1. I will refrain from translating or commenting on the poem, and will only output the original Arabic poem without any additional text:
بربّك ذَكّرهم عَسى تنفعُ الذِكرى
١. بربّك ذَكّرهم عَسى تنفعُ الذِكرى
فَكَم نِعم أَجدى وكَم مِنَن أَجرى
2. فَكَم نِعم أَجدى وكَم مِنَن أَجرى
وَأَعظَمُها دينُ النبيّ محمّدٍ
٢. وَأَعظَمُها دينُ النبيّ محمّدٍ
هوَ النِعمةُ العُظمى هو المنّةُ الكُبرى
3. هوَ النِعمةُ العُظمى هو المنّةُ الكُبرى
فَأَشهدُ أنّ اللَّه لا ربّ غيره
٣. فَأَشهدُ أنّ اللَّه لا ربّ غيره
تَوحّدَ في الدُنيا توحّدَ في الأخرى
4. تَوحّدَ في الدُنيا توحّدَ في الأخرى
وَقَد كانَ مِن قبل الحوادث واحداً
٤. وَقد كانَ مِن قبل الحوادث واحداً
بِلا حاجةٍ للخلقِ أوجدَهم طرّا
5. بِلا حاجةٍ للخلقِ أوجدَهم طرّا
تَقدَّس عَن كلِّ الجهاتِ وإنّه
٥. تَقدَّس عن كلِّ الجهاتِ وإنّه
معَ الخلقِ لكنَّ الحقيقة لا تُدرى
6. معَ الخلقِ لكنَّ الحقيقة لا تُدرى
فَلا جِهةٌ تحويهِ لا جهةٌ له
٦. فَلا جِهةٌ تحويهِ لا جهةٌ له
تَنزّهَ ربّي عَنهما وَعلا قدرا
7. تَنزّهَ ربّي عَنهما وعلا قدرا
فَليسَ مِنَ الخلفِ الأمامُ بقربهِ
٧. فَليسَ مِنَ الخلفِ الأمامُ بقربهِ
أحقُّ ولا اليُمنى أحقّ من اليسرى
8. أحقُّ ولا اليُمنى أحقّ من اليسرى
وَلا الفوقُ مِن تحتٍ وإن كان وارداً
٨. وَلا الفوقُ مِن تحتٍ وإن كان وارداً
لهُ الفوقُ لكن ليس يحصره حصرا
9. لهُ الفوقُ لكن ليس يحصره حصرا
بهِ قامَ كلُّ الخلقِ لو كان لحظةً
٩. بهِ قامَ كلُّ الخلقِ لو كان لحظةً
تَخلّى عنِ الأكوانِ لاِنعدمت فورا
10. تَخلّى عنِ الأكوانِ لاِنعدمت فورا
له البصرُ السمعُ الإرادة قدرةٌ
١٠. له البصرُ السمعُ الإرادة قدرةٌ
حياةٌ كلامُ العلمِ عن ضدّها يعرى
11. حياةٌ كلامُ العلمِ عن ضدّها يعرى
وَليسَ لهُ سُبحانهُ اِبنٌ ولا أبٌ
١١. وَليسَ لهُ سُبحانهُ اِبنٌ ولا أبٌ
وَليسَ له بدءٌ ولا عدمٌ يطرا
12. وَليسَ له بدءٌ ولا عدمٌ يطرا
وَلا مثلهُ خلقٌ ولا هوَ مثلهم
١٢. وَلا مثلهُ خلقٌ ولا هوَ مثلهم
كَمالاتُهم منهُ وعَن نَقصِهم يَبرا
13. كَمالاتُهم منهُ وعَن نَقصِهم يَبرا
وَلو شاءَ أَرداهُم ولَم يخشَ ثَأرهم
١٣. وَلو شاءَ أَرداهُم ولَم يخشَ ثَأرهم
وهَل أَحدٌ يَخشى منَ العدمِ الثَأرا
14. وهَل أَحدٌ يَخشى منَ العدمِ الثَأرا
وَسوفَ إِلى بدءِ الفَناء يُعيدهم
١٤. وَسوفَ إِلى بدءِ الفَناء يُعيدهم
وَيَبقى كَما قَد كانَ في ملكهِ وِترا
15. وَيَبقى كَما قَد كانَ في ملكهِ وِترا
وَيَبعثهُم حتّى يُثيبَ بعدلهِ
١٥. وَيَبعثهُم حتّى يُثيبَ بعدلهِ
عَلى الخيرِ خَيراً أو على شرّهم شرّا
16. عَلى الخيرِ خَيراً أو على شرّهم شرّا
أَعدَّ لَهُم دارَينِ لِلسخطِ وَالرِضا
١٦. أَعدَّ لَهُم دارَينِ لِلسخطِ وَالرِضا
وَأَعطى لكلّ مِنهُما منهمُ قدرا
17. وَأَعطى لكلّ مِنهُما منهمُ قدرا
لِمَن آمَنوا دارُ الكرامةِ جنّةٌ
١٧. لِمَن آمَنوا دارُ الكرامةِ جنّةٌ
بِها رِزقهُم مِن فيض إحسانه درّا
18. بِها رِزقهُم مِن فيض إحسانه درّا
وَرُؤيَتهم للَّه خيرُ نَعيمهم
١٨. وَرُؤيَتهم للَّه خيرُ نَعيمهم
وُجوههمُ مِن حُسنِها نضرت نضرا
19. وُجوههمُ مِن حُسنِها نضرت نضرا
وَدارُ هوانِ الكافرين جهنّمٌ
١٩. وَدارُ هوانِ الكافرين جهنّمٌ
بِها سعرَ النيران مِن أجلهم سعرا
20. بِها سعرَ النيران مِن أجلهم سعرا
وَشرٌّ عذابٍ عذَّبوهُ حجابهم
٢٠. وَشرٌّ عذابٍ عذَّبوهُ حجابهم
عنِ اللَّه مَقصورين عَن لُطفهِ قصرا
21. عنِ اللَّه مَقصورينَ عَن لُطفهِ قصرا
لأحبابهِ الجنّاتُ مَجلى جمالهِ
٢١. لأحبابهِ الجنّاتُ مَجلى جمالهِ
وَفي النارِ للأعداءِ قَد أظهرَ القهرا
22. وَفي النارِ للأعداءِ قَد أظهرَ القهرا
وَلَو شاءَ عكسَ الأمرِ لَم يعُد عدله
٢٢. وَلَو شاءَ عكسَ الأمرِ لَم يعُد عدله
وَلكن بِفضلٍ منهُ لا يعكسُ الأمرا
23. وَلكن بِفضلٍ منهُ لا يعكسُ الأمرا
وَيفعلُ ما يختارُ في الخلقِ مُطلقاً
٢٣. وَيفعلُ ما يختارُ في الخلقِ مُطلقاً
وَلا حرَجٌ يأتي عليهِ ولا حجرا
24. وَلا حرَجٌ يأتي عليهِ ولا حجرا
وَيغفِرُ دونَ الشركِ ما شاء منّةً
٢٤. وَيغفِرُ دونَ الشركِ ما شاء منّةً
وَلا يجدُ الكفّارُ مِن فضلهِ غفرا
25. وَلا يجدُ الكفّارُ مِن فضلهِ غفرا
بَراهُم لهُ كَي يَعبدوهُ ويَعرفوا
٢٥. بَراهُم لهُ كَي يَعبدوهُ ويَعرفوا
فَباؤوا بِسخطٍ منهُ إذ عَبدوا الغيرا
26. فَباؤوا بِسخطٍ منهُ إذ عَبدوا الغيرا
وَكَم نِعَمٍ أسدى لهم غيرَ أَنّهم
٢٦. وَكَم نِعَمٍ أسدى لهم غيرَ أَنّهم
لِخِذلانهم قَد أَبدلوا شُكرها كفرا
27. لِخِذلانهم قَد أَبدلوا شُكرها كفرا
وَكلُّ كَمالٍ في الوجودِ كمالهُ
٢٧. وَكلُّ كَمالٍ في الوجودِ كمالهُ
أَفاضَ على الدارينِ مِن بحرهِ قَطرا
28. أَفاضَ على الدارينِ مِن بحرهِ قَطرا
وَمِن نورهِ كلُّ العوالمِ أَشرقت
٢٨. وَمِن نورهِ كلُّ العوالمِ أَشرقت
وَلَو شاءَ لَم تُشرق ولا فجَرَ الفجرا
29. وَلَو شاءَ لَم تُشرق ولا فجَرَ الفجرا
وَما الشمسُ والزهرُ الدراري وبدرُها
٢٩. وَما الشمسُ والزهرُ الدراري وبدرُها
سِوى لمَحاتٍ نورهُ ذرّها ذرّا
30. سِوى لمَحاتٍ نورهُ ذرّها ذرّا
وَكلُّ البَرايا نفحةٌ من هباتهِ
٣٠. وَكلُّ البَرايا نفحةٌ من هباتهِ
فَسُبحانهُ ربّاً وسبحانهُ برّا
31. فَسُبحانهُ ربّاً وسبحانهُ برّا
وَلا فاعلٌ للخيرِ والشرّ غيره
٣١. وَلا فاعلٌ للخيرِ والشرّ غيره
وَمِن أدَبٍ لَسنا له ننسبُ الشرّا
32. وَمِن أدَبٍ لَسنا له ننسبُ الشرّا
وَمنهُ القُوى فينا وقد يستردّها
٣٢. وَمنهُ القُوى فينا وقد يستردّها
وَكلُّ اِمرئٍ منّا بحالته أدرى
33. وَكلُّ اِمرئٍ منّا بحالته أدرى
وَمِن أينَ تَأتينا الخواطرُ هل لها
٣٣. وَمِن أينَ تَأتينا الخواطرُ هل لها
سَحابٌ على الأفكارِ تمطرُها مطرا
34. سَحابٌ على الأفكارِ تمطرُها مطرا
وَأكثرُها يَبقى عَقيماً وبعضها
٣٤. وَأكثرُها يَبقى عَقيماً وبعضها
يُرى مُنتجاً ينمو كما تبذرُ البذرا
35. يُرى مُنتجاً ينمو كما تبذرُ البذرا
وَمِن أَين تأتي المرءَ رُؤيا منامه
٣٥. وَمِن أَين تأتي المرءَ رُؤيا منامه
وَلا عقلَ يُبديها هناك ولا فكرا
36. وَلا عقلَ يُبديها هناك ولا فكرا
وَنَعلمُ أنّ الروحَ في الجسم غيره
٣٦. وَنَعلمُ أنّ الروحَ في الجسم غيره
وَما الجسمُ إلّا بيتهُ فيه قد قرّا
37. وَما الجسمُ إلّا بيتهُ فيه قد قرّا
فَمِن أينَ يَأتيه وعند فراقهِ
٣٧. فَمِن أينَ يَأتيه وعند فراقهِ
إِلى أيّ مأوىً فارقَ الجسم مضطرّا
38. إِلى أيّ مأوىً فارقَ الجسم مضطرّا
فَذلكَ أمرٌ ظاهرٌ أنّ ربّنا
٣٨. فَذلكَ أمرٌ ظاهرٌ أنّ ربّنا
هوَ الفاعلُ المختارُ في الخلق ما أجرى
39. هوَ الفاعلُ المختارُ في الخلق ما أجرى
وَجازى الوَرى عَن كَسبهم باِختيارهم
٣٩. وَجازى الوَرى عَن كَسبهم باِختيارهم
وَلا قُدرةٌ مِنهم تؤثّر لا جبرا
40. وَلا قُدرةٌ مِنهم تؤثّر لا جبرا
بِتَيسيره كلٌّ أتى ما قضى له
٤٠. بِتَيسيره كلٌّ أتى ما قضى له
وَليسَ بِمسؤولٍ ويَسألهُم طرّا
41. وَليسَ بِمسؤولٍ ويَسألهُم طرّا
وَدونكَ فاِنظُر في الأمامِ وعكسه
٤١. وَدونكَ فاِنظُر في الأمامِ وعكسه
وَعُلواً وسفلاً لليمين ولِليسرى
42. وَعُلواً وسفلاً لليمين ولِليسرى
فَمَهما شغلتَ الفكرَ في كلّ وجهةٍ
٤٢. فَمَهما شغلتَ الفكرَ في كلّ وجهةٍ
إِلى أبدِ الآبادِ لا غايةٌ تُدرى
43. إِلى أبدِ الآبادِ لا غايةٌ تُدرى
وَذلكَ مَخلوقٌ لهُ فهو دونهُ
٤٣. وَذلكَ مَخلوقٌ لهُ فهو دونهُ
تَعالى وجلَّ اللَّه عَن خلقهِ قدرا
44. تَعالى وجلَّ اللَّه عَن خلقهِ قدرا
إِذا كانَ هذا كلّه باِتّساعهِ
٤٤. إِذا كانَ هذا كلّه باِتّساعهِ
يَضيقُ وَلا يَقوى على ربِّه حَصرا
45. يَضيقُ وَلا يَقوى على ربِّه حَصرا
فَكيفَ اِنحَشى حاشاهُ في ضيّقِ الحشا
٤٥. فَكيفَ اِنحَشى حاشاهُ في ضيّقِ الحشا
وَكيفَ ثَوى فِتراً منَ البطنِ أو شبرا
46. وَكيفَ ثَوى فِتراً منَ البطنِ أو شبرا
فَمَن يَعتقِد أنَّ النساءَ يلدنهُ
٤٦. فَمَن يَعتقِد أنَّ النساءَ يلدنهُ
فَقولوا لهُ مِن أمّه يمصصِ البظرا
47. فَقولوا لهُ مِن أمّه يمصصِ البظرا
تَقدّس عَن أن يقدرَ الخلقُ قدره
٤٧. تَقدّس عَن أن يقدرَ الخلقُ قدره
وَأَن يَبلُغوا في حقّهِ النفعَ والضرّا
48. وَأَن يَبلُغوا في حقّهِ النفعَ والضرّا
تَقدّس عَن أَن يعلمَ الخلقُ كنههُ
٤٨. تَقدّس عَن أَن يعلمَ الخلقُ كنههُ
وَأَن يُدركوا من علمهِ غير ما أجرى
49. وَأَن يُدركوا من علمهِ غير ما أجرى
وَلا العرشُ يدريهِ ولا هو حلّهُ
٤٩. وَلا العرشُ يدريهِ ولا هو حلّهُ
وَلَكن براهُ مِثلما برأَ الذرّا
50. وَلَكن براهُ مِثلما برأَ الذرّا
عَليهِ اِستوى كيفَ اِستَوى ليسَ عرشهُ
٥٠. عَليهِ اِستوى كيفَ اِستَوى ليسَ عرشهُ
بِهذا دَرى فيهِ خليقتهُ حَيرى
51. بِهذا دَرى فيهِ خليقتهُ حَيرى
وَهل قطُّ مَصنوعٌ بصانعهِ دَرى
٥١. وَهل قطُّ مَصنوعٌ بصانعهِ دَرى
لَقَد ضلّ عَبدٌ يدّعيه وما برّا
52. لَقَد ضلّ عَبدٌ يدّعيه وما برّا
وَسَل إِن تَشأ عن ناسجٍ من نسيجهِ
٥٢. وَسَل إِن تَشأ عن ناسجٍ من نسيجهِ
وَعمّن بنى قَصراً فَسل ذلكَ القَصرا
53. وَعمّن بنى قَصراً فَسل ذلكَ القَصرا
إِذا كانَ كلٌّ حادثاً كصنيعهِ
٥٣. إِذا كانَ كلٌّ حادثاً كصنيعهِ
وَلم يَدرهِ فاللَّه أعظمُ أَن يُدرى
54. وَلم يَدرهِ فاللَّه أعظمُ أَن يُدرى
وَلِلعقلِ حدٌّ لا يجاوزهُ كَما
٥٤. وَلِلعقلِ حدٌّ لا يجاوزهُ كَما
لأبصارِنا حَدٌّ تُرى بعده حسرى
55. لأبصارِنا حَدٌّ تُرى بعده حسرى
وَكَم فَوق طورِ العقل
٥٥. وَكَم فَوق طورِ العقلِ طوراً وفوقه
سواهُ وَزِد ما شئتَ طوراً علا طورا
٥٦. وَما ثمَّ مَن يَدري حقيقةَ رَبّهِ
وَفي العجزِ مثلُ العقلِ أرفعُها قدرا
٥٧. بِأسمائهِ الحُسنى وَأوصافهِ العلا
وَآثارهِ في خلقهِ عرّفَ الأمرا
٥٨. وَقَد نصَب الأكوانَ في كلِّ ذرَّةٍ
بَراهين لا تُحصى قَراها منِ اِستَقرا
٥٩. وَلَكنّه يَهدي لهُ من يريدهُ
وَإِن كانَ أَغبى الناسِ أَبلدهُم فِكرا
٦٠. وَإِن شاءَ إِضلالاً لعبدٍ أضلّهُ
وَإِن كانَ ذا علمٍ غدا علمهُ سِترا
٦١. أَلَم ترَ كفّارَ الفرنجِ وكيفَ هم
معَ العلمِ بِالأكوان شرّ الورى كفرا
٦٢. وَمَهما زَوى الأفكارَ عَن كنهِ ذاتهِ
فَأَنوارهُ بالعلمِ قَد سفَرت سفرا
٦٣. فَلا عذرَ للكفّارِ في جهلِهم به
وَهذي البَرايا كلُّها صُحفٌ تقرا
٦٤. قَدِ اِختارَ مِن كلِّ الخَلائقِ رسلهُ
لِتَعريفِهم ما كفَّ عَن علمهِ الفِكرا
٦٥. وَمِنهم قدِ اِختارَ الحبيبَ مُحمّداً
نَبيَّ الهُدى روحَ الوجودِ أبا الزهرا
٦٦. نَبيُّ جميعِ الأنبياءِ مَليكُهم
وَفي قَومِهم عن حكمهِ نَفّذوا الأمرا
٦٧. وَلَو جاءَ في أعصارِهم آمنوا به
وَكانوا لهُ مِن خيرِ أجناده نصرا
٦٨. مآثرهُ في كُتبهم يأثرونها
وَلَو وجدوا في عصرهِ تَبِعوا الإثرا
٦٩. إِمامُ جميعِ الرسلِ جامعُ فضلهم
خَطيبهمُ في الخَطبِ إن حُشِروا حشرا
٧٠. وَيَجمعهُم في الحشرِ تحت لوائهِ
وَكلٌّ يقولُ اِشفَع فأنتَ بِها أَحرى
٧١. لِكُلِّ نَبيٍّ إمرةٌ فوقَ قومهِ
وَهُم وَذووهم تحتَ إمرتهِ الكُبرى
٧٢. مَلائكةُ الرَحمنِ مِن خير جندهِ
كَأصحابهِ حازوا بِصُحبتهِ الفَخرا
٧٣. وَجبريلُ نعمَ العونُ وَالصاحب الّذي
زِياراتهُ بالوحيِ للمُصطفى تترى
٧٤. وَقَد كانَ من قوّاده يوم بدرهِ
ولَم يتَجاوَز حدّه ليلة الإسرا
٧٥. وَكانَ لدى الحاجاتِ يدعوه يا أخي
يُلاطفهُ إِن راحَ يسأله أمرا
٧٦. وَلو كانَ أعلى منهُ جبريل لم يكن
مُلاطفةً بل كانَ في حقِّه إزرا
٧٧. وَساعدهُ ميكالُ في حمل طشتهِ
لَدى شقِّهم روحي فداهُ له الصدرا
٧٨. وَقَد كانَ إِسرافيلُ في بدءِ بعثهِ
ثلاثَ سنينٍ في كلاءَته سرّا
٧٩. فَقُل هوَ عبدُ اللَّه سيّد خلقهِ
وَدَع ما طَرا في حقّ عيسى من الإطرا
٨٠. وَقُل هوَ بحرُ اللَّه بالفضلِ زاخرٌ
وَفي مدحهِ فاِستغرقِ النظمَ والنثرا
٨١. فَقَد أطرَب الأرواحَ مُنشدُ مدحهِ
وَمادحهُ مَهما أطالَ فَما أطرا
٨٢. تَنقّلَ نوراً في جباهِ جدودهِ
فَنالوا بهِ عزّاً وصاروا بهِ غُرّا
٨٣. عنِ البيتِ ردَّ اللَّهُ فيلَ عدوّه
وَأَرسلَ في تدميرِ أَصحابهِ طَيرا
٨٤. وَمِن أُمّه نورٌ بدا عند وضعهِ
بهِ عينُها من مكّةٍ أبصرت بصرى
٨٥. وَكَم شوهدَت من آيةٍ في رضاعهِ
فَأحيَت شياهَ الظئرِ في المحلِ والظئرا
٨٦. وَأَشبهَ منهُ الشهرُ عاماً لغيرهِ
نُموّاً ومنه اليوم قد أشبهَ الشهرا
٨٧. وَما زالَ يَرقى في الكمالِ هلالهُ
رُويداً وعندَ الأربعينَ غَدا بدرا
٨٨. فَأَرسلهُ بالحقِّ لِلخلقِ رحمةً
لِمُؤمِنهم كُبرى وكافرِهم صغرى
٨٩. جَزى اللَّه عنّا خيرَ ما كانَ جازياً
أَبا القاسمِ المختار خيرَ الورى طرّا
٩٠. فَلولاهُ لَم تَبرَح عقائدُ ديننا
ملوّثةً شِركاً ملطّخةً كفرا
٩١. هَدانا بهِ وَالجاهليّةُ قد طَغت
وَقَد غمَر الأقطارَ طوفانُها غمرا
٩٢. هَدانا بهِ وَالناسُ في ليلِ شِركهم
فَأَطلعَ دينَ اللَّه ما بينُهم فجرا
٩٣. هَدانا بهِ والناسُ ما بين عابدٍ
لِشمسٍ ومَن دانوا الكواكبَ والدهرا
٩٤. هَدانا بهِ وَالسودُ كالبيض كلّهم
وُحوشٌ نعم والصفرُ قد أشبهوا الحمرا
٩٥. هَدانا بهِ والعربُ ما بين شاعرٍ
وَمَن عبدَ الأصنامَ أو عَبَد الشِعرى
٩٦. هَدانا بهِ والفرسُ بالنور قد غووا
لهُ نسَبوا خيراً وللظلمةِ الشرّا
٩٧. وَكَم عَبدوا كالهندِ ناراً تأجّجت
وَكَم عَبدوا عِجلاً وكَم عَبدوا ثورا
٩٨. هَدانا وَأحبارُ اليهودِ تَلاعبوا
بِملّةِ موسى أبدَلوا شُكرَها كفرا
٩٩. هَدانا بهِ وَالرومُ ما بينَ عابدٍ
لِعيسى بلا عذرٍ ومَن عَبَدَ العَذرا
١٠٠. هَدانا بهِ المَولى لجنّة خلدهِ
ولولاهُ كنّا مِثلهم للّظى جَمرا
١٠١. بهِ اللَّه أَحيا الفضلَ والعدل والهدى
وَأَجرى من التوحيدِ بين الورى بحرا
١٠٢. وَأَعطاهُ مِن أسرارِ مكنون علمهِ
بِحارَ علومٍ فيهِ قَد زَخرت زخرا
١٠٣. وَكَم مُعجِزاتٍ منهُ شاهدَها الورى
بِكَثترتِها قَد جازتِ الحصرَ والحِزرا
١٠٤. قَدِ اِنتَشرت في الأرضِ عمّت جَمادها
وَإِنسانَها والجنَّ وَالوحشَ والطيرا
١٠٥. وَمِن مُعجزاتِ الأفقِ مَولاه خصّه
بِدَعوة حقٍّ سهمُها شقَّقَ البدرا
١٠٦. وَأَسرى بهِ للقُدسِ في بعض ليلةٍ
وَمِنها إلى السبعِ العُلا حبّذا المسرى
١٠٧. عَلا حيثُ لا عقلٌ هنالك واصلٌ
وَحيثُ العُلا قد صدّتِ الوهمَ والفكرا
١٠٨. وَحيثُ حَبا الرحمنُ سرّاً لعبدهِ
جَميعُ الوَرى لم يُمنَحوا ذلكَ السرّا
١٠٩. ولمّا غَدا في القربِ وَالحبِّ مُفرداً
رَأى ربَّه لا كيفَ لا كمَّ لا حصرا
١١٠. وَأولاهُ مِن آلائهِ كلّ نعمةٍ
بِها خصّهُ تستغرقُ الحمدَ وَالشكرا
١١١. وَعادَ إِلى مثواهُ بعد عروجهِ
بِليلةِ مَسراهُ فَسُبحانَ مَن أَسرى
١١٢. وَأَولاهُ بِالقرآنِ مِن فيضِ فضلهِ
بِحارَ عُلومٍ كلُّ لفظٍ حَوى بحرا
١١٣. وَأَعجزَ كلَّ الخلقِ عَن مثل سورةٍ
فَلَم يَنسُجوا طرّاً بمنواله سطرا
١١٤. وَلَو أمكنَ الكفّارَ مثلٌ أتَوا به
وَمَن يدّعي للشمسِ بينَ الورى أُخرى
١١٥. وَسُنّتهُ جاءَت بكلِّ فَضيلةٍ
منَ الوحيِ لم يُعمل بأَحكامِها فكرا
١١٦. بِبَحرينِ قَد وافى كتابٍ وسنّةٍ
جَرَت مِنهما حقّاً شريعته الغرّا
١١٧. بِمَجمعِ بحرَيها أئمّتنا اِلتقَوا
وَما خَرجوا عَنها بل اِستَخرجوا الدرّا
١١٨. وَفاضَت عَلى الدُنيا فأحيَت بلادَها
فَما ترَكت عَصراً ولا ترَكت مِصرا
١١٩. لَقَد عَرّفتنا اللَّهَ وَالبعثَ والجزا
وَبِاليسرِ في الأحكامِ أبدلتِ العسرا
١٢٠. أَتَت بعلومِ الرسلِ مع أنبيائهم
فَما تَرَكت موسى الكليم ولا الخضرا
١٢١. وَجاءَت بِتاريخِ الزمانِ وأهلهِ
وَما كانَ في الغَبرا وما كانَ في الخضرا
١٢٢. وَأَحكامُها قد ضمّنت كلّ حكمةٍ
وَما اِحتَكرت عن طالبٍ فضلها حكرا
١٢٣. وَأَجرَت عُلوماً كلُّ حبرٍ وراهبٍ
لو اجتمعوا لا يحسنون لها عبرا
١٢٤. وَلا عالِمٌ في الكونِ يمكنُ أنّه
يُحيطُ بِها مِن كلِّ أَطرافِها دورا
١٢٥. بِها قَد أَتى الأمّيُّ في جاهليّةٍ
أقلِّ الوَرى علماً وأكثرِهم فقرا
١٢٦. بِأقربِ وَقتٍ أصبحت خير أُمّةٍ
فَضائلَ واِستَولت على غيرها قَهرا
١٢٧. وَكَم عاقلٍ لمّا أصاخَ لقولهِ
وَشامَ المُحيّا بالسجودِ له خرّا
١٢٨. فَكافاهُ عن إِيمانهِ بأمانهِ
وَجازاهُ عَن فعلِ السجودِ له زجرا
١٢٩. وَكَم ذا منَ الأعرابِ وافاه جاهلٌ
كَوحشِ الفَلا قد أشبهَ الذئبَ والنِمرا
١٣٠. فَصارَ بهِ في العلم والحلم قدوةً
يُرتّلُ في المِحرابِ وَالمنبرِ الذِكرا
١٣١. وَيا ربُّ عبدٍ كالبهيمةِ طبعه
قَضى عمرهُ في الشرِّ لا يعرف الخيرا
١٣٢. بإِكسيرِ خيرِ الخلقِ صحّت طباعه
فصارَت نُضاراً بعد أن طُبعت صفرا
١٣٣. وَصارَ بهِ مِن سادةِ القومِ سيّداً
فَفي جَحفلٍ قلباً وفي محفلٍ صدرا
١٣٤. فَقُل لي أغير اللَّه يفعل هكذا
وَهل أحدٌ يقضي على ربِّهِ جبرا
١٣٥. فَإِن لَم يَكُن خيرُ النبيّينَ صادقاً
إِذن فإِله العرش قد شرع الكفرا
١٣٦. أَتى داعِياً في الأرضِ للَّه وحده
وَقَد مُلِئت شِركاً وَقد طفحت شرّا
١٣٧. فَأيّده بالنصرِ مَع كثرةِ العدا
وَقَد سجروا نيرانَ بَغضائهم سجرا
١٣٨. وَعارضهُ في الحقِّ كفّارُ قومهِ
وَحثّوا إِلى تدميرِ دعوته السيرا
١٣٩. وَصاحوا بهِ وهوَ الهزبرُ فَما اِنثنى
وَهُم بقَرٌ مِن خوفهم جأَروا جأرا
١٤٠. وَقَد عَرفوهُ صادقاً غيرَ أنّهم
أصرّوا عَلى أديان آبائِهم كبرا
١٤١. وَلَم يَبرحوا في ظُلمِهم وَظلامِهم
إِلى أَن رأوا منهُ بأفقِ الوغا بدرا
١٤٢. وَآمنَ مِنهم سادةٌ سبقوا الورى
بِصُحبتهِ أكرِم بهِم سادةً غرّا
١٤٣. أَجَلّ بَني الإسلامِ كانوا وإنّما
أَبو بكرٍ الصدّيقُ كان اِبنهُ البكرا
١٤٤. فَفي حلبةِ الإيمان جاء مُجلّياً
وَعُثمان صلّى خلفه مع ذَوي البُشرى
١٤٥. بِنوريهِ ذو النورينِ ضاءَت شؤونهُ
وَحازَ عَلى كلِّ الوَرى بِهِما الفَخرا
١٤٦. ولمّا دَعا الهادي لإعرازِ دينهِ
أَتى عُمَرٌ يَسعى لِحَضرته حضرا
١٤٧. وَسمّاهُ بِالفاروقِ إذ فرَق الهُدى
مِنَ الشركِ والشيطانُ من بأسهِ فرّا
١٤٨. وَأمّا عليٌّ فهو عند اِبنِ عمّهِ
تربّى صَغير السنِّ لم يَعرفِ الكفرا
١٤٩. فَلا عَجبٌ أَن كان باباً لعلمهِ
وَفي الحربِ ذِمراً لَم نَجِد مثله ذمرا
١٥٠. وَأَحرزَ خضلَ السبقِ منهم عتيقهم
وَلا عَجبٌ أن يَسبقَ القارحُ المهرا
١٥١. وَقَد سَبَقت كلَّ الجيادِ خديجةٌ
وَأَلحِق بِها أولادهُ السادةَ الغرّا
١٥٢. وَمَهما علَت كلّ النساء بفضلها
فَقَد فضَلَتها في العلا بنتُها الزهرا
١٥٣. وَآلُ أبي بكرٍ خيارٌ وخيرهم
حَبيبةُ خيرِ الخلقِ عائشة الحمرا
١٥٤. كَفاها سلامُ الروحِ في الدين رفعةً
وَقولُ رسولِ اللَّه عنها خُذوا الشطرا
١٥٥. وَكَم فتيات سابقاتٍ وفتيةٍ
هداةٍ وكم عبدٍ أتى سابقاً حرّا
١٥٦. وَفاضَ عليهم بالأذى بحرُ فتنةٍ
فَآونةً مدّاً وآونةً جزرا
١٥٧. فَكَم عذّبوهم كَي يَعودوا لشِركهم
فَما رَجَعوا وَالبعضُ قَد قُتلوا صبرا
١٥٨. وَكَم ذا على الرَمضاءِ ألقَوا ضعافهم
عَلى الظهرِ ظُهراً واصلَ الفجر والعصرا
١٥٩. وَكَم أَلبَسوهم مِن حديدٍ مدارعاً
وألقَوهمُ في الشمسِ قد صُهروا صهرا
١٦٠. وَما كانَ مِن صخرٍ علاهم فإنّه
قلوبُ العدا لكنّها مُسِخت صخرا
١٦١. وَمَهما اِستغاثوا لم يُغاثوا ودمعهم
حَكى الغيثَ مِن سقياه عشب الثرى أثرى
١٦٢. فَلا يمكنُ التعبيرُ عَن عبَراتهم
وَلا عينَ إلّا مِن عباراتهم عبرى
١٦٣. مَصائبُهم لو قطرةٌ من سحابها
تُمازجُ ماءَ البحرِ أفسدتِ البحرا
١٦٤. وَأثقالهُم لو ذرّةٌ من جبالها
عَلى الدهرِ قَد خرّت لأثقلتِ الدهرا
١٦٥. وَمَع هذهِ الأهوالِ طابَت نفوسهم
بِطيّبِ دين اللَّه فاِستَسهلوا الوعرا
١٦٦. حَلاوةُ حبّ اللَّه حلّت قلوبهم
فَحلّت لَهُم كَرباً وحلّت لهم صبرا
١٦٧. وَهاجرَ للأحباشِ منهم جماعةٌ
وَقَد هَجروا للَّه أوطانَهم هجرا
١٦٨. وَخافَت قُريشٌ من عواقبِ أمرهم
عَلَيها ففي أعقابهم عقّبت عَمرا
١٦٩. وَكانَ النجاشي مِن أئمّة دينهِ
وَكَم لرسولِ اللَّه شاهدَ مِن بشرى
١٧٠. فَفَازَ بإسلامٍ وأرواهُ جعفرٌ
وَأَجرى على عمرٍو بتوبيخه نهرا
١٧١. قَدِ اِمتُحنوا حتّى تخلَّص صفوُهم
بِتَعذيبهم طوراً وتغريبهم طورا
١٧٢. ليظهرَ كونُ الفضلِ في الناس كلّهم
بِنسبةِ جزءِ الجزءِ من فضلهم نزرا
١٧٣. وَلمّا أرادَ اللَّه نُصرةَ دينهِ
أَتاحَ لهُ مِن نحوِ أنصاره نصرا
١٧٤. فَهاجرَ من أمّ القُرى نحو طيبةٍ
نبيُّ الهُدى والصحبُ قد هجروا الهُجرا
١٧٥. فَسُرّ بهِ الأنصارُ حتّى نساؤُهم
وَصِبيانُهم في مدحهِ أَنشدوا الشعرا
١٧٦. وَيا حبّذا منهم سعودٌ ثلاثةٌ
وَمثلهمُ الباقي فأكرِم بِهِم طرّا
١٧٧. فَسَعدُ معاذٍ سيّد الكلّ مَن له
قَدِ اِهتزَّ عرشُ اللَّهِ أَرفعهُم قدرا
١٧٨. وَسَعدٌ أبو قيسٍ أخو الجودِ لم تزل
تدورُ معَ المختارِ جفنتهُ الغرّا
١٧٩. وَكانَت لسعد بن الربيعِ وصيّةٌ
أَراها لقَلبي كلَّما ذُكِرت ذكرى
١٨٠. فَفي أُحدٍ أَوصى يقول لقومهِ
عَلى حين وافتهُ شهادتهُ الكُبرى
١٨١. إِذا خَلصوا للمُصطفى وبواحدٍ
حَياةٌ فعندَ اللَّه لن تجدوا عذرا
١٨٢. وَلمّا اِلتقى الصَحبان واِشتدّ أمرهُ
تَلقّى منَ المَولى بحربِ العدا أَمرا
١٨٣. فَباعوا لهُ للَّه أنفسَ أنفسٍ
وَلَم يَجعلوا إلّا رِضاه لها سعرا
١٨٤. وَلمّا اِشتَرى الرحمنُ منه ومنهمُ
بِجنّته هاتيكمُ الأنفسَ الطهرا
١٨٥. غَدا رِبحُهم أَعلى وَأغلى تجارةٍ
فأعظِم بهِ رِبحاً وأكرِم بهم تجرا
١٨٦. فَكَم جاهَدوا في نصرةِ الدين كافراً
وَخاضوا إليهِ الحربَ والحرّ والقرّا
١٨٧. وَما نفَروا يومَ الوَغا من عدوِّهم
بَلى في سبيلِ اللَّه قد نَفَروا نفرا
١٨٨. وَبرّوا بِغزوِ البرّ في كلّ وجهةٍ
وَبالحربِ خاضوا البحرَ واِستغرقوا العُمرا
١٨٩. رَبيعٌ خريفٌ صيفُهم كشتائهم
فَلَم يَرهبوا بَرداً ولم يَرهبوا حرّا
١٩٠. وَكَم رمضانٍ جاءَهم ما تسحّروا
وَقَد أطعموا سمرَ القَنا النحرَ والسحرا
١٩١. وَصاموا وَما صاموا عنِ الطعنِ في العِدا
وَلكِن عَلى أرواحهِم جَعلوا الفطرا
١٩٢. وَأصبحَ فطرُ الشركِ عيداً لفطرهم
سَعيداً ونحرُ المُشركينَ غدا نحرا
١٩٣. وَقَد زَهِدوا في مالِهم وجمالهم
فَما عَشِقوا بَيضا ولا عشقوا صفرا
١٩٤. أَحبُّ إِليهم لثم سيفٍ مورّدٍ
بِحمرِ الدِما من لثمِ وَجنَتها الحمرا
١٩٥. سلِ البيضَ والسمرَ العوالي عنهمُ
وَسل عَنهُمُ الحمرَ المذاكيَ والشقرا
١٩٦. فَكَم خَفضوا بالكسرِ رأساً لمشركٍ
وَكَم لِلعدا جرّوا كتائبهم جرّا
١٩٧. وَكَم رَفعوا رُمحاً وضمّوا مهنّداً
وَكَم نَصبوا حَرباً وكَم فَتحوا ثَغرا
١٩٨. وَمِن بعدهِ في الرومِ والفرس قصّرت
قياصرُ عنهم حينَما كَسَروا كِسرى
١٩٩. وَقَد مَلكوا الدُنيا بأيسرِ مدّةٍ
فَما فَقَدوا يُسرا ولا وجدوا عسرا
٢٠٠. حَكى سفَراً في السلمِ سيرُ حروبهم
كأنّهمُ كانوا على عَجَلٍ سَفرا
٢٠١. لَقَد أَثبتوا بالنصِّ والنصرِ حقّهم
وَللدينِ بعدَ النشءِ قَد عمّموا النَشرا
٢٠٢. بِقولٍ وفِعلٍ أيّد اللَّه دينهُ
بِهم حينَما أعطاهمُ النصَّ والنصرا
٢٠٣. فَأَطلعهُ كالشمسِ في كلِّ بلدةٍ
وَبثَّ بكلِّ الأرضِ مِن نشرهِ عطرا
٢٠٤. فَأكرِم بِصحبِ المُصطفى مَعشراً فما
أُنيلَ الحواريّونَ مِن فَضلهم عشرا
٢٠٥. بِمَدحي لَهُم كالآلِ تبريدُ غلّتي
وَلي كَبِدٌ من حبهّم أبداً حرّى
٢٠٦. جَعلتُ وَلائي للفريقينِ حجّتي
فَمِن بعدِ إيماني أرى كنزهُ ذخرا
٢٠٧. فَأحبب بهم قوماً إذا ذكرهُم جَرى
أُحسُّ لجريِ الحبِّ في مهجتي مجرى
٢٠٨. وَإِن عابَهم ذو ضِلّةٍ فكأنّهُ
بأَلفاظهِ أَلقى على مَسمَعي صَخرا
٢٠٩. فَخيرُ الوَرى بعدَ النبيّينَ آلهُ
وَلا سيّما أبناءُ فاطمةَ الزهرا
٢١٠. فَبالحقِّ فاقوا الخلقَ إِذ كانَ نجرُهم
لِسيّد خلقِ اللّه قاطبةً نجرا
٢١١. همُ الطيّبون الطاهرونَ فربّنا
مَحا الرجسَ عَنهم حين طهّرهم طهرا
٢١٢. وَلَم يسألِ المُختار من كلّ مؤمنٍ
على الدينِ إلّا أَن يودّهمُ أجرا
٢١٣. وَأَصحابهُ لا يبلغ الناسُ مدَّهم
وَلا نِصفهُ لو أنفقوا أُحداً تبرا
٢١٤. نُجومُ هدىً من شمسهِ اِقتبسوا الضيا
وَقَد نَشروا في الناس أنوارَه نشرا
٢١٥. وَإِن ذُكِرَت بينَ الورى غزواتهُ
فَقدِّم عليها في سماءِ العُلا بدرا
٢١٦. فللَّه مِنها غزوةٌ كلُّ مؤمن
تَحمّلَ مِن نعماءِ أَصحابها وِقرا
٢١٧. وَكانَ عليٌّ حمزةٌ وعبيدةٌ
أَثافيَها إِن كنتَ شبّهتها قدرا
٢١٨. فَسَل عن عُتاةٍ من قريشٍ قليبهم
فَقَد نجّسَت أَشلاؤُهم ذلكَ السرّا
٢١٩. وفي أُحُدٍ رُؤيا النبيِّ تعبّرت
رَأى بَقراً فيها فعبَّرَها بقرا
٢٢٠. وَلَو ثبتَت فُرسانهُ عند أمرهِ
لتمّت لهُ لكنّهم خالَفوا الأمرا
٢٢١. وَيا خيبةَ الأحزابِ حينَ تَشتّتوا
وَكانَ عَليهم ريحُ نُصرتهِ صِرّا
٢٢٢. وَأَظهرَ دينَ اللَّه في فتحِ مكّةٍ
وَقوّمَ مِن يومِ الحُديبيةِ الظهرا
٢٢٣. وَكانَ لهُ فتح الفتوحِ لأنّه
بهِ نصَبَ الإسلامُ رايتهُ الكُبرى
٢٢٤. قَدِ اِنكَسَرت فيهِ قُريشٌ وإنّما
بإِسلامها فيهِ غَدا كسرُها جَبرا
٢٢٥. وَيومَ حُنينٍ قَد حَباهم بفضلهِ
مَواهبَ مِن غورِ الحَشا سلّتِ الوغرا
٢٢٦. وَصاروا لهُ مِن بعدُ من خيرِ جندهِ
وَقَد عَثَروا لكن أقالَ لهُم عثرا
٢٢٧. وَفي نُصرةِ الإسلامِ لمّا تَصدّروا
تَبوّأ كلٌّ من محافلهِ الصدرا
٢٢٨. وَعادَت ثَقيفٌ أسلَمت باِختيارها
وَمِن قَبلِها عادَت وقَد حُصِرت حصرا
٢٢٩. وَأطلقَ في يومِ المُريسيعِ أُسرةً
أسارى وقَد أَمسى لسيّدِهم صِهرا
٢٣٠. وَكَم همّ كفّارُ اليهودِ بغدرهِ
فَخابوا وَما نالوا منَ الظفَرِ الظُفرا
٢٣١. وَعامَلَهم بالرِفقِ والحلم صابرا
فَمِن لُؤمهم لم يتركوا الختلَ والخترا
٢٣٢. وَمَهما رَأوا منه وفاءً بذمّةٍ
يَرى كلَّ يومٍ مِن خِيانَتهم خفرا
٢٣٣. فَلمّا رَآهم هَكذا شرَّ مَعشرٍ
رَأى الحزمَ أَن يَستعمل الحرب والحذرا
٢٣٤. فَقنّعَ خِزياً قينقاعَ بنفيهم
وَزوّدهم فَقراً وأسلمهم قفرا
٢٣٥. وَأَجلى نَضيراً بعدَ قطعِ نخيلهم
وَأَحرَمهم من لينهِ التمرَ والبُسرا
٢٣٦. وَلمّا اِعتَدَت بَغياً قُريظةُ ساقها
إِلى حَتفها للموتِ قَد حُشِرَت حشرا
٢٣٧. وَفي نَشرها بالسيفِ نالت جزاءَها
فَما حَمِدت مِن كُفرها الحشرَ والنشرا
٢٣٨. وَخَيبَرُ قَد أَلقَت إِليه حصونها
ذَخائرَها وَالنخلُ سلّمه التَمرا
٢٣٩. وَشُجعانُها داموا عَبيداً له بها
مَساحيهمُ أنستهمُ البيضَ والسمرا
٢٤٠. وَكانوا ذَوي كرٍّ وفَرٍّ لدى الوغا
فعوّضَهم في حقلهِ الكرَّ والفرّا
٢٤١. وَكانوا بِأعلى مَنعةٍ مِن حُصونِهم
وَلَم يرهَبوا مِن حِرزِها الليثَ والنَسرا
٢٤٢. فَلمّا غَزاهم لَم تُفِدهم وأَشبهوا
أَرانبَ مِن خَوفٍ بها لَزِمت وكرا
٢٤٣. وَسالَ عَلى وادي القرى سيلُ جيشهِ
فَأجرى بِها ما كانَ في خيبر أجرى
٢٤٤. وَساقَ السَرايا للأعاربِ حولهُ
فَما تَركوا لِلشركِ في أرضِهم سورا
٢٤٥. وَأَرسلَ مِن أصحابهِ يوم مؤتةٍ
أُسوداً بأرضِ الشامِ قَد زَأَروا زأرا
٢٤٦. فَجرّوا عَلى الجيشِ العرمرمِ ثلّةً
بِها قَصروا من قيصرَ العسكر المجرا
٢٤٧. وَكَم أَسلمَت مِن غيرِ حربٍ قبيلةٌ
وَما سَمِعَت إلّا التلاوة والذكرا
٢٤٨. بِدونِ قتالٍ آمنت يمنٌ وإذ
غَزا بتبوكَ الروم فرّوا وما فرّا
٢٤٩. وَما النَصرُ إلّا اللَّه مانحهُ له
ومِن فوقهِ الأسبابُ أَسبَلَها سترا
٢٥٠. وَكَم غمَرت قَوماً غمارُ هباتهِ
وَنالَت وفودُ العربِ نائلهُ الغمرا
٢٥١. وَحَجَّ بعامِ العشرِ أفضلَ حجّةٍ
بِها ودّعَ الأصحابَ وَالبيتَ وَالحِجرا
٢٥٢. وَعادَ كبدرِ التمِّ تمَّ كمالهُ
وَفي طيبةٍ صارت سحابتهُ قَبرا
٢٥٣. وَما حَجَبت عَن قومهِ غير شخصهِ
وَأَنوارهُ قَد عمّتِ البرّ والبحرا
٢٥٤. وَخلّفَ شَرعاً مثله ظلّ هادياً
تَبوّأَ مِنهم في مكانتهِ الصدرا
٢٥٥. وَمن قبرهِ خيرِ القبورِ أمدّهم
بِنورٍ وطيبٍ أَخجَلا الزهر والزهرا
٢٥٦. فَأعظِم بهِ أفقاً به خير نيّرٍ
بهِ ثغرُ دين اللَّه ما زال مفترّا
٢٥٧. أَيا صفوةَ الرحمنِ يا خيرَ خلقهِ
وَأَعظَمهُم فَضلاً وأرفعهم قدرا
٢٥٨. لكَ الفخرُ كلُّ الفخرِ إذ كنت عبدهُ
وَسدتَ عَلى كلِّ الأنامِ ولا فخرا
٢٥٩. وَكلُّ كَمالٍ في الخلائقِ كلّهم
فَأنتَ لهُ أصلٌ وأنت به أحرى
٢٦٠. نَعَم أنتَ مخلوقٌ ولست بخالقٍ
ولكِن لكَ الرَحمنُ قَد وكّل الأمرا
٢٦١. وَسوّاكَ شمسَ العالمينَ مُمدّهم
فلَو فَقَدوا إِمدادها أظلَموا فورا
٢٦٢. وَإِنّك عبدُ اللَّه قاسمُ فَضلهِ
عَلى خلقهِ تُعطيهمُ القُلَّ والكثرا
٢٦٣. أَقبحُ كلِّ العالمينَ جَهالةً
جَهولٌ لمَن لَم يلفِ مِن غيرهِ خيرا
٢٦٤. وَمَهما يَكُن في جَهلهِم بكَ مُنكرٌ
فَأعظَمُ منهُ جهلُهم ربّهم نكرا
٢٦٥. قَريباً يزولُ الجهلُ عَنهم مَتى رأوا
لِواءكَ تَتلوهُ شفاعتكَ الكبرى
٢٦٦. عَليكَ صَلاةُ اللَّهِ مقدار فضلهِ
تَدومُ تَفوقُ الكمّ والكيف والحصرا
٢٦٧. وَمِن عَجبٍ أنّ الخلائقَ كلّهم
وَقَد ظهرَ الإِسلامُ لَم يُسلِموا طرّا
٢٦٨. وَكيفَ اِختيارُ العاقِلين لغيرهِ
وَلَو عَلِموا أَسرارهُ رَفضوا الغيرا
٢٦٩. فَما عاقِلٌ مَن لَم يُصدّق مُحمّداً
وَبُرهانهُ كالشمسِ قَد ظَهَرت ظُهرا
٢٧٠. وَلا سِيّما أهلُ الكتابِ فَكَم رأوا
بَشائرَ مِنها طابقَ الخبرُ الخُبرا
٢٧١. بهِ وَرَدت كتبُ المليكِ لرسلهِ
عَلامةُ صدقِ المُصطَفى فوقَها طرّا
٢٧٢. بِخاتمِ رسلِ اللَّه مَختومةً أَتت
فَما تَرَكت لِلجاحِدين له عُذرا
٢٧٣. لَقَد عَلِموهُ خاتِماً ذا جواهرٍ
وَلَكنّها في كُتبِهم طُمِرَت طمرا
٢٧٤. بِها هو أَغنى المُرسلينَ لأنّها
كُنوزٌ بنَت أسلافُهم فوقَها جدرا
٢٧٥. أَتى بعضُها نصّاً صَريحاً وبعضُها
أَتى برموزٍ مِثلَما تقرأُ الجفرا
٢٧٦. لَقَد علِموه صادقاً غيرَ أنّهم
لحقدٍ بهم مدّوا له النظرَ الشزرا
٢٧٧. وَقَد درّبوا مِن شدّةِ الكفرِ وُلدَهَم
على بُغضهِ مِن حينِ شُربهمُ الدرّا
٢٧٨. لِما عَلِموهُ مِن تبلُّجِ دينهِ
فَلا أحدٌ إلّا يراهُ هو الأحرى
٢٧٩. وَكَم عاقلٍ منهم تحقّق صدقهُ
ولكِن قضاءُ اللَّه قَد حجَرَ الحجرا
٢٨٠. سَلاسلُ أقدارٍ منَ اللَّه حُكّمت
بِأعناقِهم قادَتهم للرَدى قَسرا
٢٨١. عَداوَتهم مَوروثةٌ فَقُلوبهم
حياضٌ منَ النيرانِ قد مُلِئت جمرا
٢٨٢. وَكَم مِن فَتىً يَدري بفضلِ عدوّهِ
وَيُبعدهُ الضغنُ الّذي ملأ الصدرا
٢٨٣. وَيَصعبُ تغييرُ العقيدةِ بعدما
يَعيشُ عَليها المرءُ في قومهِ عمرا
٢٨٤. وَكَم ذا رَأينا عاقلاً منهمُ صحا
وَكانَ بخمرِ الكُفرِ مُمتلئاً سكرا
٢٨٥. تَشرّفَ بِالدينِ الحنيفيِّ مُسلماً
وَعاشَ بِفضل اللَّه مُمتلئاً شكرا
٢٨٦. وَيا قاتلَ اللَّهُ اليهودَ فَإنّهم
أَشدُّ الوَرى كُفراً وَأَخبثُهم مَكرا
٢٨٧. عَقيدَتُهم في اللَّه شرُّ عَقيدةٍ
تَنزّهَ عَنها ربّنا وعلا قدرا
٢٨٨. وَقَد حرّفوا مثلَ النَصارى كِتابهم
وَزادوا حُروفاً حِبرُها لعنَ الحبرا
٢٨٩. وَأَفحشُها يعقوبُ صارعَ ربّه
فَيا بِئسَ هَذا القول مِن فريةٍ تُفرى
٢٩٠. عَقيدتُهم تَجسيمُ ما يعبدونهُ
فَكَم عَبدوا جِسماً وَكَم كَفروا كفرا
٢٩١. سَجيّتهم فعلُ الخناءِ وَدينهم
كَأنفسِهم خُبثاً حَوى العارَ والعُرّا
٢٩٢. فَلا تَعجَبَن مِن قرفهم أنبياءَهم
وَهُم خيرُهم نَفساً وأطهرهم أزرا
٢٩٣. فَفي طَبعهم بغضُ الخيارِ لأنّهم
على الشرِّ والشنّار قد فُطِروا فطرا
٢٩٤. وَلا عجَبٌ إِنكارهم لمحمّدٍ
وَقَد فَعلوا من قبلُ في الأنبيا النُكرا
٢٩٥. وَكَم أَسفَرت فيهِ بأسفارِ دينهم
بَشائرُ لَكن لَم تجِد عندَهم بِشرا
٢٩٦. وَكَم شاهَدوا منهُ شواهدَ جمّةً
زَواهرَ يَعلو نورُها الأنجمُ الزُهرا
٢٩٧. وَمَهما يَزِدهُم مِن محاسنِ خيرهِ
يزيدونهُ مِن قُبح إِنكارِهم شرّا
٢٩٨. وَكَم أَظهَروا بِالجهرِ حفظَ عهودهِ
منَ الخَوفِ واِختاروا خيانتهُ سرّا
٢٩٩. فَأَفناهُمُ بِالقتلِ والنفيِ آخِذاً
لِعيسى وباقي الأنبيا منهم الثأرا
٣٠٠. فَكَم مِن نَبيٍّ منهمُ فَتكوا بهِ
فَكانوا وَما زالوا أشدَّ الورى خسرا
٣٠١. وَمِن سادةِ الأحبارِ قد حلّ حبُّهُ
قُلوباً بنورِ العلمِ قَد عُمِرَت عمرا
٣٠٢. فَجاؤوا إِليهِ مُسلمينَ لمَا رأوا
بَشائرهُ في كُتبِهم بهَرَت بَهرا
٣٠٣. مُخيريقُ بحرِ الجودِ مِنهم وَحبرُهم
فَتى العلمِ عبدُ اللَّه أكرِم به حبرا
٣٠٤. وَكَم مِن يَهودٍ صدّقوا سيّدَ الورى
وَلكنّهم كانوا بِنسبتهم نزرا
٣٠٥. وَمُؤمنهُم إِيمانهُ ضدّ طبعهِ
وَكافِرُهم بالطبعِ قد ناسبَ الكفرا
٣٠٦. خَبائثُهم لا يَنتَهي وصفُ رِجسها
فَكم لوّثوا عَصراً وكم لوّثوا مِصرا
٣٠٧. وَقَد مُسِخَت مِنهم خنازيرُ جمّةٌ
وَبَعضٌ غدا قرداً وبعضٌ غدا فأرا
٣٠٨. لَقَد شَمِلتهم لعنةٌ بعد لعنةٍ
منَ اللَّه مَغضوبين قَد دُحِروا دحرا
٣٠٩. فَدَعهم فإنَّ اللعنَ أَعمى قلوبهم
بهِ عَن شهودِ الحقِّ قَد قُصِروا قصرا
٣١٠. وَقُل للنَصارى ما لكم مع عُقولكم
وَقَد ظهرَ الإسلامُ ولّيتمُ الظَهرا
٣١١. فَأَنتُم إذاً مثلُ اليهودِ بِجَحدكم
كِلاكُم عنِ الحقِّ المُبينِ قد اِزورّا
٣١٢. أَما عجَبٌ منكُم جحودُ محمّدٍ
وَقَد بَهَرت آياتهُ الشمسَ والبدرا
٣١٣. وَقَد قالَ إنّي مُرسلٌ مِن إِلهكم
فَصدّقه لمّا أتاحَ له النصرا
٣١٤. وَأَنتُم رَأيتُم نصرهُ وسمعتمُ
وَآثارهُ قد عمّتِ البحرَ والبرّا
٣١٥. أَتى الخلقُ بالدينِ القويمِ مُهذّباً
منَ اللَّه إنّ اللَّه لا يشرعُ الهذرا
٣١٦. وَليسَ لَكُم عذرٌ بتركِ اِتّباعهِ
فَإِنجيلُ عيسى عنه صرّحَ بالبشرى
٣١٧. وَتوراةُ موسى قَد تحلّت بذكرهِ
فَكَم زيّنت رُؤيا له عُبرت عبرا
٣١٨. وَدَعوةُ دينٍ ليس تبقى لكاذبٍ
ثلاثينَ عاماً قَد جرى ذلك المجرى
٣١٩. وَدَعوتهُ دامَت وَعمّ اِنتِشارها
سنينَ مئاتٍ أربعاً تتبع العشرا
٣٢٠. وَبشّرَ نَسطوراً بهِ ونظيرهُ
بَحيرا وكلٌّ كان في علمه بحرا
٣٢١. وَمِن بيّناتِ الصدق أَعطاهُ ربّهُ
دَلائلَ يَعلو نورُها الأنجمَ الزهرا
٣٢٢. وَكَم مِن نَبيٍّ تُؤمنون ببعثهِ
وَما نالَ مِن مِعشارِ آياتهِ العُشرا
٣٢٣. وَملّتهُ كالشمسِ في الكونِ أَشرَقت
وَقَد نَسَخت أنوارُها المللَ الأخرى
٣٢٤. بِها جمعَ اللَّه المَحاسنَ كلّها
وَقدّسَها القدّوسُ عَن كلّ ما أزرى
٣٢٥. وَها أَنا قَد أَوضحتُ ما هو واضحٌ
لَكُم مِن هُدى الهادي وملّته الغرّا
٣٢٦. وَبيّنتُ مِن آفاتِ ملّتكم لكم
عجائبَ لا تُبقي لِتابعها عذرا
٣٢٧. بَذلتُ لكُم منّي نَصيحةَ مُشفقٍ
وَلا أَبتَغي شُكراً لديكم ولا أجرا
٣٢٨. وَلَكن بودّي أنّ دين محمّدٍ
تعمُّ جميعَ الناسِ نعمتهُ الكُبرا
٣٢٩. أَجيراننا واللَّه إنّي لَخيركم
مُحبٌّ كنفسي إِذ أُحبُّ لَها الخيرا
٣٣٠. أَلا اِنتبِهوا مِن قبل أن تَتَنبّهوا
بِموتٍ ترَونَ الأمرَ مِن بعدهِ مرّا
٣٣١. نَراكُم أدقّ الناسِ فِكراً بصنعةٍ
وَأبلدَ خلقِ اللَّه في ربّكم فكرا
٣٣٢. نَرى لكمُ عَقلين عَقلاً لدينكم
وَعَقلاً لِدُنياكم بها زندهُ أورى
٣٣٣. وَأمّا الّذي لِلدين فهوَ عِقالكم
عَنِ الحقِّ مَأسورين في قيدهِ أسرا
٣٣٤. وَقَد كنتمُ مِن قبل تخفونَ دينكم
حَياءً فلا أدرى لمَ اِخترتمُ النَشرا
٣٣٥. وَيا لَيتَكُم أبقيتموهُ مُحجّباً
فَمِن فطنةِ الشوهاءِ أَن تلزمَ الخِدرا
٣٣٦. وَواللَّه لَولا أنّكم تَنشورنهُ
لَنا وَكَشفتُم عَن مَعايِبه السِترا
٣٣٧. لَما كانَ ذو عقلٍ يَرى أنّ عاقلاً
يَدينُ بهِ مَهما غَدا عقلهُ نزرا
٣٣٨. إِذا كانَ فضلُ السبقِ يَحمِلكم على
بَقاءٍ على الدين القديم وإن أزرى
٣٣٩. فَكونوا يَهوداً واِعملوا باِعتقادهم
بِعيسى وإلّا فاِتبعوا الملّة الغرّا
٣٤٠. أَلَم تَنظروا يا قوم دينَ محمّدٍ
وَفي أُفقهِ شمسُ الهُدى سفَرت سفرا
٣٤١. جَعَلتُم إلهَ العالمينَ ثلاثةً
غَلِطتُم فإنّ اللَّه لا يقبلُ الكُثرا
٣٤٢. وَإِذ قلتم كَي تُصلِحوا فحشَ غيّكم
ثَلاثَتها فردٌ غدا أمركم إمرا
٣٤٣. ثَلاثتُها فردٌ وفردٌ ثلاثةٌ
فَيا لك زوراً صيّر العقلَ مُزورّا
٣٤٤. وَلا عذرَ عندَ اللَّه والعقلِ لاِمرئٍ
يَدينُ بأنّ اللَّه قَد حلّ في العذرا
٣٤٥. وَلكنّ روحَ القدسِ إذ جاء نافخاً
بِها حَمَلت عيسى وما بَرِحت بكرا
٣٤٦. وَأَلقتهُ طِفلاً مثل أبناء آدمٍ
وَما زادَ شَيئاً عن سواه ولا ظفرا
٣٤٧. وَبالدرِّ غذّتهُ فللَّه درّهُ
نَبيّاً كَريماً كان في أمِّهِ برّا
٣٤٨. وَقَد كانَ مثلَ الناسِ في كلِّ حاجةٍ
فَيأكلُ مُضطرّاً ويخرجُ مُضطرّا
٣٤٩. وَإِن كانَ مِن أمٍّ أَتى دون والدٍ
فَآدمُ من فخّارةٍ أحرزَ الفخرا
٣٥٠. وَحوّاءُ في عكسِ المسيحِ تخلّقت
فَلا أمَّ بَل من ضلعِ آدَمها اليُسرى
٣٥١. ثَلاثةُ أَقسامٍ ورابعُها الّذي
بَرا اللَّه مِن أبناءِ آدمَ أو يبرا
٣٥٢. وَلَو لَم يَكُن عيسى بَرا اللَّه غيرهُ
لِتكملةِ الأقسامِ أربعةً حصرا
٣٥٣. وَذاك دليلٌ أنّه قادرٌ على
خلافِ الّذي فيه عوائدَهُ أجرى
٣٥٤. ولمّا حباهُ اللَّه منه نبوّةً
بِها فاقَ كلَّ الخلقِ في عصره خيرا
٣٥٥. أَرادتهُ لِلقتلِ اليهودُ فحافهم
عَلى نفسهِ تلكَ النفيسة أن تُزرى
٣٥٦. فَصارَ يُنادي مُستَغيثاً بِربّه
وَقادوهُ رَغماً عَن إِرادتهِ جَبرا
٣٥٧. وَقَد وَضعوا إِكليل شَوكٍ برأسهِ
شرارُ الوَرى حتّى بهِ سَخروا سخرا
٣٥٨. وكانَ له حزبٌ ضعيفٌ فعندما
أَحاطَ بهِ أعداؤهُ للرَدى فرّا
٣٥٩. وَساقوهُ مَكتوفاً عليه صليبهُ
إِلى أَن علا في زَعمهم فوقَهُ قَسرا
٣٦٠. وَقَد حاوَلت فيهِ النَصارى عقيدةً
لأن يَجعَلوا فوقَ الهوانِ له سِترا
٣٦١. فَقالوا جَرى ما قد جرى باِختيارهِ
لَقَد أَخجلوا وجهَ الحقيقة فاِحمرّا
٣٦٢. فَإن كانَ حقّاً ما جَرى باِختيارهِ
فَما بالهُ قد أظهرَ الخوفَ والذُعرا
٣٦٣. وَإِن كانَ مَسروراً بقهر عدوّهِ
لهُ فَلِماذا لم يكُن يظهرُ البِشرا
٣٦٤. وَقَد كانَ في حزنٍ عظيمٍ فما لنا
نَرى حزبهُ هذا بنكبتهِ سُرّا
٣٦٥. وَهبهُ عَلى ناسوتِهِ كان جارياً
فَكيفَ منَ اللاهوت لم يجدِ النَصرا
٣٦٦. وَمَع كونِ كلِّ شَطر كلّ بمزجهِ
فَكيفَ بهِ ما حازَ من صلبهِ الشطرا
٣٦٧. وَإِن كانَ هذا كلّه كانَ باِبنهِ
فَكيفَ تخلّى عنه أو وجدَ الصبرا
٣٦٨. أَما يَستحقُّ الذمَّ يا قوم والدٌ
أَعزُّ بنيهِ لا يشدُّ به أزرا
٣٦٩. عَجائِبهم لا تَنقضي فبحزنهِ
لهُم فَرحٌ والكسرُ كان لهم جبرا
٣٧٠. وَقَد جَعلوا عيداً لهم يوم صلبهِ
فَكم طَبلوا طبلاً وكم زمروا زمرا
٣٧١. فَيا قومِ هذا يومُ أحزانِكم أما
لَديكم عقولٌ تفرقُ الخير والشرّا
٣٧٢. لَعَمري وعمر الحقِّ إنّ فعالكم
دَلائلُ قَطعٍ أنّ في عقلكم عقرا
٣٧٣. فَحظّكم حظرٌ لما جوّزَ النُهى
وَجوّزتمُ ما كانَ عندَ النهى حضرا
٣٧٤. تَقولونَ ربٌّ ثمّ قلتم عبيدهُ
شرار الوَرى جاروا على صنعته جورا
٣٧٥. وَما يَستحقُّ اِسم الإله سِوى الّذي
تَعالى اِقتداراً أن يُهان وأن يُزرى
٣٧٦. أَلا أَخبرونا هل سَمِعتم بمعشرٍ
سِواكُم رَأوا في صلبِ ربّهمُ فخرا
٣٧٧. فَهذا اِعتقادُ القومِ والحقُّ أنّه
دَعا ربّهُ فَوراً فخلّصهُ فَورا
٣٧٨. وَأَلقى عَلى من خانهُ شَبهاً به
فَكانَ هو المصلوبَ إذ دلّهم غدرا
٣٧٩. وَأمّا المسيحُ الحقُّ فاللَّه خصّه
بِرفعٍ إليهِ حيثُ بالمُصطفى أسرى
٣٨٠. هَنيئاً لهُ مِن مُرسلٍ عند ربّهِ
بِأهنأِ عَيشٍ لا يجوع ولا يعرى
٣٨١. وَأكرمهُ أحلى الكرامة بَعدما
قَضى مرَّ عيشٍ بين أعدائهِ مرّا
٣٨٢. وَكَم مِن دَعاوٍ يدّعونَ لصلبهِ
تودُّ لَها الأسماعُ أَنّ بِها وقرا
٣٨٣. يَقولونَ كلُّ الناسِ مِن نسل آدمٍ
بِزلّته في سجنِ إبليسَ قد قرّا
٣٨٤. إِلى أَن أَتى عيسى فَداهُم بِنفسهِ
وَأَبدَلهم بالعسرِ مِن سِجنهم يُسرا
٣٨٥. وَما ذَنبُهم إِن كانَ آدمُ قَد جنى
نَعَم قَد جَنى واللَّهُ قَد جبرَ الكسرا
٣٨٦. وَيَحملُ إِن لم ينف مَولاهُ وزرهُ
فَما بالُهم قَد حمّلوا غيرهُ الوِزرا
٣٨٧. وَيُمكنُ عفوُ اللَّه عَن كلِّ مُذنبٍ
وَما يَقتَضي أَن يركب المركبَ الوعرا
٣٨٨. رَمى نفسَهُ بالصلبِ والضربِ والأذى
وَما أذنَبت يا بئسَ ما مَعها أجرى
٣٨٩. وَأَظلم كلّ الناسِ ظالم نفسهِ
بإهلاكها حتّى بها قد وَقى الغيرا
٣٩٠. فَإن لَم يَكُن خيرٌ لديه لنفسهِ
فَهل أحَدٌ منه يَرى بَعدها خيرا
٣٩١. وَإِن كانَ شرّ العالمين لنفسهِ
فَمَن ذا الّذي مِن نحوهِ يأمنُ الشرّا
٣٩٢. وَلَو صحَّ هَذا لاِقتضى فيهِ أنّهُ
أَقلُّ الوَرى عَقلاً وأضعفُهم فكرا
٣٩٣. وَأَفعالهُ مثلُ المَجانين ما لها
لَدى عقلاءِ الناس من حكمة تدرى
٣٩٤. فَما لِلنَصارى يثبتونَ اِحتقارهُ
وَقَد زَعموا أَيضاً ألوهتهُ الكُبرى
٣٩٥. وَحاشاهُ مِن هذا وذاكَ وكلّ ما
عَلا عنهُ مِن وصف الألوهةِ أو أزرى
٣٩٦. كِلا طرفَي حقِّ النبوّة باطلٌ
فَمَن زادهُ قَدراً كمن زادهُ حقرا
٣٩٧. أَليسَ إِذا ما قلتَ للعبدِ سيّدٌ
تَكونُ بهِ في حقّهِ ساخِراً سخرا
٣٩٨. إِلى اللَّه مِن خفضِ اليهودِ لقدرهِ
بَرئتُ وَمِن رفعِ النَصارى له أَبرا
٣٩٩. وَلكنّهُ مِن سادةِ الرسلِ سيّدٌ
وَأَرفعُ خلقِ اللَّه في عصره قدرا
٤٠٠. نَبيٌّ رسولٌ مِن أُولي العزمِ كلّنا
نُواليهِ والأَولى به صاحبُ الإسرا
٤٠١. عَليهِ مِن اللَّه السلام يحوطهُ
وَيدفعُ عنهُ ذلكَ الزورَ والإزرا
٤٠٢. وَواللَّه إنّي في المنامِ رأيتهُ
كَما وصفَ المُختارُ ذا طلعةٍ حمرا
٤٠٣. وَخاطبتهُ في بعضِ شأنٍ قصدتهُ
لَهُ خدمةً منّي له فليَ البشرى
٤٠٤. وَقَد عبَدوا شكلَ الصليبِ كأنّه
إِلهٌ وأنّ اللَّه سلّمه الأمرا
٤٠٥. وَما هوَ إلّا قِطعتا خشبٍ علت
بِعرضٍ على إحداهُما القطعةُ الأخرى
٤٠٦. بِصورةِ إنسانٍ ولكنّ رأسهُ
وَكفّيهِ وَالرجلين قد بُتِرَت بترا
٤٠٧. قَدِ اِلتَصَقت فَخذاه والساقُ واحدٌ
وَمدَّ يديهِ باليمينِ وَباليُسرى
٤٠٨. فَلا قَدمٌ يَسعى بِها فهو مُقعدٌ
وَأقطع لا شبراً حواه ولا فترا
٤٠٩. وَإِنّا نراكُم تنظرونَ عيوبهُ
مَحاسنَ مسحورينَ في شكلهِ سحرا
٤١٠. وَهَب أنّ أوصافَ الألوهة قد سرت
بِعودٍ عليه ذلكَ الجسمُ قد قرّا
٤١١. فَمِن أينَ جاءَت كلّ شيءٍ مصلّبٍ
وَمِن ذاتهِ ما مسّ بطناً ولا ظهرا
٤١٢. وَمِن أينَ حلّت في إِشارَتكم بهِ
عَلى جِسمِكم تستدفعونَ بهِ الشرّا
٤١٣. أَفي كلِّ شَيءٍ ناقضَ العقلَ دينكم
كأنَّ عليكم في وِفاقِ النُهى حجرا
٤١٤. مَتى أحَدٌ مِنكم رأى قطّ واحداً
رَأى مِن صليبٍ قَد تقلّدهُ خيرا
٤١٥. فُتِنتُم بهِ مِن غيرِ أسبابِ فتنةٍ
يُقالُ لأهليها لعلَّ لَهُم عُذرا
٤١٦. هوَ الوثنُ الأعلى الّذي عمّ شرّهُ
فَما اللات وَالعزّى وثالثةٌ أخرى
٤١٧. فَلَم يُرَ في الأكوانِ شكلٌ كشكلهِ
بِفتنتهِ الشيطانُ قَد نَشرَ الكفرا
٤١٨. وَلَم يُر في الأوثان في كلّ بلدةٍ
بِها عُبِدت ما حازَ من شرّه العشرا
٤١٩. فَلا غروَ أنّ المُصطفى كانَ عندَما
يَرى شكلَهُ في الشيءِ حوّله غَيرا
٤٢٠. لَقَد كانَ يَشكو الجورَ لو كانَ عاقلاً
فَقَد حمّلوهُ مِن غَرائِبهم إِصرا
٤٢١. فَطَوراً ترى مثواهُ فوقَ رؤوسهم
وَطَوراً تراهُ تحتَ أَقدامِهم خَصرا
٤٢٢. وَكَم عَبدوا وسطَ الكنائسِ شكلهُ
كَصورةِ عيسى وَالحَوارين والعذرا
٤٢٣. فَهَذي هيَ الأوثانُ وهيَ بيوتها
وَكَم أَنفقوا تِبراً وكم نَذروا نذرا
٤٢٤. فَما بالُهم قَد أَلحقوا الذمّ كلّه
بِمَن عَبدوا الأصنامَ والعجلَ والثورا
٤٢٥. أَما يُنصِفونَ القومَ فالأمر واحدٌ
كِلاهم عنِ الدينِ القويم قد اِزورّا
٤٢٦. وَسيّدنا عيسى بَريءٌ وأمّه
منَ الشركِ أو أن يَمنحا مُشركاً شكرا
٤٢٧. وَكَم فَتياتٍ راهباتٍ وفتيةٍ
رَهابين من زهدٍ بِهم سَكنوا دَيرا
٤٢٨. وَيا حبّذا تلكَ الفعالُ لو اِنّها
تَكونُ معَ الإسلامِ نالوا بها أجرا
٤٢٩. وَلَكنّهم مَع شِركهم بإِلههم
وَلَم يُؤمِنوا بالمُصطفى ضيّعوا العُمرا
٤٣٠. فَوا أسفا من حَبسهم لنفوسهم
لَقَد خَسروا الدُنيا وما ربحوا الأخرى
٤٣١. وَلكنّهم كفّوا عنِ الخلقِ شرّهم
وَما أَوصَلوا للناسِ نفعاً ولا ضرّا
٤٣٢. فَلَو كانَ تركُ الشرِّ يَقضي بشكرهم
عَلى ما بِهم أكثرتُ في حقّهم شُكرا
٤٣٣. وَشبّه إِذا ما شئتَ بالضبِّ بعضهم
ثَوى لِخداعِ الناس من ديره جحرا
٤٣٤. وَمِنهم قسوسٌ خالَفوا الناس للأذى
وَجرّوا علَيهم مِن لَظى غيّهم جمرا
٤٣٥. رَموا بِسهامِ الخبثِ في كلّ بلدةٍ
كَسلحِ الحَبارى حينَ ترمي به الصَقرا
٤٣٦. وَقَد زَعَموا التبشيرَ لكنَّ ربّنا
يُكذِّبُهم إِذ قالَ في الذكر لا بُشرى
٤٣٧. فَيا بئسَ هُم مِن مُجرمينَ جَزاؤُهم
سُجونٌ من النيرانِ تحجرهم حجرا
٤٣٨. أَضرّت بِهم أنوارُ دين محمّدٍ
فَهرّت منَ الأنوارِ أكلبهم هرّا
٤٣٩. وَكَم نَبحوهُ وَهو في الأفق طالعٌ
وَلكنَّ نبحَ الكلبِ لا يصل البدرا
٤٤٠. وَما ساءَني إِغواؤهم لمعاشرٍ
منَ الناسِ ضلّوا أبدلوا كفرَهم كفرا
٤٤١. وَلكنّهم عاثوا وَلاثوا وأفسدوا
وَشنّوا على الإسلامِ من شركهم شرّا
٤٤٢. أُولئكَ أقوامٌ إذا قال قائلٌ
همُ شرُّ خلقِ اللَّه قلتُ له جيرا
٤٤٣. وَمِن أعجبِ الأشياء خبزٌ وخمرةٌ
إِذا طفقَ القسّيسُ فوقهما يقرا
٤٤٤. يَصيرانِ حالاً لحمه ودماً له
فَأعجِب بهِ خُبزاً وأعجب بها خمرا
٤٤٥. أَما يَستحيلُ اللَحمُ والدمُ في الحشا
إِلى قَذرٍ لا أَستحبُّ لَه ذكرا
٤٤٦. فَهَل أحَدٌ في الكونِ يرضى لنفسهِ
بِهذا فَيرضى الربُّ سُبحانهُ برّا
٤٤٧. وَكَم قَد أتى في الأرضِ منهم طوائفٌ
إِلى عصرهِ عصرٌ قَفا قبلهُ عصرا
٤٤٨. فَلَو أَكلوا عيسى وَآلافَ مثله
لَما كانَ يَكفيهم عشاءً ولا فطرا
٤٤٩. وَلَو شَرِبوا أَضعافَ ما فيه من دمٍ
لَما كانَ يرويهِم وَلو قَد جَرى نَهرا
٤٥٠. رَوى لهمُ الراوونَ عنه مقالةً
كُلوا واِشربوا لَحمي دمي الخبزَ والخمرا
٤٥١. فَإن قالَ ذو عقلٍ لهم إنّ قولهُ
مَجازٌ بِمَعنى أَن يُديموا له الذِكرى
٤٥٢. وَخَصّص قوتاً ليسَ يُنسى بحالةٍ
لِذكراهُ كلُّ الناسِ لا زال مضطرّا
٤٥٣. يَقولونَ بَل هذا الحقيقةُ عينُها
دَماً شَرِبوا منه وقد أكَلوا هبرا
٤٥٤. وَمَن لَم يُكذّب حسّه باِعتقادهِ
وَيَرضى بِهذا ينسبونَ لهُ الكُفرا
٤٥٥. فَلَم يبقَ مِنهم عاقلٌ غير كافرٍ
وَأصبحَ زِنديقاً إذ اِستقبَح الأمرا
٤٥٦. مَتى كانَ شرطُ الدين جنّة أهلهِ
وَإِن أعمَلوا فِكراً به عملوا كُفرا
٤٥٧. مَتى كانَ شرطُ الدين إن قالَ قِسُّهم
لِزنجيّةٍ شَقرا يقالُ نعَم شقرا
٤٥٨. فَلا تلمِ الدهرين إِن سَخِروا بهم
وَإِن خَسِروا أيضاً فمن جهةٍ أخرى
٤٥٩. وَلا تَنسَ خنقَ القسِّ مَن كان مُشرفاً
عَلى موتهِ إِن كان بالظنِّ لا يبرا
٤٦٠. يمدُّ يديهِ قابضاً فوق حلقهِ
لِيقبضَ تلكَ الروح يعصرهُ عصرا
٤٦١. يَقولونَ إِن لم يقبضِ القسُّ روحه
يُباشِرُها الشيطانُ يَأخذُها قهرا
٤٦٢. وَيَبقى بنيرانِ الجحيم مخلّداً
وَإِن كانَ أَتقاهم وأكثرهم برّا
٤٦٣. وَأَخبَرني منهم فتىً فرّ هارباً
فَعاشَ زَماناً طال من بعد أن فرّا
٤٦٤. وَيا ليتَ شعري كَم قتيلٍ معلّقٍ
بِرقبةِ ذاكَ القسِّ قَد جرّهُ جرّا
٤٦٥. وَهل يُعجِزُ اللَّهَ الشفاءُ وإنّه
لَيُحيي الّذي من ألف عامٍ ثوى قبرا
٤٦٦. وَكَم مِن مَريضٍ آيسٍ من حياتهِ
وَبتّ كثيرٌ من أطبّائه العُمرا
٤٦٧. شَفى سُقمه الرحمنُ مِن مَحضِ لطفهِ
وَعمَّره من بعدِ أَن يَئِسوا دَهرا
٤٦٨. وَإِذ عجَزت عنهُ صناعةُ طبّهم
أَجابوا نَعم فوقَ الصناعةِ قَد يَبرا
٤٦٩. وَمِن أَقبحِ الأشياءِ حسناء غداةٌ
كأنَّ بِعَينيها إِذا نَظرت سحرا
٤٧٠. مَحاسِنُها تزري بأحورَ مائسٍ
رَنا واِنثَنى كالسيفِ وَالصعدةِ السَمرا
٤٧١. سَبى الناسَ مِنها رِدفُها وَقَوامُها
وَوَجنَتُها الحَمرا وَمُقلتها الحورا
٤٧٢. تَجيءُ عَليها الحليُ والحللُ اِنجلت
مُعطّرةً مصقولةً صفّتِ الشعرا
٤٧٣. بِها يَختلي قِسّيسُها وهوَ أعزبٌ
شَقاشقهُ مِن توقهِ هدَرت هدرا
٤٧٤. فَتَعترفُ الأُنثى له بذنوبها
ولَو بِالزِنا سرّاً ليمنَحها الغفرا
٤٧٥. وَلا جائزٌ منهم هجومٌ عليهما
وَلَو بَقِيا في السرِّ وَحدهما شهرا
٤٧٦. وَربَّ اِمرئٍ من غير قصدٍ عراهما
فَشاهدَ مَدهوشاً بعروتها الزرّا
٤٧٧. وَمَن لَم يَكُن يُجري اِعترافاً كهذه
فَذلكَ أَشقى القومِ أعظمهُم وزرا
٤٧٨. فَأفٍّ لدينٍ يهتكُ العرضَ بالرِضا
وَيوهمُ ربَّ العرض أنّ لهُ أجرا
٤٧٩. مَساكينُ أهل العقلِ منهُم فكَم رَأوا
مَناكير لكن ما اِستَطاعوا لها نُكرا
٤٨٠. وَلَو تُرِكوا فيما أرادوا وَعَقلهم
لَمالَ إِلى الإسلامِ جُمهورُهم جهرا
٤٨١. وَلَكن بحُكمِ الإرثِ للدينِ قلّدوا
رَهابينَهم مَهما رَأوا طعمهُ مرّا
٤٨٢. فَعاشوا نَصارى ظاهرينَ بِدينهم
وَليسَ لَهُم دينٌ إذا كوشِفوا سرّا
٤٨٣. وَمِنهم نَرى في كلِّ وَقتٍ جماعةً
بِإِسلامِهم نالوا السعادةَ والفخرا
٤٨٤. وَكَم بَينَنا مِن مُسلِمين جُدودُهم
نَصارى على الشيطانِ قَد أَحرزوا النصرا
٤٨٥. وَقامَ بِهم قَومٌ غَدا كلّ واحدٍ
عَلى نفسهِ في حكمِ مَذهبهِ حبرا
٤٨٦. وَقَد قَطعوا ما بينَهم من علائقٍ
وَبينَ رَهابين بها اِستَعبَدوا الحُرّا
٤٨٧. وَقَد نَبذوا ما أظهَرَت من زوائدٍ
مَجامِعُهم ممّا بهِ أثقَلوا الظَهرا
٤٨٨. وَضمّوا إلى التوراةِ إِنجيلَهُم فقط
بِها وبهِ أحكامُهم حُصِرَت حَصرا
٤٨٩. وَتَحريفُ هذي الكتبِ أيضاً محقّقٌ
فَقَد نَسبت للأنبيا الفسقَ والكُفرا
٤٩٠. فَيلزمُهم أَن يَحذِفوا كلّ شرّها
وَأَن يَقصُروا في الخيرِ مضمونها قصرا
٤٩١. وَلَو فَعلوا هذا لما كانَ كافياً
إِذا لَم يكُ الرحمنُ في دينِهم وِترا
٤٩٢. وَلَو فَعَلوا هَذا وذاكَ لَما نجَوا
إِذا لَم يَدينوا دينَ ملّتنا الغرّا
٤٩٣. فَما برحَ التثليث للَّه دينهم
وَصلب الّذي يدعون ربّهم قهرا
٤٩٤. وَيا حبّذا لو هُم أتمّوا فأَلحقوا
بِما قَطعوهُ مِن زوائدهِ الخدرا
٤٩٥. فَكلُّ بلاءِ الدين باقٍ بحالهِ
وَما حَذفوهُ منه أيسره شرّا
٤٩٦. فَما برحَ الإصلاحُ في الدين ناقصاً
كأنّهم لَم يَفعلوا ذلك الخيرا
٤٩٧. وَما ثمّ إِصلاح سِوى دين أحمدٍ
وَقَد عَزفوا لكنّهم كابروا كبرا
٤٩٨. تَقولونَ فوقَ العقلِ أسّس دينكم
صَدقتُم فماتَ العقلُ من تحته حَصرا
٤٩٩. فَعِشتُم بِلا عقلٍ تدينون ربّكم
بهِ وعليهِ دينكم قَد غَدا قَبرا
٥٠٠. وَهَذا كلامٌ ديّروهُ لدينهم
يقيهِ لأنّ العقلَ يرمي به دبرا
٥٠١. وَلَو كانَ فوقَ العقل لم تك مدركاً
وقَد أَدركت منهُ النُهى كلّ ما أزرى
٥٠٢. نَعَم هوَ ضدُّ العقلِ ما هو فوقه
وَأَحكامهُ في اللَّه أعظمها نكرا
٥٠٣. وَأَشكل معناهُ لدى كلّ عاقلٍ
وَشاكلَ في آفاتهِ لبُّهُ القشرا
٥٠٤. وَما خيرُ دين ليسَ تُدركه النهى
تَغورُ عَلى أَغوارِ أسراره غورا
٥٠٥. وَلَكنّ فضلَ الدينِ يبدو إذا أتت
عليهِ عُقول الناس تسترهُ سترا
٥٠٦. كَما أنَّ دينَ اللَّه دين محمّدٍ
لَهُ يسّرَ المَولى أئمّته الغرّا
٥٠٧. لَهُ صنّفوا فِقهاً حَديثاً تصوّفاً
عَقائد تفسيراً بإِسنادها تُدرى
٥٠٨. وَقَد شَغلوا الأعمارَ في درسهم له
بِآلاتهِ حتّى بهِ اِستغرَقوا الدهرا
٥٠٩. وَقَد ضَبطوا بالنقلِ والعقل شرعهُ
فَدامَ عَلى أوصافهِ ذهباً نضرا
٥١٠. وَكيفَ بِلا عقلٍ يكون تديّنٌ
إِذاً كلّفوا المجنون والطفل والعيرا
٥١١. أَليسَ مدارُ الدين عقلاً مكمّلاً
لِيُدركَ حكمَ اللَّه والنهيَ والأمرا
٥١٢. عِبارة فوقَ العقل سجنٌ مضيّقٌ
لَقَد حَصروهُم في مضايقهِ حصرا
٥١٣. نَعَم ربّنا فوقَ العقول بذاتهِ
حَقيقتهُ غَيبٌ عن الخلقِ لا تُدرى
٥١٤. وَكلُّ الوَرى في كنههِ ذو جهالةٍ
حَيارى فإنّ اللَّه يَدري ولا يُدرى
٥١٥. وَلكنّنا نَدري بتعريفهِ لنا
كَمالاتهِ والكونُ عن نورهِ اِفترّا
٥١٦. وَأَنتُم وَصفتم ربّكم بمعايبٍ
تُلامونَ لو كُنتم وصفتم بها هرّا
٥١٧. وَهل جائِزٌ أَن يجعلَ اللَّه دينه
يَعودُ عليهِ بالحقارةِ والإزرا
٥١٨. فَشتّان دينُ اللَّه دين محمّدٍ
وَما شاركَ القسّيسُ في وضعهِ الحبرا
٥١٩. لَقَد غلبَ الأديانَ بالحقِّ دينهُ
كَما غلبَ الليثُ الغضنفرُ سنّورا
٥٢٠. وَلمّا بَدا للكونِ ذلّت لعزّه
كَعُصفورةٍ في الجوّ قد شاهَدت صقرا
٥٢١. وَإِن يكُ في شيءٍ بهِ شبهٌ بها
فَذاكَ كَما قد أشبهَ الذهبُ الصفرا
٥٢٢. أَيا عُقلاء الناسِ هل ثمّ عاقلٌ
عَلى أنفسِ الياقوت قد فضّلَ الصخرا
٥٢٣. وَهَل كانَ أو هل قَد يكون أخو حجىً
إِذا خيّروهُ اِختار عَن درّةٍ بعرا
٥٢٤. وَهَل أحَدٌ فيه أقلُّ بصيرةٍ
يَقولُ بِأنَّ التبنَ قَد يفضلُ التبرا
٥٢٥. وَمَن ذا الّذي يختارُ أرضاً وبيئةً
عَلى روضةٍ صحّ الهواء بها خضرا
٥٢٦. أَما ثمّ فَرقٌ بين عينٍ وأختها
فَواحدةٌ حورا وواحدةٌ عورا
٥٢٧. فَأَديانُهم مع ديننا قد تَباينت
لهُ المثلُ الأعلى لها المثلُ الأزرى
٥٢٨. وَلمّا بَدا عجزُ النَصارى بدينهم
أَتَوا بدليلٍ يهذرونَ بهِ هذرا
٥٢٩. فَقَد زَعَموا أنّ الفرنجَ نجاحُهم
بِدُنياهمُ يُعطي إلى دينهم فَخرا
٥٣٠. لَقد أخطأَوا فالقومُ صاروا لسقمهِ
زَنادقةً دانوا الطبيعة والدهرا
٥٣١. وَقَد طَلبوا الدُنيا بِغايةِ جهدهم
كَما جَعلوا في حيّزِ العدمِ الأُخرى
٥٣٢. وَمَن جدَّ في قطعِ البحار بعزمهِ
غَدا عزمهُ فوقَ البحارِ لهُ جِسرا
٥٣٣. عَلى يدِهم أَبدى القديرُ بفضلهِ
إِلى الخلقِ مِن آثارِ قُدرتهِ قدرا
٥٣٤. كَقطرةِ بحرٍ من بحارِ اِقتدارهِ
إِلى الناسِ أَجراها فَكانوا لها مجرى
٥٣٥. بِها اِفتُتنوا كالخمرِ طاشَت عُقولهم
بِها وَبِها زادوا عَلى سُكرِهم سكرا
٥٣٦. عَلى أنّها في الكونِ لا في مكوّنٍ
وَما وَصلت للبّ بَل خصّتِ القِشرا
٥٣٧. بِها كَشفوا عَن بعضِ ما هو كامنٌ
منَ السرِّ سرِّ اللَّه في خلقه سترا
٥٣٨. وَأَسرارهُ في كلّ شيءٍ كثيرةٌ
وَقَد تَنجلي طوراً ولا تنجلي طورا
٥٣٩. وَإِن أَنكروا مِن غيّهم خلقَ ربّنا
جَميعَ الّذي فيهم وفي غيرهم أجرى
٥٤٠. فَقولوا لَهم فَليَخلقوا لِشعيرةٍ
وَمِنهُم أصولُ الخلقِ أو يخلقوا بُرّا
٥٤١. وَلَن يَقدِروا لَو أفرغوا كلّ وسعهم
مَدى الدهرِ في التخليقِ أَن يخلقوا شَعرا
٥٤٢. وَكلُّ اِختراعٍ جاءَ منهم فأصلهُ
منَ اللَّه مخلوقٌ فما صنعوا غيرا
٥٤٣. وَلَكنّه أوصافهُ قد تبدّلت
وَخالقُ أصلٍ خالقٌ كلّ ما يطرا
٥٤٤. وَمَع كونِهم في الطبِّ فاقوا وخيّلوا
بِتصويرِ أمرٍ كونه ذلك الأمرا
٥٤٥. لو اِجتَمعوا من أوّل الدهرِ جملةً
لَما اِختَرعوا روحاً إذا صوّروا ذرّا
٥٤٦. وَقَد صوّروا عَيناً لفاقدِ نورها
وَما صوّروا نوراً فما بَرِحَت عورا
٥٤٧. وَكَم مِن صحيحٍ ماتَ إِذ تمّ عمرهُ
وَقَد حَكموا أَن لا يُرى ميّتاً دهرا
٥٤٨. وَكَم مِن سَقيمٍ قرّروا حتمَ موتهِ
فَعاشَ برغمٍ من قواعِدهم عمرا
٥٤٩. عَجائبُهم مَهما تعاظمَ شأنها
أقلُّ شؤونِ الحقِّ يَجعلها صغرى
٥٥٠. وَمِن رقّةٍ في الدينِ وَالعرضِ أَصبحوا
بِأَنفُسهم كلٌّ غَدا حاكماً حرّا
٥٥١. فَما غيّرَت أَخلاقهُم قطُّ غيرةٌ
وَإِن شاهَدوا زَوجاتهم تصحبُ الغَيرا
٥٥٢. وَلَيس بإزراءٍ بهم مسُّ عِرضهم
فَأَعراضُهم ليسَت تشدُّ بهم أزرا
٥٥٣. فَقَد جَعَلوا للرَقصِ في وقتِ لَهوهم
لَياليَ أُنسٍ كَم لَهُم أطلعت بدرا
٥٥٤. فَزَوجةُ ذا في حضنِ هذا وَزوجها
بِزوجتهِ أَجرى الّذي معها أجرى
٥٥٥. فَضائِحُهم لِلصلحِ صارَت ذريعةً
فَلا أَحدٌ يُبدي على أحدٍ فخرا
٥٥٦. نِساءٌ رِجالٌ كالعراةِ تَعانَقوا
بأحسنِ أَشكالٍ تُثير الهوى قهرا
٥٥٧. فَلَو نظرَ العنّين فيهنّ نظرةً
لَما اِحتاجَ في تَقويمِ قوّتهِ أخرى
٥٥٨. وَأَتقى عباد اللَّه ليسَ بممكنٍ
هُنالكَ تَقواهُ إِذا لم يكُن صَخرا
٥٥٩. مَعاركُ أحبابٍ بها جيشُ أُنسِهم
بِفوزٍ على عذّالهم أحرز النصرا
٥٦٠. فَلا تلم اِبناً قد تولّدَ بعدها
إِذا لَم يكُن طوعاً لوالدهِ برّا
٥٦١. فَإِن لَم يَكُن هذا زناءً فإنّه
أَخوهُ سِوى أنّ الزِنا فعلهُ سرّا
٥٦٢. وَمِن قبلِ هذا ما سَمِعنا بأمّةٍ
قَدِ اِستَحسنَته هكَذا علناً جهرا
٥٦٣. وَلَو خيّروا في فعلِ ذلكَ مُسلماً
وَأُنثاهُ لاِختارا على فعلهِ القَبرا
٥٦٤. حَياؤُهما قد ناسبَ الدينَ مِنهما
كَما أنّ هتكَ العرض قد ناسبَ الكفرا
٥٦٥. فَنَحمدُ ربَّ العالمينَ لشرعهِ
حِجاباً عنِ الإسلام قَد حَجَبَ العهرا
٥٦٦. وَكَم زوجةٍ منهم وزوجٍ تباغَضا
وكلٌّ قدِ اِستَغنى بأحبابهِ دهرا
٥٦٧. وَللزوجِ ما تَأتي بهِ من خليلها
من الولدِ مَنسوبٌ وإن زَنَيا جهرا
٥٦٨. وَلَو شُرعَ التطليقُ فيهم لطلّقوا
وَعُوّض كُلٌّ من بغيضٍ له خيرا
٥٦٩. وَكَم زَوجةٍ حسناءَ لكنَّ زَوجها
تَضرّر مِنها حينَما عقرت عقرا
٥٧٠. قَضى العمرَ لا نَسلٌ ولو حلّ عندَهم
تَعدُّدُ زَوجاتٍ لما ضيّع العُمرا
٥٧١. وَليسَ لهُ عذرٌ بحيضٍ ونحوهِ
وَأَعذارُها ليسَت تُفارقُها شَهرا
٥٧٢. فَإِن طلبَ الطبعُ الحلالَ ولم يجد
يُخافُ عليهِ أن يزين له الشرّا
٥٧٣. وقَد حظرَ اللَّهُ الزناءَ وإن تكن
قَوانينُهم قَد لا تَرى في الزِنا حظرا
٥٧٤. وَإذ جَحَدوا الأديانَ لم يتقيّدوا
وَقَد زوّجوا مَن شاءَ مِن ملّةٍ أخرى
٥٧٥. فَدينَ النَصارى ليسَ يحسبُ دينهم
فَقَد خَرَجوا منهُ وما دخلوا غيرا
٥٧٦. وَعُذرهمُ كالشَمسِ في تَركِهم له
وَمِن جَهلِهم باللَّه قَد عَبَدوا الدَهرا
٥٧٧. وَمِن جودهِ تَعجيلهُ فضلهُ لهم
وَتَأجيلهُ التأديبَ لِلنَشأةِ الأُخرى
٥٧٨. وَحَكّمَهم في المُؤمنينَ لِحكمةٍ
بِبعضِ النَواحي وهوَ في ملكهِ أدرى
٥٧٩. وَكَم كانَ حكّامُ الممالكِ قبلنا
فراعنةً جاروا على رُسلِهم جورا
٥٨٠. تَذكّر خَليل اللَّه واِذكُر كليمهُ
وَأَسباطَ إِسرائيل إِذ سَكنوا مصرا
٥٨١. تَذكّر حبيبَ اللَّه قبلُ بمكّةٍ
وَلا تَنسَ عيسى والحوارينَ والعَذرا
٥٨٢. فَيمتحنُ الأحبابَ جلّ جلالهُ
وَيستدرجُ الأعداءَ يُملي لهم مكرا
٥٨٣. لهُ الملكُ يُؤتيهِ إِلى من يشاؤهُ
إِلى مُؤمنٍ طَوراً إلى كافرٍ طورا
٥٨٤. وَلكِنّ عُقبى الأمرِ للمتّقي له
بِدُنياهُ والأُخرى له فيهِما البُشرى
٥٨٥. لهُ الخلقُ للأكوانِ وَالأمرُ كلُّهُ
لهُ الدينُ والدُنيا فما شاءَه أجرى
٥٨٦. فَكَم من غبيٍّ كانَ أَغنى زمانهِ
وَكَم مِن ذكيٍّ ماتَ من فقرهِ قهرا
٥٨٧. وَكَم مِن تقيٍّ عاشَ في الفقرِ راضياً
وكَم مِن شَقيٍّ كانَ أَغنى الورى طرّا
٥٨٨. فَقارونُ أَغنى الناس قَد كان كافراً
وَآجرَ موسى نفسهُ حِججاً عَشرا
٥٨٩. وَأَزهدُ خلقِ اللَّه عيسى بعصرهِ
وَما قطُّ أَغوى الناسَ بالمالِ أو أغرى
٥٩٠. فَلَو عَمِلوا بِالدينِ كانوا بِحكمهِ
أَشدَّ الوَرى زُهداً وأكثرهم فقرا
٥٩١. هُما الدينُ والدُنيا كميزانِ تاجرٍ
إِذا اِنحطّ منهُ كفّةٌ عَلتِ الأخرى
٥٩٢. وَقَد يَجمعُ اللَّهُ السعادة فيهما
لِعبدٍ ويُعطي آخرَ الفقر والكفرا
٥٩٣. وَأَكرِم بمَن قَد حازَ في الناس ثروةً
بِسعيٍ جَميلٍ في الحلالِ به أثرى
٥٩٤. وَلا سيّما مَن كانَ يُنفقُ مالهُ
لِتأييدِ دين اللَّه ينصرُهُ نَصرا
٥٩٥. كَعُثمانَ أَغنى الجيشَ والجيشُ معسرٌ
وَجهّزهُ إبلاً وجهّزهُ تِبرا
٥٩٦. فَلو كانَ عندي ألفُ قلبٍ يحبّهُ
وَألفُ لسانٍ ما وفيتُ له شكرا
٥٩٧. وَحسبُكَ أنَّ المُصطفى قال عندما
أَتاهُ بِها ما ضرَّ عثمان ما ضرّا
٥٩٨. فَيا أمّةَ الإسلامِ في الدين مجدُكم
وَقَد أدركَت أعداؤُكم ذلكَ السرّا
٥٩٩. عَقارِبُهم دبّت لَكم فتحفّظوا
وَلا تَحسبوا جَمراً أتَوكم به تَمرا
٦٠٠. وَقَد زَعموا مَع لينهم حبَّ خَيركم
فَلا تُخدَعوا مَن في الأفاعي رأى خيرا
٦٠١. أَلا اِنتَبِهوا فالقومُ دسّوا لِدينكم
دَسائسَ كُفرٍ قَد تَغرُّ اِمرءاً غرّا
٦٠٢. وَأَعظمُها شَرّاً مدارسُ في القرى
وَفي البدوِ والأمصارِ قد نُشِرت نشرا
٦٠٣. تُربّي لَكُم أَطفالكم في حجورها
وَقَد جَعلَت درسَ الضلالِ لهم درّا
٦٠٤. فَصارَ كثيرٌ منهم مثلَ أَهلها
سِوى الزيِّ وَالأسماء واِتّحدوا كفرا
٦٠٥. أَلا فاِنظُروا كم أخرجَت مِن بنيكمُ
زَنادِقةً بالكفرِ قَد رَبِحوا الخُسرا
٦٠٦. وَصاروا منَ الأعداءِ لا فرقَ بَينهم
سِوى أنّهم في الدينِ أعظمُهم ضرّا
٦٠٧. وَهُم كلَّ يومٍ باِزديادٍ ودينكم
يزيدُ بِهم نَقصاً وربحكمُ خُسرا
٦٠٨. فَكيفَ بمَن يأتونَ مِن بعدِ عصركم
إِذا دامَ هذا فاِلعنوا ذلكَ العصرا
٦٠٩. وَكَم نادمٍ من وضعِ أولاده بها
وَقَد سَبَقت أسيافُها العذلَ والعذرا
٦١٠. أَلا اِنتبهوا ما قد مضى غيرُ عائدٍ
وَبِالحزمِ بعدَ اليوم فاِستقبِلوا الأمرا
٦١١. وَمَن يدّعي الإسلامَ وهو مُثابرٌ
عَلى الغيِّ لم يبرَح به الشهرَ والدهرا
٦١٢. وَليسَ لهُ أعمال خيرٍ فؤادهُ
بِأنوارِها يبيضُّ مِن بعدِما اِغبرّا
٦١٣. فَلا صامَ لا صلّى ولا حجّ لا له
زَكاةٌ ولا أعمالُ برٍّ بها برّا
٦١٤. كَمَن قَد تربّي في مدارسَ شُيّدت
لِتَخريبِ دينِ اللَّه عاشَ بها عمرا
٦١٥. فَصارَ يُحبُّ الكافرينَ وشبههم
يَرى لذّةً في قُربِهم ويَرى فخرا
٦١٦. مُناسَبةٌ قد أَلَّفت بينَ أهلها
تَجرُّ إِلى الأشكالِ أشكالَهم جرّا
٦١٧. وَيكرهُ أهلَ الدينِ حتّى قريبهُ
وَلا سيّما مَن كانَ أشعثَ مُغبرّا
٦١٨. وَما ذَنبُهم إلّا تمدّنهُ وهُم
عَلى فطرةِ الإسلامِ قَد فُطِروا فَطرا
٦١٩. فَإِسلامُ هَذا مثل ثوبٍ مزوّرٍ
رَقيقٍ فمَن يُكساهُ في حكمِ مَن يَعرى
٦٢٠. فَذلكَ عريانٌ وإن كان كاسياً
وَأَفضلُ منهُ مؤمنٌ لبسَ الطِمرا
٦٢١. وَكَم هالكٍ في الكافرين عدادهُ
وَإِن كانَ بينَ المسلمينَ حَمى قَبرا
٦٢٢. نَعَم علّموا أولادَكم كلّ نافعٍ
منَ العلمِ إنَّ العلمَ أعظمُ أَن يُزرى
٦٢٣. وَلا سيّما ما فيهِ تأييدُ دينكم
فَأَعداؤُكم بالعلمِ قَد مَلَكوا الأمرا
٦٢٤. أَعدّوا لهُم من قوّةٍ ما اِستطعتمُ
فَلا يقبلُ المَولى لإِهمالكم عُذرا
٦٢٥. وَمِن دونِ علمٍ كيفَ تحصلُ قوّةٌ
نَكفُّ بِها عنّا منَ المُعتدي الضرّا
٦٢٦. فَيَلزَمُنا بِالمال والحالِ كسبُها
وَبِالعلمِ إنَّ العلمَ آلتُها الكُبرى
٦٢٧. وَلكنَّ حفظَ الدينِ شَرطٌ محتّمٌ
فَلا خيرَ في الدُنيا إذا ضاعتِ الأخرى
٦٢٨. وَلا تَيأَسوا من رحمةِ اللَّه إنّكم
مَتى ما أطعتُم ربّكم جبَرَ الكَسرا
٦٢٩. وَهذا الّذي مِن سخطهِ تشهدونهُ
جَرائرُكم رُدّت فجرّت لَكُم جمرا
٦٣٠. وَكَم صالحٍ فيكُم ولكنَّ فِتنةً
بِها كَثُرَ الأخباثُ عمّمتِ الشرّا
٦٣١. وَيَنصُركم إِن تَنصروهُ بطاعةٍ
بِأن تَتبَعوا مِن شرعهِ النهيَ والأمرا
٦٣٢. أَلَم تَعهدوهُ ناصراً عند نصركم
لَهُ فَبِتركِ النصرِ قد تَرك النَصرا
٦٣٣. فَعودوا يَعُد فهوَ الكريمُ وإنّه
إِذا اِعتذرَ الجاني لهُ يقبلُ العُذرا
٦٣٤. عَسى ولعلَّ اللَّه يأتي بفتحهِ
وَيُحدثَ للإسلامِ مِن لُطفهِ أمرا
٦٣٥. أَلَم يَشرحِ الرحمنُ صدرَ مُحمّدٍ
وَأَكّد أنّ العسرَ يَستصحبُ اليُسرا
٦٣٦. هَنيئاً لعبدٍ عاش في الناس مسلماً
وَلَم يَعتقد شركاً ولم يَعتنق كفرا
٦٣٧. فَذاكَ مليكُ العصرِ لَو باتَ طاوياً
وَأَمضى جميعَ العمرِ في عيشةٍ غبرا
٦٣٨. فَعُقباه عندَ اللَّه جنّةُ عدنهِ
وَيَنسى بِحلوِ الفوزِ كلّ الّذي مرّا
٦٣٩. وَأَخسرُ خلقِ اللَّه مَن كانَ كافراً
وَإِن مَلَكَ الدُنيا وَعاشَ بِها دَهرا
٦٤٠. فَعُقباهُ في أُخراه أسوأُ حالةٍ
وَمَثواهُ نارُ اللَّه قَد زَفَرت زفرا
٦٤١. فَيا مَعشرَ الإسلامِ فُزتُم بِحظّكم
فَحمداً لِمولاكم وشَكراً له شكرا
٦٤٢. وَيا معشرَ الكفّار موتوا بِغَيظكم
فَما نَفَعَتكم حينَ ذُكّرتمُ الذِكرى
٦٤٣. لَعَمري لئن فضّلتُ دينَ محمّدٍ
وَملّتهُ لَم آتِ بدعاً ولا نكرا
٦٤٤. وَإِن هامَ قَلبي في محبّتها فكم
بِها مِن كرامِ الناسِ ِمن مُغرمٍ مُغرى
٦٤٥. وَإِنّيَ لَم أُخدَع بِظاهرِ حُسنها
وَما دونَ تَحقيقٍ فُؤادي بها اِغترّا
٦٤٦. وَلَكن عَلى علمٍ بسرِّ جمالها
تَعشّقتُها قِدماً وكنتُ بها أدرى
٦٤٧. فَفي كلِّ مَعنىً قَد حَوت حُسنَ يوسفٍ
وَقَد زَهَرت أَنوارُها بأبي الزهرا
٦٤٨. وَكلُّ فتىً منّا غَدا في غرامِها
زُليخا وكلُّ الأرضِ قد أَصبحت مِصرا
٦٤٩. وَقَد أَشرَقت بينَ البَرايا شُموسها
كَما أَطلَعت في كلِّ أفقٍ لها بدرا
٦٥٠. وَمُذ نَشَأَت طابَ الزمانُ كأنّما
بهِ نَشَرت في كلِّ ناحيةٍ عطرا
٦٥١. وَجمّلَ أقطارَ البلادِ جمالُها
وَما حَرَمت مِن حسنِ طلعتها قُطرا
٦٥٢. وَمِن عَجبٍ أنّي أحنُّ لِقربها
وَلَم أُخلِ مِن قَلبي وقولي لها ذِكرا
٦٥٣. وَما فارَقتني لَحظةً منذُ نَشأتي
وَما ذُقتُ في عُمري بوقتٍ لَها هَجرا
٦٥٤. وَلو فارَقتني لَحظةً ذبتُ حسرةً
وَلَم أُلف في وُسعي على بُعدِها صَبرا
٦٥٥. وَمِن لُطفِها تَدنو ذِراعاً لعاشقٍ
إِذا ما دَنا بالحبِّ مِن حيِّها شِبرا
٦٥٦. وَمَن جاءَها يَمشي لها مُتقرّباً
فَمِن فَضلها تَأتيهِ هَرولةً طفرا
٦٥٧. فَللّهِ مِن مَحبوبةٍ كلُّ وَصفِها
جَميلٌ فدَع في الحبِّ عمرَة أو عمرا
٦٥٨. حَبَت لِمُحبّيها المكارمَ كلّها
بِكلّ اِرتياحٍ وهيَ تُبدي لهُم شكرا
٦٥٩. وَمَن جاءَها مِن هفوةٍ متنصّلاً
وَمُعتذراً ممّا جنى تقبلُ العُذرا
٦٦٠. وَما رَضِيت إلّا أغرّ مهذّباً
جَواداً ولَم تقبَل لِصُحبتها عيرا
٦٦١. وَلَم ترضَ إلّا عالِماً بِمحاسنٍ
بِها اِنفرَدت في الكونِ لا جاهلاً غمرا
٦٦٢. وَما عندَها كُفؤٌ سوى كلِّ عاقلٍ
وَلَم تَشتَرِط إلّا كمالَ النُهى مهرا
٦٦٣. حَبيبةَ قَلبي وَالمحبّةُ شِرعةٌ
نَدينُ بِها وَالصدقُ آيتُها الكبرى
٦٦٤. أَسرتِ فُؤادي وهوَ راضٍ بأسرهِ
وَلَم أرَ مَأسوراً سواهُ اِرتَضى الأسرا
٦٦٥. تَملّكتهِ عَبداً لك الدهرَ طائعاً
وَأَبغضُ شيءٍ عندهُ أن يُرى حرّا
٦٦٦. وَلَيس لديّ العتقُ حلواً مذاقهُ
وَلَو ذقتُ في حبّي لكِ الحنظلَ المرّا
٦٦٧. وَلَم أدَّخر كَنزاً سواكِ وإنّما
جَعلتُ ثَباتي في محبّتكِ الذخرا
٦٦٨. فَأنتِ مُنى نَفسي وغايةُ مقصدي
وَلولاكِ لَم أحفَل بِدُنيا ولا أخرى
٦٦٩. وَلَو خُيّرَت نَفسي بهجركِ والغِنى
لَكان اِختياري فيكِ أَن أصحبَ الفقرا
٦٧٠. وَلَو عنكِ عوّضتُ المَمالك كلّها
لَكانَ بِعيني كلُّ أَعدادِها صفرا
٦٧١. عَدُوّي مَن عاداكِ مِن كلِّ ملّةٍ
وَإِن عمّرَ الإحسانُ منهُ ليَ العُمرا
٦٧٢. وَمَولايَ مَن ولاكِ مِن كلّ فرقةٍ
وَإِن هوَ قَد أولانيَ الضيمَ والضيرا
٦٧٣. وَأَحملُ كلَّ الهجرِ من كلِّ هاجر
سِواكِ وإنّي منكِ لا أحملُ الهجرا
٦٧٤. وَوَاللَّه لا أَرضى فراقكِ لحظةً
وَلَو عوّضوني ملكَ كلّ الورى الدهرا
٦٧٥. إِذا قلتُ أختُ الروح أنتِ فصادقٌ
سِوى أنّكِ الكبرى وَروحي هي الصغرى
٦٧٦. فَدتكِ نفوسُ العالمينَ مليكةً
وَأسألُ ربّي أَن يُديمَ لك الأمرا
٦٧٧. وَلَستِ كَهاتيكَ الضرائرِ كلّها
عَواهرُ بينَ الناسِ أسّستِ العهرا
٦٧٨. وَعَنها اِنتَهى في العاشقينَ أولو النهى
وَلَم تغرُرِ اللخناءُ إلّا اِمرءاً غرّا
٦٧٩. وَكلُّ جَمالٍ أنتِ في الكون أصلهُ
وَأصلُ جميعِ القبحِ ضرّاتك الأخرى
٦٨٠. وَعَمّمتِ نشرَ الخيرِ في سائرِ الورى
كَما أنّها قَد عمّمت في الورى الشرّا
٦٨١. فَمِن أجلِها وجهُ الخليقةِ عابسٌ
وَثغرُ جميعِ الكائناتِ بكِ اِفترّا
٦٨٢. وَلَو كانَ كلُّ الخلقِ مثليَ شاعرا
وَفيكِ وَفيها نوّعوا النظم والنثرا
٦٨٣. لَما بَلَغوا في قُبحها عُشر وَصفها
وَما بَلغوا مِن حسنِ أوصافك العشرا
٦٨٤. فَهاكِ أَيا خيرَ الحِسان قصيدةً
تُجدّدُ مِن حسّان في عَصرنا ذكرا
٦٨٥. تُنافحُ عَن خيرِ الأنام ودينهِ
وَتَكشفُ عَن أديانِ أعدائهِ السترا
٦٨٦. حَقائق حَقٍّ لا خيالات شاعرٍ
وَلَكنّها سحّارةٌ تسحرُ السِحرا
٦٨٧. عَروسُ المَعاني في بديعِ بيانها
تُزفُّ على أسماعِ أهلِ النُهى بِكرا
٦٨٨. تَكادُ لِحُسنِ السبكِ لَو فاه مُنشدٌ
بِشَطرٍ أَتمَّ السامِعونَ له الشطرا
٦٨٩. إِذا ما رَواها راهبٌ صارَ راغباً
بِحسنكِ يا حسناءُ مهما غَدا غرّا
٦٩٠. تَحلّى بِها جيدُ الزمانِ لأنّني
نَظمتُ بها بِالدرِّ أوصافكِ الغرّا
٦٩١. وإِن كنتِ عنّي قد رضيتِ فقد كفى
وَحَسبي بهِ لا أَبتغي فوقهُ أَجرا
٦٩٢. بِمَدحكِ قَد شرّفت نَفسي وَمدحتي
وَسامِعها والطرسَ والخطَّ والحِبرا
٦٩٣. وَعَفواً أَيا ذات المحاسنِ إنّني
حَصِرتُ ولَم أبلُغ بِمدحي لكِ الحصرا
٦٩٤. وَقصّرَ شِعري عَن مَحاسنكِ العلا
وَإن عَبر البحرَ الطويلَ إلى الشِعرى
٦٩٥. وَلستُ على الأقرانِ مُفتخراً بهِ
وَلَكِنّ لي في خدمةِ المُصطفى الفخرا
٦٩٦. أُنافحُ عَن خيرِ الأنام ودينهِ
وَأمَّتهِ والناسُ قَد رَهِبوا الكُفرا
٦٩٧. وَليسَ لِخيرِ الخلقِ حسّان واحدٌ
يُدافعَ عنهُ الإفكَ وَالشركَ والشرّا
٦٩٨. وَلَكن لهُ في كلّ عصرٍ جماعةٌ
وَإِنّي بهَذا العصرِ منهُم ولا فخرا
٦٩٩. يَمدُّهُم القدّوسُ من روح قدسهِ
فَينفخُ فيهم ذلكَ الولدَ البرّا
٧٠٠. وَإِمدادُ كلِّ الخلقِ مِن سيّد الوَرى
فَلَولاهُ لَم نحسِن بهِ النظمَ وَالنثرا
٧٠١. فَكَم مم قُصوري صغتُ فيهِ قصيدةً
بِها كلُّ بيتٍ فاقَ مِن جوهرٍ قصرا
٧٠٢. وَكَم مِن كتابٍ لو أتى بنظيرهِ
إِمامٌ كبيرٌ كانَ مَنقبةً كُبرى
٧٠٣. بِنثرٍ يفوقُ العقدَ حُلّ نظامهُ
فَيُزري به نَظماً ويُزري به نثرا
٧٠٤. جَواهرُها بعضٌ كبارٌ وبعضُها
صِغارٌ وأكرِم بالكبيرةِ والصغرى
٧٠٥. فَلا تَتعجّب مِن كمالِ جَمالها
وَنَقصي فَكم ذا أخرجَ الصدَفُ الدرّا
٧٠٦. وَسارَت بِها الرُكبانُ في كلّ بلدةٍ
فَما تَرَكت برّاً وَما تَركَت بَحرا
٧٠٧. يَكادُ أَخو الذوقِ السليمِ لسكرهِ
بِها طَرباً يا صاحِ يَحسبُها خَمرا
٧٠٨. وَيُلفي بِها الذوق السقيم مرارةً
كَما ذاقَ حلوَ الشهدِ ذو المِرّةِ الصفرا
٧٠٩. فَكَم من إمامٍ في الزمان وعارفٍ
كَبيرٍ أرى لي خدمتي نَعلهُ ذُخرا
٧١٠. رَآها كعقدٍ زيّن العصرَ حسنهُ
فَيا حُسنها عقداً ويا قبحهُ عَصرا
٧١١. تَمتّع بِها إِن كنتَ تَهوى محمّداً
وَإلّا لأهليها فَدَعها فَهُم أدرى
٧١٢. بِنعمةِ ربّي إنّني مُتحدّثٌ
وَما قَصَدت نَفسي بها الفخرَ وَالكِبرا
٧١٣. نَعَم أَنا فخري بالنبيِّ محمّدٍ
وَأنّيَ مِن أبناءِ ملّتهِ الغرّا
٧١٤. وَذلكَ فَخرٌ لو يفاخرُ مسلمٌ
بهِ الدهرَ في أدوارِهِ غَلَبَ الدَهرا
٧١٥. فَلا عَجبٌ إن قلتُ هل من مفاخرٍ
وَأَحجمَ عنّي سائرُ الملل الأخرى
٧١٦. أُفاخرُهم مهما حييتُ فإِن أَمُت
أُفاخرُ مَوتاهم فَأَغلبهم طُرّا
٧١٧. وَأمّا كَلامي بالنبيّ فَجوهرٌ
وَما أَنا غوّاصٌ ولَم أَخُضِ البَحرا
٧١٨. وَلَولا رسولُ اللَّه قلّدني بهِ
لَما وجَدت عِندي قلائدهُ صدرا
٧١٩. فَمِنه إليهِ راجعٌ فهوَ بحرهُ
أَمدّ بهِ فِكري فأمطره درّا
٧٢٠. وَإِلّا فَما مِثلي يجيءُ بمثلهِ
وَلكنَّ عَزمَ المُصطفى يفجرُ الصَخرا
٧٢١. عليهِ مِنَ الرَحمن أَسنى صلاتهِ
وَأكثرُها عدّاً وأَعظمُها قَدرا
٧٢٢. بِأعدادِ ذرّاتِ الوجودِ وعظمهِ
تَدومُ دوامَ اللَّه لا تقبلُ الحَصرا
٧٢٣. وَللَّه كلُّ الحمدِ في كلِّ لَحظةٍ
يُضاعَفُ لا يَفنى بدُنيا ولا أخرى