى دُروساً للفلاسفِ في مِصرا

٨٩. وَحينَ أتاهُ ذلكَ الحينَ عبدهُ
وَأمثالهُ أَفشى لهُم ذلكَ السرّا

٩٠. أَسرّ لَهُم محوَ المذاهبِ كلّها
لِيرجعَ هذا الدينُ في زعمهِ بِكرا

٩١. فَلَم يلف مِنهم غيرَ خلٍّ موافقٍ
سميعٍ له قولاً مطيعٍ له أمرا

٩٢. فَساقَ عَلى الإسلامِ منهم جحافلاً
يَرى فِرقةً سارَت فَيُتبعها أُخرى

٩٣. أَغاروا على الإسلامِ في كلِّ بلدةٍ
فَما تَركوا نَجداً وَما تَرَكوا غورا

٩٤. شَياطينُ بينَ المُسلمينَ تَفرّقوا
بإِغوائِهم كَم أَفسَدوا جاهلاً غمرا

٩٥. قَدِ اِختَصروا بالجهلِ دين مُحمّدٍ
وَما تَرَكوا من عُشرِ أحكامهِ العُشرا

٩٦. لَقَد زَعَموا إِصلاحهُ بفسادِهم
وَكَم حمّلوهُ مِن ضَلالاتِهم إِصرا

٩٧. كفيران قصرٍ أفسدَت فيهِ جهدَها
تَرى نفسَها قد أصلَحت ذلكَ القَصرا

٩٨. فَما بالُهم لا يُصلحون نُفوسهم
أما هيَ بِالإصلاحِ مِن غيرِها أحرى

٩٩. وَقد جاءَ في القرآنِ ذكرُ فَسادِهم
وَزَعمهمُ الإصلاحَ في السورة الزهرا

١٠٠. وَفي درّهِ المنثورِ سلمان قائلٌ
همُ بعدُ لم يأتوا فَخُسراً لهم خسرا

١٠١. وَها هم أتَونا مثلَ ما قال ربُّنا
بِأوصافِهم فاِعجَب لَها آيةً كبرى

١٠٢. خَوارجُ لَكِن شيخُهم غير نافعٍ
وَلكنَّهُ قَد كانَ أزرقَ مغبرّا

١٠٣. وَقَد جاءَ في الأخبارِ وصفُ مُروقهم
منَ الدينِ مثلَ السهمِ للجهةِ الأخرى

١٠٤. بِفِعل البُرستنتِ اِقتدوا باِجتِهادهم
لِقولِ رَسولِ اللَّه لو دخلوا جُحرا

١٠٥. أُولئكَ قَد ألغَوا زوائدَ دينهم
وَقد ضلّلوا في ذلكَ القسَّ والحَبرا

١٠٦. قَدِ اِجتَهدوا في دينِهم حينَما رأوا
مَجامِعَهم زادتهُ في نكرهِ نُكرا

١٠٧. وَمَهما يكُن عذرٌ لهم باِجتِهادهم
فَمُجتهدونا اليومَ قَد فَقدوا العُذرا

١٠٨. وَمَع كونِهم مثل البُرستنتِ فارَقوا
أَئمّتهم كلٌّ غَدا عالماً حبرا

١٠٩. فَقَد قلّدوا أهلَ المجامعِ منهمُ
بِمُؤتمرٍ للبحثِ في الدينِ في مصرا

١١٠. بهِ سننَ القومُ النَصارى تتبّعوا
عَلى الإثرِ لَم يَعدوا ذِراعاً ولا شبرا

١١١. فللَّه درُّ المُصطفى سيّدِ الوَرى
فَقَد طابَقَت أخبارهُ كلّها الخُبرا

١١٢. أَمِن بعدِ قول اللَّه أكملت دينكم
يُريدونَ في الإسلامِ أَن يُحدِثوا أمرا

١١٣. يَقولونَ لا نَرمي كِتاباً وسنّةً
وَنَتبعُ زَيداً في الديانةِ أو عمرا

١١٤. وَذلكَ حَقٌّ قصدُهم فيه باطلٌ
وخيرُ كلامٍ قَد أَرادوا به شرّا

١١٥. أَرادوا بهِ مِن جَهلِهم بِنفوسهم
لترفعَ دَعوى الإجتهادِ لهُم قَدرا

١١٦. فَصارَت جميعُ الناسِ ساخِرةً بهم
كَما يدّعي الحجّامُ سَلطنةً كبرى

١١٧. وَما أَخَذت كلُّ المذاهبِ عندنا
بِغيرِ كتابِ اللَّه والسنّةِ الغرّا

١١٨. أَئمّتُنا الأخيارُ قد شَرَحوهما
وَهُم بِكلامِ اللَّه وَالمُصطفى أدرى

١١٩. وَأَشقى الوَرى من ضلَّ في ليلِ غيّهِ
وَما قلّدَ الساري الّذي شاهدَ البَدرا

١٢٠. فَكلُّ دَعاوي الإجتهادِ نَردُّها
وَنَرمي بِها بَحراً ونَرمي بها برّا

١٢١. وَما يدّعيهِ اليومَ غيرُ حثالةٍ
بِأسفل حوضِ العلمِ كدّرتِ المجرى

١٢٢. قَدِ اِجتَهدوا في خذلِ دينِ مُحمّدٍ
وَإِن زَعَموا بِالإجتهادِ له نصرا

١٢٣. قَدِ اِجتَهدوا أَن لا تكاليفَ عندهم
فَصاروا إِباحيّينَ لا نهيَ لا أمرا

١٢٤. وَما العلمُ شرطُ الإجتهادِ ولا التُقى
لَديهم ولكِن كلُّ عبدٍ غدا حرّا

١٢٥. فَيفعلُ في الأحكامِ فعلَ دوابهِ
إِذا أُطلِقَت مِن دونِ قيدٍ إلى الصحرا

١٢٦. وَأَقوى شُروطِ الإِجتهادِ لَديهمُ
وَقاحةُ وَجهٍ حدّهُ يفلقُ الصَخرا

١٢٧. وَكَم ذا رَأَينا في الأُلى يدّعونه
تُيوساً وكَم ذا قَد رَأينا بهم حُمرا

١٢٨. نَعم جَهلُها جَهلٌ بسيطٌ وجهلهم
بِتركيبهِ قَد صارَ أَقواهُما ضرّا

١٢٩. وَقَد جاوَزوا أَطوارَهم ودوابهم
عَلى حالِها ما جاوَزَت مِثلَهُم طَورا

١٣٠. فَما قطُّ شاهَدنا حِماراً مُسابقاً
جَواداً وَتيساً صارعَ الليثَ وَالنِمرا

١٣١. وَهُم لو تعدّوا ألفَ طورٍ ومثلها
حُدوداً وأَطواراً لَما جاوزوا القعرا

١٣٢. يَقولونَ إنّا كالأئمّة كلّنا
رِجالٌ وما زادوا على أحدٍ ظفرا

١٣٣. لَقد أَخطؤوا أينَ الثريّا منَ الثرى
وَما لبغاثِ الطيرِ أن يشبه النَسرا

١٣٤. نَعَم مثلُهم وزناً بوزنٍ وصورةٍ
عَلى صورةٍ كالتربِ قد أشبه التِبرا

١٣٥. وَلَو ثمَّ مِرآةٌ يرونَ نُفوسهم
بَها لَرأوها بينَ أهل النُهى ذرّا

١٣٦. يَقولونَ أَغنانا كتابٌ وسنّةٌ
وَلَم يُبقيا فينا لِغَيرهما فَقرا

١٣٧. وَفي الألفِ مِنهم ليسَ يوجدُ حافظٌ
لِجزءِ حَديثٍ قلَّ أَو سورةٍ تُقرا

١٣٨. وَما قَرؤوهُ مِنهُما عَن جهالةٍ
فَلا فاهمٌ معنىً ولا عالمٌ سرّا

١٣٩. وَما نَهيا عنه وما أمَرا بهِ
فَلا سامِعٌ نهياً ولا طائعٌ أمرا

١٤٠. تَراهُم إباحيّين أو هُم نَظيرهم
إِذا كنتَ عَن أسرارهِم تكشفُ السِترا

١٤١. وَكلُّ اِمرئٍ لا يَستحي في جدالهِ
مِنَ الكذبِ وَالتلفيق مهما أَتى نُكرا

١٤٢. فَمَن قالَ صلّوا قال قائلهم له
يَجوزُ لَنا في البيتِ نَجمعُها قَصرا

١٤٣. وَإِن قيل لا تشرَب يقولُ شَرِبتها
بِقصدِ الشِفا أَو قالَ ليس اِسمُها خمرا

١٤٤. فَيجهرُ كُلٌّ بالمَعاصي مجادلاً
بِما نَفثَ الشيطانُ في قلبهِ سرّا

١٤٥. فَلا صامَ لا صلّى ولا حجّ لا حبى
فَقيراً وإِن أَودى به فقرهُ برّا

١٤٦. وَفي الألفِ منهم واحدٌ ربّما أتى
مَساجدَنا لَكِن إذا كانَ مُضطرّا

١٤٧. وَأَخبَرَني مَن لا أشكُّ بصدقهِ
بأَن قَد رَأى من بالَ منهم بلا اِستِبرا

١٤٨. وَلازمهُ حتّى أَتى بعدُ مَسجداً
فَصلّى وَلَم يُحدِث منَ الحدثِ الطُهرا

١٤٩. وَآخر منهُم قَد أقام صلاتهُ
بدونِ اِغتِسالٍ مَع جَنابتهِ الكُبرى

١٥٠. عَلى وجهِ كلٍّ من ظلامٍ علامةٌ
بهِ عرّفت مَن لم يكُن يعرفُ الأَمرا

١٥١. بِهِم غربةُ الدينِ اِستَبانت بِعَصرنا
فَيا قُبحَهم قَوماً ويا قبحهُ عصرا

١٥٢. يَقولونَ عصرُ النورِ فيهِ تنوّروا
وَلكنّهُ مِن نورةٍ تحلقُ الشَعرا

١٥٣. وَقَد حلَقت أَديانَهُم من قلوبهم
فَما تَرَكت مِن نورِ إِيمانهم إثرا

١٥٤. مَعادنُ سوءٍ يتّقي المرءُ شرّهم
يُجامِلُهم جَهراً ويلعَنُهم سرّا

١٥٥. وَيجلبُ مِغناطيسَ إِلحادهم لهم
منَ الناسِ لعناتٍ وإن لعَنوا الغَيرا

١٥٦. عُداةٌ لكلِّ المُؤمنينَ قُلوبهم
لَهُم مُلِئت حِقداً وإن أَظهَروا البِشرا

١٥٧. ذِئابٌ على الإسلامِ صالوا وَما اِكتفوا
بِأَنيابِهم حتّى بهِ أَنشَبوا الظفرا

١٥٨. مَقاريضُ أعراض بِأَلسنةٍ لهم
حِدادٍ بِها قَد أَشبهوا الجرذُ والفَأرا

١٥٩. لَهُم أَوجهٌ كالصخرِ مثل قلوبهم
وَلَكن بِها ماءُ الحَيا ما له مجرى

١٦٠. وَإِنّي وَإِن أحكُم لِظاهرِ حالِهم
بِإِسلامِهم بِالقولِ لا أكفلُ السرّا

١٦١. فَفي وَجهِ كلٍّ قَد بدا من ظلامهِ
دُخانٌ يُرينا أنّ في قلبهِ جَمرا

١٦٢. وَلَم أَجتَمِع واللَّه منهم بواحدٍ
وَذاكرتهُ إلّا وَددتُ لهُ القَبرا

١٦٣. وَلَم أَستَمِع دَعواهُ إلّا مقتّهُ
وَإلّا قرأتُ الحمقَ في وجههِ سطرا

١٦٤. وَلَم أرَ إلّا ناقصَ الدينِ والحِجا
بهِم فاسدَ الأفكارِ من أدبٍ صفرا

١٦٥. وَأَعداؤُهم مِن بَيننا كلُّ عالمٍ
وَلا سيّما إِن كانَ في فقههِ بَحرا

١٦٦. وَإِن كانَ مَشهورَ الوِلايةِ ضُمّنت
جَوانحُهم مِن بغضهِ الحصّة الكبرى

١٦٧. وَأَحبابهُم أهلُ الغِوايةِ مِثلهم
وَمَهما يكُن أَغوى يكُن عندَهم أحرى

١٦٨. مُناسبةٌ جرّت لكلِّ مُناسب
مُناسِبهُ إِن ساءَ ذلك أو سرّا

١٦٩. لَقد أَحرَزوا ما شانَ مِن كلّ بدعةٍ
وَما أَحرَزوا مِن فضلِ أصحابِها العشرا

١٧٠. جِبلّاتهُم بِالسوءِ قد جُبلت وهم
عَلى خُلقِ الأشرارِ قد فُطروا فطرا

١٧١. أُولئكَ أَنصارُ الضلالِ وحزبهُ
وَإِن قدّر الرَحمنُ مِنهم لنا نصرا

١٧٢. فَإيّاكَ أَن تغترّ مِنهم بفاجرٍ
وَإِن أنتَ قَد شاهدتَ مِن فعلهِ الخيرا

١٧٣. فَذلكَ شَيءٍ جاءَ ضدّ طِباعهم
وَقد فَعَلوا أَضعافَ أَضعافهِ شرّا

١٧٤. وَكَم أيّد الإسلامَ ربّي بفاجرٍ
فَنُهدي له لا الفاجر الحمدَ والشكرا

١٧٥. أَشدُّ منَ الكفّار فينا نكايةً
وَأَعظم مِنهم في دِيانتنا ضرّا

١٧٦. منَ الكفرِ ذو الإسلامِ يأخذ حذرهُ
وَمِن هؤلاءِ القومِ لا يأخذ الحِذرا

١٧٧. مُعاشِرُهم يَسري له من ضلالهم
مَفاسدُ تُرديه ويَحسَبُها خيرا

١٧٨. عَلى دينِنا ساقوا كتائبَ كتبهم
وَفي حَربهِ جاءَت جرائدُهم تترى

١٧٩. بِها فَتحوا للناسِ بابَ ضلالهم
بِها رَفعوا الدُنيا بها خفَضوا الأخرى

١٨٠. بِها خَلَطوا بالحقِّ باطلَ غيّهم
بِها مَزَجوا الإسلامَ بِالمللِ الأخرى

١٨١. لَقَد أخرَجوا في صورةِ النصحِ كذبها
بِبهرجةٍ غرّوا بها الجاهلَ الغِرّا

١٨٢. وَقَد دوّنوا فيها مَذاهبَ غيّهم
وَفي ضِمنها دسّوا الدسائسَ وَالمَكرا

١٨٣. فَصارَت لهُم كالأمّ أحكامُهم بها
مُدوّنةٌ لكنّها وَلدت شرّا

١٨٤. وَنِسبَتُهم عندَ الأئمّة مثلها
لَدى كُتبهم كالشهدِ قِست بهِ الصَبرا

١٨٥. فَيا أمّةَ الإسلامِ يا خير أمّةٍ
بِسبلِ الهُدى تَقفو أئمّتها الغرّا

١٨٦. عَليكُم بكتبِ الدين من كلّ مذهبٍ
وَمِنهم ومِن أقوالهم فاِلزَموا الحذرا

١٨٧. سَفينةُ دينِ اللَّه فيها نَجاتُكم
إِذا فارَ تنّور الفسادِ لكم فَورا

١٨٨. مَذاهِبُكم نعمَ الحصونُ لدينكم
فَلا تفتُروا عَنها ولا تبعُدوا فِترا

١٨٩. أَلا فاِحذَروا الأسدَ الضَواريَ مرّة
وَمِن هؤلاءِ المارقينَ اِحذَروا عَشرا

١٩٠. مَجاذيمُ مِن داءِ الضلالةِ كلُّهم
فَما أَحدٌ مِن دائهِ أبداً يبرا

١٩١. تَجارت بِهم أَهواؤُهم كالّذي جَرى
بِه كَلبٌ يعدي إِذا نهشَ الغَيرا

١٩٢. وَهُم كلَّ يَومٍ باِزديادٍ كأنّهم
أَبالِسةٌ بالحكِّ قَد ولّدَت أُخرى

١٩٣. وَكلّهمُ رِجسٌ ولَكن دُعاتُهم
نَجاسَتُهم جاءَت مغلّظةً كُبرى

١٩٤. فَلو غُسلوا في البحرِ وَالبحرُ طافحٌ
لَما أثّر البحرَ المُحيطُ بِهم طهرا

١٩٥. كَأسنانِ مشطٍ كلُّهم في ضَلالهم
فَلا أَحدٌ يُبدي على أَحدٍ فَخرا

١٩٦. وَلا تائبٌ مِنهم وهل ثمَّ توبةٌ
وَهُم لا يرَون الوِزرَ في نفسهِ وِزرا

١٩٧. فَقَد ملكَ الشيطانُ ملكاً مؤبّداً
نَواصيهم وَاللحمَ وَالعظمَ والشعرا

١٩٨. أُجاهِدهُم ما دمتُ حيّاً فإن أَمُت
تَركتُ لَهم جيشينِ نَظميَ والنثرا

١٩٩. وَلستُ أُبالي إِن أفُز بِجهادهم
إِذا فاتَني فَتحٌ لروميّة الكُبرى

٢٠٠. لَهُم شيخُ سوءٍ مِن بَني القِبطِ أصلهُ
بِسحنتهِ الشوهاءِ نسبتهُ تُقرا

٢٠١. عَلى قَلبهِ سادَ الهَوى فهو عبدهُ
وَقَد سكَنَ الشيطانُ مِن رأسهِ وَكرا

٢٠٢. أَبو مرّةٍ في مصرَ أحرزَ إِمرةً
فَصيّر عيشَ المسلمينَ بِها مرّا

٢٠٣. أَبو جهل هَذا العصرِ قَد صارَ مُفتياً
بِمصرَ فأحيا الجاهليّة في مِصرا

٢٠٤. كَنمرودَ لكن لا سلامَ لنارهِ
وَفي بحرهِ فِرعونُ لا يحسنُ العَبرا

٢٠٥. بهِ بلَغَ الشيطانُ في الدين قصدهُ
وَقَطّبَ وَجهَ الحقِّ والباطلُ اِفترّا

٢٠٦. جَريءٌ عَلى الفَتوى بحقٍّ وباطلٍ
بِحُكمِ الهَوى والجهلِ ما شاءُه أجرى

٢٠٧. وَليسَ بِعلمِ الفقهِ يلحقُ مُحضراً
وَإِن راحَ يَعدو خلفهُ أبداً حَضرا

٢٠٨. وَمَع جهلهِ في دينِنا وعلومهِ
يَرى نفسَهُ أَعلى أئمّتهِ قَدرا

٢٠٩. فُنونُ جُنونِ الجاهلينَ كثيرةٌ
وَأَقبَحُها قردٌ يَرى نفسهُ بَدرا

٢١٠. رَوى عَن جمالِ الدينِ أقبحَ ما روى
منَ العلمِ لَكن زادَ أضعافَهُ شرّا

٢١١. رَوى عَنهُ مِن علمِ الفلاسفِ قطرةً
فَصارَ بِها مِن ضعفهِ طافحاً سُكرا

٢١٢. وَراحَ بِدعوى الإجتهادِ مُعربداً
يَقيءُ ضَلالاً نجّسَ البرَّ وَالبَحرا

٢١٣. وَضَلّلَ أهلَ العلمِ مِن كلِّ مَذهبٍ
بِكلِّ زَمانٍ باِتّباعِهمُ الغَيرا

٢١٤. لِسانٌ لَهُ كالثورِ لفَّ نباتهُ
وَلكنّهُ بِالجهلِ قَد غلبَ الثورا

٢١٥. فَلَم يُرَ ثورٌ زاحمَ الأسدَ قبلهُ
وَلا حدأةً من قبلهِ زاحَمت نَسرا

٢١٦. تَولّعَ بِالدُنيا وصيّرَ دينهُ
إِليها عَلى ما فيهِ مِن خفّةٍ جِسرا

٢١٧. يَميناً إِذا كانَت يَميناً وإن تَكُن
يَساراً سَعى يعدو إِليها منَ اليُسرى

٢١٨. فمِن جهةٍ يُدعى الإمامَ ويقتدي
بِأعمالِ أهلِ الكُفرِ مِن جهة أُخرى

٢١٩. يَذمُّ خيارَ المسلمينَ وعندما
يَرى حاجَةً للكفرِ يَستحسنُ الكُفرا

٢٢٠. لِكَيما يقالَ الشيخُ حرٌّ ضميرهٌ
فَيبلغَ عندَ القومِ مَرتبةً كُبرى

٢٢١. وَما زالَ مَشهوداً على الدينِ شَرُّهُ
وَإِن زَعَم العُميانُ أنّ بهِ خَيرا

٢٢٢. لَئِن نَفَع الإسلامَ مِن دونِ قصدهِ
فَكم هوَ عَن قصدٍ به ألحقَ الضرّا

٢٢٣. خَبيثٌ حَكى أمَّ الخبائثِ إذ حوت
عَلى كِبَرٍ في الإثمِ مَنفعةً صغرى

٢٢٤. مَضرّاتهُ مثلُ الجبالِ وإنّما
مَنافعهُ في الدينِ أَشبهتِ الذرّا

٢٢٥. أَجلُّ شَياطينِ الضلالِ بعَصرهِ
وَأعظمُ أهلِ الزيغِ في مصرهِ خُسرا

٢٢٦. تَكاملَ قبحُ الذاتِ فيهِ وَإِن يَكُن
بِنسبةِ قُبحٍ في عقيدتهِ نَزرا

٢٢٧. تَدلُّ عَلى خافيهِ ظلمةُ وجههِ
وَأسرارُ قلبِ المَرء مِن وَجههِ تُقرا

٢٢٨. أَتى لبلادِ الشامِ أيّامَ نفيهِ
فَأنبتَ فيها مِن ضَلالتهِ بذرا

٢٢٩. بِها باضَ بيضاً كان إبليس حاضناً
لهُ فَسَعت أفراخهُ تتبعُ الإثرا

٢٣٠. وَعادَ إلى مصرٍ فأحدث مذهباً
وَلوّثَ مِن أقذارهِ ذلك القُطرا

٢٣١. وَأيّدَ أعداءَ البلاد بسعيهِ
وَأَوهمَ أَهلَ الجهلِ أَنّ بهِم خَيرا

٢٣٢. يُحسّنُ بينَ الناسِ قُبحَ فِعالهم
وَمَهما أَساؤوا راحَ يلتمسُ العُذرا

٢٣٣. بِمِقدارِ ما خانَ البلادَ وما أتى
لأعدائِها نُصحاً علا عندَهُم قدرا

٢٣٤. وَلَم يَقتَنِع منهُم بِدُنيا اِستفادها
وَلكنّهُ قَد شاركَ القومَ في الأخرى

٢٣٥. وَأَحدثَ بينَ المُسلمينَ نَظيرهم
بُرستنتَ صاروا مثلهُم فرقةً أخرى

٢٣٦. لَقَد قادَهم منهُ إلى رأي ملحدٍ
إِذا لَم يكُن كُفراً فقد قاربَ الكفرا

٢٣٧. وَنالَ بِجاهِ القومِ في الناسِ رُتبةً
بِها حازَ فيمَن شاءَه النفعَ والضرّا

٢٣٨. فَأَصلى رِجالَ العلمِ من كلِّ مذهبٍ
بِنارِ فسادٍ منهُ قَد قذَفت جَمرا

٢٣٩. فَمِن رَهبةٍ أَو رَغبةٍ كَم سعى له
طَغامٌ من الجهّالِ أَكسبهم خُسرا

٢٤٠. وَأَلقى لَهُم دَرساً يخالفُ حكمهُ
بِأزهرِها المعمورِ دينَ أبي الزهرا

٢٤١. وَقَد ضلَّ في القرآنِ مع عظم نورهِ
كَما خَبَطت عَشواءُ في الليلةِ القَمرا

٢٤٢. فَتفسيرهُ مِن رأيهِ ليس خالياً
فَإمّا يُرى فِسقاً وإما يرى كفرا

٢٤٣. أُحذّرُ كلَّ الناسِ من كتب دينهِ
وَبالردِّ وَالإعراضِ تَفسيره أَحرى

٢٤٤. وَساوِسُ أَوحَتها إليهِ أبالسٌ
بِها يجِدُ المُرّاقُ إن عُذِلوا عُذرا

٢٤٥. عَقيدتهُ في قبحِها مثلُ وجههِ
تُشاهدُ في مِرآةِ ملّتنا الغرّا

٢٤٦. وَأَقوالهُ مثلُ السرابِ بقيعةٍ
بِظاهِرها قَد تخدعُ الجاهلَ الغِرّا

٢٤٧. مَحاسنُ أَلفاظٍ لهُ قَد تَزخرفت
تغُرُّ اِمرءاً لا يعرف الخير والشرّا

٢٤٨. بهِ بَرَزَت حسناء في شرّ مَنبتٍ
كَما نَبتَت في الدمنةِ البقلةُ الخضرا

٢٤٩. يَرى لِذوي الإلحادِ فَضلاً وأينَما
رَأى ذا اِبتداعٍ راحَ يمنحُهُ شُكرا

٢٥٠. يَرى لِفتى تيميّةٍ باِبتداعهِ
وَزلّاتهِ في الدين مَنقبةً كبرى

٢٥١. وَلكنّهُ لَم يتّبعه بزهدهِ
وَأقوالهِ الحسنا وخيراته الأخرى

٢٥٢. وَيمدحُ وهّابيّةً لمسائلٍ
بِها قَد أَتوا نكراً وضلّوا بها فكرا

٢٥٣. وَيَفعلُ أَفعالاً إِذا عُرِضَت على
أُولئكَ عدّوها بمذهبهم كفرا

٢٥٤. يُعاشرُ نِسوانَ النَصارى ولا يرى
بِذلكَ مِن بأسٍ وإن كشفَ السِترا

٢٥٥. وَيأكلُ منهم كلّ ما يأكلونهُ
وَيشربُها حَمراءَ إِن شاء أو صفرا

٢٥٦. وَيُفتي بحلِّ المُسكِرات جَميعها
إِذا هيَ بالأسماءِ خالفتِ الخمرا

٢٥٧. وَيأكلُ مَخنوقاً ويُفتي بحلّه
لِئلّا يقولوا إنّه اِرتكبَ الوِزرا

٢٥٨. وَتحليلهُ لبسَ البرانيط والرِبا
بهِ بعضُ أهلِ العلمِ قَد ألحقَ الكُفرا

٢٥٩. وَكَم زارَ باريزاً ولُندرةً ولم
يَزُر مكّةً يَوماً ولا طيبةَ الغرّا

٢٦٠. وَإِن كانَ يَوماً للرِياء مُصلّياً
يُرى فاعِلاً يوماً وتارِكها شهرا

٢٦١. وَكَم مِن إِمامٍ كاِبن حنبل مُلحقٍ
بتارك فرضٍ مِن فرائضها كفرا

٢٦٢. وَبالفسقِ قالَ الشافعيّ ومالكٌ
ومِن أجلِ فرضٍ أوجَبا قتلهُ زَجرا

٢٦٣. وَمثلَهُما النعمانُ قال بفسقهِ
بِلا قتلهِ لكنّه يحبسُ الدَهرا

٢٦٤. فَقَد عاشَ إمّا واجب الحبسِ عمرهُ
وإمّا غدا بينَ الورى دمهُ هَدرا

٢٦٥. فَمَن قالَ كالكلبِ العقور فصادقٌ
سِوى أنّهُ في الدينِ قَد فعَل العَقرا

٢٦٦. وَقَد كنتُ في لبنانَ يوماً صَحِبتهُ
لقربِ غروبِ الشمسِ من ضحوةٍ كبرى

٢٦٧. وَصَلّيتُ فرضَ الظهرِ والعصر بعدهُ
لديهِ وَما صلّى هوَ الظهرَ والعصرا

٢٦٨. وَكان صحيحَ الجسمِ لا عذر عندهُ
بَلى إنّ ضعفَ الدينِ كانَ لهُ عُذرا

٢٦٩. وَمَع كلِّ هذا فهوَ أُستاذُ عصرهِ
فَأُفٍّ لهُ شَيخاً وأُفٍّ له عصرا

٢٧٠. وَقبلَ غروبِ الشمسِ صاحبتُ شيخهُ
لِقربِ العشا أيّامَ جاورتُ في مِصرا

٢٧١. وَلَم أرهُ أدّى فريضةَ مغرب
فَقاطعتُ شيخَ السوءِ من أجلها الدهرا

٢٧٢. رَمَى اللَّه كلّاً منهُما بِلِسانهِ
بِداءٍ فَذاقا الموتَ في قطعهِ مرّا

٢٧٣. وَذاكَ أبو الآفاتِ كَم ذا هَجا بهِ
وَليّاً وكَم في الدينِ قَد نطقَ الهجرا

٢٧٤. كَأُستاذهِ في الدين حازَ مساوياً
إِذا مُزِجت بالبحرِ أفسدتِ البحرا

٢٧٥. وَزادَ عليهِ قوّةً وَضلالةً
فَولّد في الإلحادِ في عُشرِه عَشرا

٢٧٦. وَكَم مِن تَلاميذٍ له كلُّ واحدٍ
هوَ الشيخُ إلّا أنّه نسخةٌ أخرى

٢٧٧. قَدِ اِعتَقدوا كلَّ المَساوي محاسناً
لهُ وَرأوا تلكَ الشرورَ به خيرا

٢٧٨. بهِ نالَهم كالسامريّة فتنةٌ
ولكِن محلّ العجلِ قَد عَبَدوا الثورا

٢٧٩. حَكى الحسنُ ابن الأسطوانيّ وهو من
بدورِ الهُدى في الشامِ أكرِم به بدرا

٢٨٠. حَكى أنّه مِن بعدما ماتَ عبدهُ
رَأى عينهُ في النَوم مطموسةً عورا

٢٨١. فَأوّلتُ أنّ الشيخَ دجّال عصرهِ
وَما زالَ دجّالاً وإِن سكنَ القبرا

٢٨٢. فَقَد ماتَ لكن أحيتِ الدجل كتبهُ
وَورّثَ كلّاً مِن تَلاميذهِ قدرا

٢٨٣. مَراتِبُهم في إرثهِ قَد تَفاوتت
فَذو حصّةٍ صُغرى وذو حصّةٍ كبرى

٢٨٤. وَمِن حيثُ أصل الدجلِ أكفاءُ بعضهم
فَلا واحدٌ يُبدي على واحدٍ فخرا

٢٨٥. وَهُم كلُّهم والشيخُ أيضاً وشيخهُ
إِلى الأعورِ الدجّال نِسبتُهم تُدرى

٢٨٦. وَلَولا حديثُ المُصطفى لأسامةٍ
يقولُ بهِ هَلّا شَققتَ لهُ الصدرا

٢٨٧. لَما صحّتِ الدَعوى بإسلام بعضهم
لديَّ وما اِستبعدتُ عَن بَعضِهم كفرا

٢٨٨. وَكنتُ كتبتُ الكافَ والفاءَ بعدها
على جَبَهاتِ القومِ كَي يَعرِفوا والرّا

٢٨٩. كَما جاءَ في الدجّال يكتبُ لَفظها
فَيقرأُ مَن يَقرا ومن لم يكن يقرا

٢٩٠. فَقَد أشبهوهُ في معانٍ كثيرةٍ
منَ الدجلِ والإلحادِ والبدع الأخرى

٢٩١. وَما الفرقُ إلّا أنّهم في قلوبهم
عَماهم ودجّالُ الورى عينهُ عورا

٢٩٢. مُقدّمةٌ للجيشِ عنهُ تقدّموا
وَجندٌ لهُ من قبلهِ مهّدوا الأمرا

٢٩٣. تَقدّمَ فيهم نائباً عنه عبدهُ
فَأغوى الّذي أَغوى وأغرى الّذي أغرى

٢٩٤. فَويلٌ لهُ ويلٌ لمن يتّبعونهُ
وَمَن كانَ مِن أعدائِهم فله البُشرى

٢٩٥. وَأمّا رشيد ذو المنارِ فإنّهُ
أَقلّهمُ عَقلاً وأكثرهم شرّا

٢٩٦. أَتاني ببيروتٍ بشرخٍ شبابهِ
بِمُقلتهِ السودا ووجنتهِ الحمرا

٢٩٧. لَه لحيةٌ مقصوصةٌ من جذورها
تُترجِمُ عنهُ أنّ في نفسهِ أمرا

٢٩٨. وَكانَ وليُّ الأمرِ عنديَ جالساً
نُصوحي جزاهُ اللَّه عن نصحهِ خيرا

٢٩٩. فَوبّخهُ مُستقبحاً ما أتى بهِ
وَأَبدى لهُ مِن سخطهِ النظرَ الشزرا

٣٠٠. وَقد غابَ عنّي خمسَ عشرة حجّةً
وَعادَ ولَم يَزدَد شعوراً ولا شعرا

٣٠١. وَشاهدتُ منهُ الوجهَ أغبر مظلماً
كأنَّ عليهِ مِن ضلالتهِ سِترا

٣٠٢. وَذلكَ مع ما فيهِ أهون أمرهِ
إِذا ما بهِ قيسَت فظائعهُ الأخرى

٣٠٣. وَأفعالهُ تُبدي قبيحَ ضلالهِ
وَتكشفُ عَن مكنونِ إِلحادهِ السِترا

٣٠٤. وَأطوارهُ في حُكمها قَد تَناقضت
بِحكمِ هواهُ كلّ وقتٍ ترى طورا

٣٠٥. فَكَم ذا أرادَ النصبَ في درس جامعٍ
فَأولاهُ أربابُ التُقى الخفضَ والجرّا

٣٠٦. وَكم قامَ يَتلو في الكنيسة خطبةً
بِها نابَ عن قسٍّ وعانقهُ جَهرا

٣٠٧. وَكَم قامَ في وسطِ المجامعِ خاطباً
وَقد مَزج الإيمانَ بالخلطِ والكفرا

٣٠٨. لهُ كجمالِ الدينِ نسبة كاذبٍ
بِها زادَ في طُنبوره نغمةً أخرى

٣٠٩. وَقَد سَمِعَت أُذنايَ قول اِبن عمّه
مُجيباً بأن لا نِسبة لهمُ تُدرى

٣١٠. وَكيفَ يكونُ اِبن النبيِّ عدوَّهُ
فَأعظِم به زوراً وأعظم به وزرا

٣١١. وَهذا منارُ السوءِ مرآة مجدهِ
وَقَد أظهرَت في موضعِ الشرفِ الشرّا

٣١٢. أَتى مصرَ مَطروداً وقد خانَ دينهُ
وَدولتهُ يا لهفَ قلبي على مِصرا

٣١٣. أَتاها وَقَد مصّ الثَرى في بلادهِ
منَ الجوعِ لا بِرّاً حواهُ ولا بُرّا

٣١٤. فَآواهُ في أكنافهِ الشيخ عبدهُ
وَأشبعهُ خبراً وأشبعه خسرا

٣١٥. وعلّمهُ مِن علمهِ شرّ صنعةٍ
بِها ربِحَ الدُنيا وقد خسر الأخرى

٣١٦. وَهذا منارُ السوءِ أسّسه له
وَلقّنهُ التضليلَ سطراً تلا سطرا

٣١٧. فَدامَ على ما أسّسَ الشيخ ثابتاً
وكَم فوقهُ قَد شادَ مِن بدَعٍ قصرا

٣١٨. وَلَم تخلُ منهُ نسخةٌ من ضَلالةٍ
عَلى لعنهِ تُغري الوَرى كلَّما تُقرا

٣١٩. وَواللَّه إنّي في المنامِ رأيتهُ
بَدا حبشيَّ اللونِ أَسودَ مُغبرّا

٣٢٠. رَأيتُ سَوادَ اللونِ قَد عمّ وجههُ
وَعَهدي بهِ مِن قبلُ أبيضَ مُحمرّا

٣٢١. وَأَدركتُ في رُؤياي أنّ منارهُ
عليهِ غَدا ناراً ونالَ به الخُسرا

٣٢٢. فَذاكَ الّذي من أجلهِ اِسودّ وجههُ
فَأصبحَ فَحماً كانَ مِن قبله جمرا

٣٢٣. غَدا ناشِراً فيهِ ضلالات شيخهِ
كَما نَشَر الزرّاعُ في أرضهِ البَعرا

٣٢٤. فَغذّى بِهاتيكَ النجاسات مَعشراً
بِدون عقولٍ خمّنوا بعرَها تمرا

٣٢٥. وَلفّقه من كلِّ بدعة مارقٍ
منَ الدين لا يَدري الصوابَ ولا يُدرى

٣٢٦. وَكَم ضلَّ رَأياً مِن سَقامةِ فهمهِ
بِأمرٍ صحيحٍ مِن شَريعتنا الغرّا

٣٢٧. وَلَو سألَ الأشياخَ أدرك سرّه
وَلكنّه مع جهلهِ قَد حَوى كِبرا

٣٢٨. وَمِنه حديثُ الشمسِ بعدَ غُروبها
فَتسجدُ تحتَ العرشِ تَستأذنُ السيرا

٣٢٩. بِآخرِ شهرِ الصومِ من عام سبعةٍ
وَعشرينَ قد أَبدى المنارُ له ذِكرا

٣٣٠. رَواهُ الإمامانِ البخاري ومسلمٌ
فَصِحّتهُ كالشمسِ قَد طَلَعت ظُهرا

٣٣١. وَما شكَّ في صدقِ الحديثِ وإنّما
رَأى خبَر المُختارِ ما طابقَ الخُبرا

٣٣٢. وَصَرّح فيهِ أنّه غير واقعٍ
وَأنّ رَسولَ اللَّه لم يعرفِ الأمرا

٣٣٣. فَهل بعدَ ذا التكذيبِ يحتاجُ كفرهُ
لإثباتهِ بينَ الوَرى حجّةً أخرى

٣٣٤. وَفي جزءِ شَعبانٍ من العامِ نفسهِ
بِبيروت للإسلامِ قد جوّزَ الكفرا

٣٣٥. أَباحَ لهُم أَن يعبدوا بكنيسةٍ
عِبادةَ أَهليها بمدرسةٍ كبرى

٣٣٦. وَقلّدهُ مَن لَم يُبالوا بدينهم
لِكَيما يقولَ الناسُ إنّ لهم عذرا

٣٣٧. وَلا عذرَ للأبناءِ عندَ بُلوغهم
وَآبائِهم مع شيخهم كَفروا طرّا

٣٣٨. وَمَن قلّدَ الشيطانَ في أمر دينهِ
يَنالُ بهِ مِن دينهِ الخزيَ والخُسرا

٣٣٩. فَتاويهِ في الأحكامِ طوعُ اِختيارهِ
تَصرّفَ كالملّاكِ في دينهِ حرّا

٣٤٠. فَيحظرُ شَيئاً كان بالأمسِ واجباً
وَيوجبُ شَيئاً كانَ في أمسهِ حظرا

٣٤١. فَتحريمهُ تَحليله باِشتهائهِ
بأَهوائه أحكامُهُ دائماً تطرا

٣٤٢. وَمذهبهُ لا مذهبٌ غير أنّه
يُجادلُ عَن أهوائِه الشهرَ والدَهرا

٣٤٣. يُجادلُ أهلَ العلمِ بالجهل مملياً
عَلى فكرهِ إبليسهُ كلّ ما أجرى

٣٤٤. وَيَبقى على ما قَد جَرى من كلامهِ
مُصرّاً ولَو أَجرى بألفاظهِ كُفرا

٣٤٥. فَهَل بعدَ هذا الزيغِ يعتبُ مُسلمٌ
إِذا خاضَ مِن أَوصاف تَضليلهِ بَحرا

٣٤٦. فَيا أمّةَ الهادي لَقد طالَ صَبركم
عَلى فاجر بالدينِ والمُصطفى أزرى

٣٤٧. وَيا أهلَ مصرٍ كيف صارَ عدوّهُ
يُكذّبهُ ما بينَ أظهركم جهرا

٣٤٨. وَعَهدي بكُم لِلدين أُسداً فما الّذي
لَكُم قَد جَرى حتّى تهيّبتمُ الهرّا

٣٤٩. أَلا غَيرةٌ كالشامِ أَشكرُكم بها
فَلَستُ أؤدّي ما حييتُ لَها شُكرا

٣٥٠. أَتاها وقَد عمّ الورى نارُ فتنةٍ
عَلى ملّةِ الإسلامِ قَد زَفَرت زَفرا

٣٥١. وَأعظِم بِها ناراً بِها قَد تقطّعت
سَلاسِلهُ مِن بعدِ تَقييدهِ دَهرا

٣٥٢. طَرابلُسٌ مِن غَيظها بسَمت له
كَما أظهرَ الضِرغامُ من غيظهِ البشرا

٣٥٣. وَقَد بَرقت كالسيفِ أرجاؤُها له
فَجاءتهُ بعدَ البرقِ صاعقةٌ كُبرى

٣٥٤. وَساقَ لهُ الفاروقُ مِن نسلِ بنتهِ
مُقدّمَ قَومٍ كادَ يُسكنهُ القَبرا

٣٥٥. عَلى رأسهِ اِنصبّت عَصاهُ كأنّها
قَناةٌ لهُ شقَّت وأَجرت بهِ نَهرا

٣٥٦. عَليهِ سَطا كالليثِ شتّت جمعهُ
ففرّوا جَميعاً عنهُ إِذ سَمِعوا الزَأرا

٣٥٧. وَأدماهُ منهُ فتكةٌ عُمريّةٌ
أَراد بِها ذاكَ الهزبرُ لهُ زَجرا

٣٥٨. أَرادَ بِها إرغامهُ لا حمامهُ
كَما أرغمَ الليثُ الغضنفرُ سِنّورا

٣٥٩. أَرادَ بها إيقاظهُ من سباتهِ
وَكانَ بِخمرِ العُجبِ مُمتلكاً سكرا

٣٦٠. أَرادَ بِها تَحذيرهُ من ضلالهِ
فَكانَت لهُ مِن عُظمِ شِقوتهِ إِغرا

٣٦١. وَجاءَ دمشقَ الشام مِن بعدُ يَبتغي
دِراسة شَوكٍ قد توهّمه بُرّا

٣٦٢. أَتى المسجِدَ المَعمورَ ينشرُ فرثهُ
وَقَد طبّقَ الأرجاءَ مِن أرضِهِ جَأرا

٣٦٣. فَلمّا عَلا في السامِعينَ جؤارهُ
وَشاهدَ أُسدَ الدين هاجَت بهِ فرّا

٣٦٤. وَكانَ بِها مِن تونس الغربِ صالحٌ
شَريفٌ فلمّا فاهَ أَلقمهُ فِهرا

٣٦٥. مَحا ظلماتِ الغيِّ نور بيانهِ
وَأَخمدَ مِن نيرانِ إِلحادهِ الجمرا

٣٦٦. رَماهُ بِسهمٍ من كنانة علمهِ
فَخارَ وَمِن أَعلى منصّته خرّا

٣٦٧. وَأولاهُ مِن آل الخطيبِ خطيبهم
فَتى العلمِ عبدُ القادر الصدمةَ الأخرى

٣٦٨. لَهُ سلّ مِن أفكارهِ خير صارمٍ
وَقبلَ ظُهورِ الفتكِ ولّى له الظهرا

٣٦٩. كَذا فلتَكُن ساداتُنا آل هاشمٍ
كَذا فَلتَكُن أبناءُ فاطمةَ الزهرا

٣٧٠. أُولئكَ أَبناءُ النبيّ وإنّهم
لَأولى الوَرى أن ينصروا دينه نصرا

٣٧١. بِهم قَد تَذكّرنا عليّاً وحمزةً
بِغزوةِ بدرٍ لا عَدِمنا بهم بدرا

٣٧٢. وَلَم يحتجِ الشيخانِ في الدرس ناصراً
عَلى كثرةِ الأنصارِ للسنّةِ الغرّا

٣٧٣. وَمِن بعدِها كَم شهبِ حقٍّ تساقطت
عَلى ذلكَ الشيطانِ أَلقَت بهِ البَحرا

٣٧٤. جَزى اللَّهُ أهلَ الشامِ خير جزائهِ
وَتابَ على مَن تابعوا ذلكَ العيرا

٣٧٥. وَجاءَ إِلى حمصٍ فخابَ وأرسلت
إِليه حماةٌ إِن أتى أرضَها النذرا

٣٧٦. فَعادَ إِلى مثواهُ في قلمونهِ
وَمِن خوفهِ كالضبِّ قَد لزمَ الجُحرا

٣٧٧. فَكانَت له في عمرهِ شرّ رحلةٍ
بِها بينَ تجّارِ الهُدى ربحَ الخُسرا

٣٧٨. وَعادَ إِلى مصرٍ من الشامِ هارِباً
يُنفِّضُ عن أعطافهِ الموت والذعرا

٣٧٩. وَلَو كانَ ذا عقلٍ لكانَ عقاله
وَلا سيّما مِن بعد أَن شاهد العقرا

٣٨٠. وَلكنّهُ لا يَستحي من ضلالةٍ
وَمَهما تكُن عاراً يراها له فخرا

٣٨١. وَينشرُها بينَ الوَرى مُتبجّحاً
كَما شمّ من أَرجاسهِ الجعلُ العِطرا

٣٨٢. وَقَد كانَ في شيخيهِ أعظمُ زاجرٍ
لَدى الموتِ لو شاءَ الإلهُ له زجرا

٣٨٣. وَمِن نحوِ عامٍ جاءَني فنصحتهُ
كَما تنصحُ الثعبانَ أو تنصحُ الفأرا

٣٨٤. وَذاكرتهُ في شيخهِ وهو عبدهُ
تملّكهُ الشيطانُ عن قومهِ قسرا

٣٨٥. فَقلتُ له لو كاِبن سينا زَعمتمُ
وَعالم فارابٍ وأرفعهم قدرا

٣٨٦. لَقُلنا لكم حقّاً وإن كان باطلاً
وَلَم نرَ مِن هذا على ديننا ضرّا

٣٨٧. وَلكنّكم مع تركهِ الحجّ مرّةً
وَحجّ لِباريزٍ ولندرةٍ عشرا

٣٨٨. وَمَع تركهِ فرضَ الصلاةِ ولم يكن
يسرُّ بِذا بَل كانَ يَترُكها جهرا

٣٨٩. وَمع كونهِ شيخَ المسون مجاهراً
بِذلك لا يُخفي أخوّتهم سرّا

٣٩٠. وَمع غيرِ هذا من ضلالاتهِ الّتي
بِها سارَ مثلَ السهمِ للجهةِ الأخرى

٣٩١. تَقولونَ أُستاذٌ إمامٌ لديننا
فَما أكذبَ الدعوى وما أقبحَ الأمرا

٣٩٢. وَنحنُ نراهُ عِندَنا شرّ فاسقٍ
فَيقتلُ فِسقاً بالشريعةِ أو كفرا

٣٩٣. رَضينا بحُكم اللَّه فينا وفيكم
وَحكمِ رسولِ اللَّه والشرعةِ الغرّا

٣٩٤. تَعالوا نُباهلكم فنلعن مَن غدا
بِنا وبكُم أولى بلعنتهِ أحرى

٣٩٥. فَيا ربّنا اِلعن شرّنا وأضرّنا
بِتحكيمهِ في الدينِ مع جهلهِ الفكرا

٣٩٦. وَخُصَّ رَشيداً ذا المنار وشيخهُ
وَشيخَهما إن شئتَ بالحصصِ الكبرى

٣٩٧. ثَلاث أثافٍ تحتَها نار فتنةٍ
وَمِن فوقها الإلحادُ صارَ لها قدرا

٣٩٨. وَقَد دَخلوا حزبَ المسونِ بهمّةٍ
بِها حلّ كلٌّ من محافلهِ الصدرا

٣٩٩. وَمَذهبُهم حكمُ الدياناتِ واحدٌ
تَساوى بهِ الإسلامُ والمللُ الأخرى

٤٠٠. فَلو ثمَّ دينٌ لَم يجوّز دخولهم
وَلكنّه مِن قبلِ ذلك قد فرّا

٤٠١. مَضى اِثنان للأُخرى بأسوأِ عبرةٍ
وَمُقلة إبليسٍ لموتِهما عَبرى

٤٠٢. وَثالثهم ما زالَ مع شرِّ عصبةٍ
على ملّةِ الإسلامِ آفاتُهم تَترى

٤٠٣. فَمَن ماتَ منهم ماتَ أقبحَ ميتةٍ
فَلا رحمَ الرحمنُ سحنتهُ الغبرا

٤٠٤. وَمَن عاشَ مِنهم عاش نحو جهنّمٍ
يحثُّ على آثارِ أشياخهِ السَيرا

٤٠٥. فَيا ربِّ أَصلِحهم وإن لم ترد لهم
صَلاحاً فلا تنجِح إِلهي لهم أَمرا

٤٠٦. وَأعجبُ شيءٍ مُسلمٌ في حسابهِ
غَدا قلبهُ مِن حبِّ خيرِ الوَرى صفرا

٤٠٧. أُولئكَ وهّابيّةٌ ضلّ سَعيهم
فَظنّوا الرَدى خيراً وظنّوا الهدى شرّا

٤٠٨. ضِعافُ النُهى أعرابُ نجدٍ جدودهم
وَقَد أَورَثوهم عنهمُ الزورَ والوِزرا

٤٠٩. مُسيلمةُ الجدُّ الكبير وعرسهُ
سَجاحٌ لكلٍّ منهمُ الجدّةُ الكبرى

٤١٠. إِلى اللَّه بِالمُختارِ لَم يتوسّلوا
لأنّ لكُلٍّ عندَ خالقهِ قَدرا

٤١١. فَقَد وَرِثوا الكذّابَ إِذ كان يدّعي
بأنَّ لهُ شَطراً وللمُصطفى شطرا

٤١٢. أَشار رسولُ اللَّه للشرقِ ذمّهُ
وَهُم أهلهُ لا غروَ أَن أطلعَ الشرّا

٤١٣. بهِ يطلعُ الشيطانُ ينطح قرنهُ
رُؤوسَ الهُدى واللَّهُ يَكسرهُ كسرا

٤١٤. فَكَم طَعَنوا بالأشعريِّ إِمامنا
وَبالمُاتُريدي الحبر أكرِم بهِ حبرا

٤١٥. بِتحقيرِ أحبابِ الإله تقرّبوا
إِليهِ فَنالوا البُعدَ إذ رَبِحوا الخُسرا

٤١٦. وَيَعتقدونَ الأنبياءَ كَغيرِهم
سَواءً عقيبَ الموتِ لا خيرَ لا شرّا

٤١٧. وَقَد عَذروا مَن يَستغيثُ بكافرٍ
وَما وَجَدوا لِلمُستغيثِ بهم عذرا

٤١٨. وَكَم رَحلوا لِلشركِ في دار رجسهِ
وَجابوا إلى أَوطانهِ البرَّ وَالبَحرا

٤١٩. وَما جوّزوا لِلمُسلمين رَحيلهم
لِزورةِ خير الخلقِ في طيبة الغرّا

٤٢٠. رَمَوا بضلالِ الشركِ كلّ موحّدٍ
إِذا لَم يكُن مِنهم عقيدتهُ بَترا

٤٢١. وَهُم باِعتقادِ الشركِ أَولى لقَصرهم
على جِهةٍ للعلوِ خالِقنا قصرا

٤٢٢. هو اللَّه ربُّ الكلّ جلّ جلالهُ
فَما جِهةٌ باللَّه مِن جهةٍ أحرى

٤٢٣. تأمّل تَجد هَذي العوالم كلّها
بِنسبةِ وسع اللَّه كالذرّة الصغرى

٤٢٤. فَحينئذٍ أينَ الجهات الّتي بها
عَلى اللَّه مِن حُمقٍ بِهم حكَّموا الفِكرا

٤٢٥. وإنّ اِختلافاً للجهاتِ محقّقٌ
فَكَم ذا منَ الأقطار قطرٌ علا قطرا

٤٢٦. وَكلُّ علوٍّ فهو سفلٌ وعكسهُ
وَقُل نحوَ هَذا في اليمين وفي اليسرى

٤٢٧. فَمَن قالَ عُلوٌ كلّها فهوَ صادقٌ
وَذلكَ قَد يَقضي بِآلهةٍ أخرى

٤٢٨. وَمَن قالَ سفلٌ كلُّها فهوَ صادقٌ
فَليسَ لهُم رَبٌّ على هذه يُدرى

٤٢٩. فَمَن يا تُرى بالشركِ أَولى اِعتقادُهم
أُولئكَ أَو أصحابُ سنّتنا الغرّا

٤٣٠. حَنابلةٌ لكنّ مَذهبَ أحمدٍ
إمامَ الهُدى من كلِّ ما أحدَثوا يبرا

٤٣١. وَقد عمَّ في هذا الزمانِ فَسادُهم
فَما تَركوا شاماً وما ترَكوا مصرا

٤٣٢. وَلَم ينفرِد شذّاذُ مذهبِ أحمدٍ
فَقَد ضَلّ قَومٌ من مذاهِبنا الأخرى

٤٣٣. كَشُكري الألوسي تابعاً إثر جدّهِ
وَأَعمامهِ لكنّهم آثَروا السترا

٤٣٤. إِلى أَن رَمى مجنونُهم برجيعهِ
عَلى الناسِ في تأليفهِ ذلكَ السِفرا

٤٣٥. وَما وَصلَت أرجاسهُ غير قومهِ
بهِ وَبِهم أَرجاسهُ حُصِرت حَصرا

٤٣٦. وَمَهما أَبانوا عذرَهُم بجنونهِ
نُصدّقُهم فيهِ ولا نقبلُ العُذرا

٤٣٧. فَكانَ علَيهم قيدهُ بسلاسلٍ
وَأَن يحجروهُ عَن فظائعهِ حجرا

٤٣٨. فَمَن أطلقَ الكلبَ العقورَ فإنّه
هو المُخطِئ الجاني الّذي فعَلَ العَقرا

٤٣٩. أَتى بكتابِ الشتمِ لا العلم داعياً
إِلى لعنهِ بينَ الوَرى كلَّ مَن يَقرا

٤٤٠. عدوُّ رَسولِ اللَّه أرضى عُداتَهُ
وَمنّي ومِن أحبابهِ أوغرَ الصدرا

٤٤١. وَمِن حمقهِ أَو كفرِه قال إنّه
إِلهي وقَد أكثرتُ في مدحهِ الشعرا

٤٤٢. وَلَو حلَّ مَدحي للنبيّ بسفرهِ
لَلوّثهُ تبّاً لهُ وله سِفرا

٤٤٣. وَمَع شحنِه مِن نظمِ كلّ مجازفٍ
بِشِعرٍ إِذا حقّقته تلقهُ بَعرا

٤٤٤. فَمِن مدحِ خيرِ الخلق ما راح مُنشئاً
وَلا منشداً بيتاً ولا منشداً شطرا

٤٤٥. بإِقرارهِ كم صغتُ فيه قصيدةً
وَنوّعتُ في أمداحه النظم والنثرا

٤٤٦. وَألّفتُ في فضلِ اِستغاثتنا به
أجلَّ كتابٍ لم يَدع للسوى عُذرا

٤٤٧. شَواهدُ حقٍّ أطلعت في سطورها
بدورَ عُلومٍ كلُّ سَطرٍ حَوى بدرا

٤٤٨. فَكانَت لأرواحِ المُحبّينَ جنّةً
وَكانَت عَلى أعداءِ خيرِ الورى جمرا

٤٤٩. وَلامَت لمنعِ الإِستغاثة جدّهُ
وَمِن عمّه نعمان أنكرت النكرا

٤٥٠. فَلو خصّني بالشتمِ مع عظم جرمهِ
لَما لمتهُ لكنّهُ عمّم الشرّا

٤٥١. فَذَمّ هداةَ الدين مِن كلّ مذهبٍ
وَأَعطى لكلٍّ مِن سَفاهتهِ قدرا

٤٥٢. غَدا لِفَتى تيميّةٍ أيّ ناصرٍ
فَهلّا اِستحقّ المُصطفى عندهُ النصرا

٤٥٣. وَهلّا عَفا عنّا لِذنبٍ بزعمهِ
لِخدمتنا روح الوجودِ أبا الزهرا

٤٥٤. فَلَو كانَ مِن نسلِ المجوس عذرتهُ
وَقلتُ اِمرؤٌ يبغي لأجدادهِ ثأرا

٤٥٥. وَلكن نراهُ يدّعي خيرَ نِسبةٍ
وَأمُّ الفَتى منهُ بِنسبتهِ أدرى

٤٥٦. فَمَن ذا رأى في الناسِ شَخصاً موالياً
لِقومٍ يرَونَ الحبَّ في جدّهِ كُفرا

٤٥٧. وَمَن ذا رأى في الناسِ شَخصاً مُعادياً
فَتىً بمعالي جدّهِ أنفقَ العمرا

٤٥٨. إِذن نحنُ في شكٍّ منَ النسَبِ الّذي
يقولُ وفيه الشكُّ نَحصرهُ حصرا

٤٥٩. وَبعدُ فذيّاكَ الكتابُ يدلّنا
عَلى جهلهِ طَوراً على غيّه طورا

٤٦٠. كتابٌ عليهِ اللّعنُ مِن كلِّ سامعٍ
وَصاحبهِ أَيضاً غَدا ماطِراً مطرا

٤٦١. وَكثّرَ فيهِ النقلَ من دون حاجةٍ
لِيثبتَ في دعواهُ بالكبرِ الكبرا

٤٦٢. وَبالحرفِ وَالقرطاسِ عظّم حجمهُ
لِيحملَ لَعناتٍ أتَت فوقه تترى

٤٦٣. وَكلُّ جَوابٍ فيه غير مطابقٍ
لِمعني كَلامي عندَ مَن يفهمُ الأمرا

٤٦٤. وَلكنّهُ عشواءُ تخبطُ خبطها
بِليلٍ منَ الأهواء قد فقدَ البدرا

٤٦٥. وَأَعقلُ منه الكلبُ يسترُ رجسهُ
وَهذا رَأى في نشرِ أَرجاسهِ فخرا

٤٦٦. كِتابي لخيرِ الخلقِ قد جاء ناصراً
وَهذا لأعداءِ النبيِّ أَتى نصرا

٤٦٧. فَذلكَ مِن أَعلى وأَعلى مناقبي
وَهذا لهُ أَقوى مثالبهِ الكُبرى

٤٦٨. وَذلكَ فَخري في الحياةِ وبَعدها
وَهذا لهُ خِزيٌ بدنياهُ والأخرى

٤٦٩. وَقرّظ قَولي عنَدما تمّ طبعهُ
مَشايخُ إِسلام الشريعةِ في مصرا

٤٧٠. وَقرّظَ سفرَ السوءِ بالزورِ أهلهُ
وَمَن كانَ عَن سبلِ الشريعةِ مزورّا

٤٧١. يَذُمُّ خيارَ المُسلمينَ وَيَنتقي
لأشرارِهم أمثاله الحمدَ والشكرا

٤٧٢. فَمثلُ الرِفاعي القطب يختار ذمّهُ
وَشيخُ منارِ السوء يمنحهُ شُكرا

٤٧٣. خبائثُ أَرواحٍ تحنُّ لِبعضها
فَسُحقاً لهُم سُحقاً وخسراً لهم خسرا

٤٧٤. همُ الكلُّ أعداءُ النبيِّ فَبعضهم
عداوتهُ كُبرى وبعضهمُ صغرى

٤٧٥. وَخصّوا مُحبّيه بنسبةِ حبّهم
فَأَعطوا لكلٍّ مِن عَداوتهم قدرا

٤٧٦. وَقَد جَعلوا لي حصّةً من كبارها
لما عَلِموا مِن حبّه حصّتي كبرى

٤٧٧. فَيا ربِّ زِدني فيهِ حبّاً وزده بي
وفي طيبةَ اِختِم لي عَلى دينهِ العُمرا

٤٧٨. خَليليَّ لا واللَّه ما أنا واجدٌ
لمَن خذلَ الإسلامَ مِن أهلهِ عُذرا

٤٧٩. وَكيفَ وهُم في كلِّ أرضٍ فخارُها
وَأفضلُ أَهليها وأشرفُهم نَجرا

٤٨٠. وَأَبطالُهم لو حارَبوا أسدَ السَما
لفرّ وَخلّاها ومِن برجهِ خَرّا

٤٨١. فَفي كلِّ قُطرٍ كلُّ أروعَ وارث
لآباءِ صِدقٍ قبلهُ فَتحوا القطرا

٤٨٢. وَقَد ملكَت خيرَ البلادِ جدودُهم
وَما رَهبوا قتلاً وما رَهبوا أسرا

٤٨٣. كَما اِستَلموها سلّموها لِوُلدِهم
وَما سلّموا منهُم لأعدائهِم شبرا

٤٨٤. وَما زالتِ الأعداءُ في كلِّ فرصةٍ
تُحارِبُهم والشركُ يَنظرُهم شَزرا

٤٨٥. وَكم دولٍ يوماً عليهم تضافرت
فَخابت وما نالَت من الظفَرِ الظفرا

٤٨٦. وَكَم جاهَدوا في البحرِ والبرِّ أُمّةً
وَمِن لَحمها قد أشبعوا الحوتَ والنسرا

٤٨٧. وَكم عالمٍ منهُم بدَت شمسُ علمهِ
وَآخرَ في أفقِ الوغا طالع بدرا

٤٨٨. وَأَنوارُهم في كلّ شرقٍ ومغربٍ
على كلِّ خلقِ اللَّه قد سفَرت سفرا

٤٨٩. فَقَد مَلكوا الدُنيا وَكانوا جَمالَها
كَما مَلَكوا الأُخرى وكانوا لَها فَخرا

٤٩٠. فَطائفةٌ بالسيفِ تَحمي ذِمارها
وَبالعلمِ وَالأقلامِ طائفةٌ أخرى

٤٩١. وَكِلتاهُما فازَت بفضلِ جِهادها
وَليسَت بهِ مِن هذهِ هذهِ أحرى

٤٩٢. وَنحنُ بَنوهم كيفَ كنّا فما لنا
نَحيدُ وَلا نَقفوا لآبائِنا إثرا

٤٩٣. وَما الفرقُ إلّا الدين قد كان عندَهم
قَويّاً فنالوا منه من قوّةٍ شطرا

٤٩٤. فلمّا بَدا من بعدهم ضعفُ دينِنا
ضَعُفنا فلَم يشدُد بِنا دينُنا أزرا

٤٩٥. فَيا عينيَ اِنهلّي ويا قلبيَ اِتّقد
وَيا نَفَسي اِزفُر مِن سعيرِ الحشا زفرا

٤٩٦. فَقَد أصبحَ الإسلامُ ما بين أهلهِ
غَريباً وَفي أوطانهِ لم يجِد نصرا

٤٩٧. وَصالَ عليهِ الشركُ صَولةَ كاسرٍ
إِذا هيَ لم تقتُل فَقد أوجَبت كسرا

٤٩٨. إِلى اللَّه كَم أُمسي وأُصبحُ داعياً
فَآونةً نَظماً وآونةً نثرا

٤٩٩. أُنادي بِأعلى الصوتِ في الناس صارخاً
لِشدّةِ وجدٍ أجّجت في الحَشا الجَمرا

٥٠٠. أُحذّرُ قَومي مِن عُداةٍ تألّبوا
عَلينا وَساموا دينَنا الخسفَ والخُسرا

٥٠١. لَقَد علِموا الإسلامَ حِصناً مُشيّدا
وَأنّهم لا يظفَرون بهِ قَهرا

٥٠٢. فَساقوا عليهِ مِن مدارسِ غيّهم
جُيوشاً بلا حربٍ بِها أحرَزوا النصرا

٥٠٣. مَدارس في حكمِ الكنائسِ أحكمت
أبالِسُهم فيها الدسائسَ وَالمَكرا

٥٠٤. مَوائدُ علمٍ تحتوي كلَّ مشتهىً
بِها وَضعوا سمّاً بها نفثوا سحرا

٥٠٥. بِها اِنقَلَبت أولادُنا من عُداتِنا
وَخيّلتِ البلوى لنا نِعمةً كبرى

٥٠٦. وَها قَد جنَوا بينَ الأنامِ جناتها
لملّتِهم مِن رَوضها الحنظلَ المرّا

٥٠٧. إِلهي تَداعى الناسُ من كلّ أمّةٍ
عَلينا وصِرنا كالغثاء علا النهرا

٥٠٨. نَعَم نحنُ أَذنَبنا فأدّبتَنا بِهم
وَكانَ لنا دورٌ فملّكتهم دَورا

٥٠٩. عُتاةٌ على الإِسلام صالوا فَردّهم
بِذرّةِ قَهرٍ منكَ تُهلكهم طرّا

٥١٠. فَكم قَهروا قوماً وكادَت نفوسهم
تُشاركَ ربَّ العرشِ في بطشهِ كِبرا

٥١١. فَيا ربّنا اِخذل كلّ من رام ديننا
وَدولَتنا بالسوءِ واِمنح لَنا النصرا

٥١٢. فَفي ككِّ وقتٍ نحنُ في حاجةٍ بنا
لِفَضلك إِن أهملتَنا لم نجد خيرا

٥١٣. مَضى عَصرُنا شرُّ العصورِ وإنّه
بِنسبةِ هَذا العصرِ أكرِم به عصرا

٥١٤. أَرى ذمّهُ فَرضاً إذا ما ذكرتهُ
فَإن قستهُ بِاليومِ أَوليتهُ شُكرا

٥١٥. تَبدّلتِ الأحوالُ مِن كلِّ وجهةٍ
وَأصبحَ عرفُ الدينِ بينَ الورى نُكرا

٥١٦. وَصارَ تقيُّ القومِ أحقر قومهِ
وَصارَ شقيُّ القومِ أَرفعهُم قَدرا

٥١٧. وَكانَ الرِيا في أن يُرى العبدُ صالحاً
فَصار الرِيا في أن يُرى فاسقاً جهرا

٥١٨. فَكَم مِن تَقيٍّ صارَ يظهر نفسهُ
شَقيّاً لكيما يتّقي بالشقا الشرّا

٥١٩. وَكَم مِن شقيٍّ حينَ يوصَفُ بالتُقي
تَبرّأ حتّى لا يُهانَ ولا يُزرى

٥٢٠. وَكَم كانَ قبلَ اليومِ فينا منافقٌ
على غيِّهِ مِن خوفهِ أسبلَ السترا

٥٢١. فَلمّا غَدا في سِربه اليومَ آمناً
بِكشفِ مَخازيهِ غَدا يُظهرُ الفَخرا

٥٢٢. وَكلٌّ غَدا في الناسِ حرّاً بزعمهِ
وَهل تركَ القهّارُ مِن خلقهِ حُرّا

٥٢٣. مَتى كان حرّاً وهو مقهورُ قادرٍ
عَلى رغمهِ يُجري مقاديرهُ قَهرا

٥٢٤. مَتى العبدُ واِبن العبدِ والعبدُ جدّهُ
عُبوديّة لا تقبلُ العتقَ والإبرا

٥٢٥. وَما سيّدٌ حقّاً سوى اللَّه إنّه
لهُ الحكمُ في الدُنيا لهُ الحكم في الأخرى

٥٢٦. فَيا ربِّ وفّقنا بجاهِ مُحمّدٍ
حَبيبك للأولى منَ الخيرِ والأحرى

٥٢٧. وَأيّد بهِ الإسلامَ واِلطف بأهلهِ
وَمِن بعدِ هذا العسرِ يسّر لهم يسرا

٥٢٨. هوَ الشافعُ المقبولُ أفضلُ مرسلٍ
لَديكَ فجُد واِمنح لأمّتهِ النصرا

٥٢٩. فَواللَّه لو خيّرتُ في خير جنّةٍ
عَلى أَن أُرى من غير أمّتهِ الغرّا

٥٣٠. لَما اِخترتُ إلّا نِسبتي لمحمّدٍ
وَإِن كنتُ في الجنّات أدنى الورى قدرا

٥٣١. كَما أنّني لو نلتُ خدمة نعلهِ
وَعندَ جميعِ الرُسلِ سلطنةً كبرى

٥٣٢. لَما اِخترتُ إلّا خدمتي لنعالهِ
وَذلكَ فخرٌ لا أرى مثله فخرا

٥٣٣. رَضيتُ به كلّ الرِضا لست أبتغي
بَديلاً به في هذه الدارِ والأُخرى

٥٣٤. وَسيلتُنا العُظمى إلى اللَّه وحدهُ
أجلُّ الورى عَنهم غنىً وله فقرا

٥٣٥. أَحبُّ جميعِ العالمين لربّهِ
وَأَعظمُهم خَوفاً له وله شكرا

٥٣٦. وَما لجميعِ الخلقِ عنه كربّهِ
غِنىً فلَقَد ولّاه خالقهُ الأمرا

٥٣٧. حَباهُ العَطا والمنعَ في كلّ كائنٍ
وَمِن غيرِ تَشبيهٍ حجابتهُ الكبرى

٥٣٨. فَليسَ لكلِّ الخلقِ في كلِّ حاجةٍ
إِلى اللَّه في الدارين واسطةٌ أخرى

٥٣٩. وَمَهما يكُن للشافعينَ شفاعةٌ
فَشافعُ كلِّ الشافِعين أبو الزهرا

٥٤٠. وَأعظمُ كلِّ المُؤمنين هدايةً
أَشدّهمُ حبّاً له وبهِ بِرّا

٥٤١. وَأَعظمُ كلّ الكافرين ضلالةً
أَشدّهمُ بُغضاً له وبهِ كُفرا

٥٤٢. وَأُقسمُ لو كلُّ الخليقةِ قارَفت
عَداوتهُ لَم تلقَ مِن ربّها خيرا

٥٤٣. فَأصلِح ليَ اللّهمّ دُنياي واِحبُني
بحسنِ خِتامٍ منك يصلح لي الأخرى

٥٤٤. وَإنّي وَإن كانت ذُنوبي كثيرةً
وَلا وَزرٌ مِن تَوبتي يدفعُ الوِزرا

٥٤٥. فَعفوُكَ إكسيرٌ إذا ذُرّ ذرّة
عَليها اِستحالت نارُها جنّةً خضرا

٥٤٦. وَقَد تمّ لي إِحدى وستّونَ حجّةً
بِفضلكَ إِسلامي بِها لم يُشَب كفرا

٥٤٧. وَإِن فاتَني ما حازهُ كلُّ صالِحٍ
بِكنزٍ منَ الأعمالِ قد ذَخر الأجرا

٥٤٨. فَتوحيدكَ اللهمّ خيرُ ذَخائري
وَحَسبي بِجاهِ المُصطفى بعدهُ ذُخرا

٥٤٩. عَليهِ صَلاةٌ منكَ مسكُ خِتامها
يُضمّخُ كلّ المُؤمنين بهِ عِطرا